العدد 1493 - السبت 07 أكتوبر 2006م الموافق 14 رمضان 1427هـ

وطن... بين جناحي طائر!

محمد حسن العرادي comments [at] alwasatnews.com

مثل غيري استغرقت في التفكير والتأمل في الواقع الذي تعيشه بلادنا هذه الأيام، التي سماها البعض أيام محنة، على رغم أننا على وعد بالدخول في أجمل الأيام التي لم نعشها بعد!، وتساءلت لماذا انتشر الغبار والضجيج في أجوائنا وراح كل واحد منا يعمل على إقصاء الآخر، هل تغيرت البلاد... أم تغير العباد؟

وحين عدت إلى الخريطة وجدت أن البلاد وإن شاب تضاريسها شيء من التمدد بفعل الدفان البحري الذي زحف على الكثير من سواحلها، والكثير من العمارات الشاهقة التي أخذت تخترق سماءها والمشروعات العملاقة التي يكتب عنها الإعلام كل يوم عشرات القصص والأخبار التي لا ينال المواطن منها سوى الحسرة والتندر، إلا أنها لاتزال البحرين التي عرفناها وعشقناها جميعاً.

قلت في نفسي إذا لابد أن يكون التغيير قد طال بعض العباد وأثر في سلوكهم وتوجهاتهم، فصارت طباعهم أكثر حدة وتراجع مستوى الثقة فيما بينهم وحل بدلها الشك والريبة ما أدى إلى زيادة جرعات التوتر والاحتقانات الطائفية التي تحولت مع مرور الوقت وتصاعد التجاهل وانعدام البحث عن الحلول إلى أزمات مفتعلة، ألوانها فاقعة وأصواتها نشاز.

وهنا كان لابد من التأني وأخذ الكثير من مبادئ الحيطة والحذر، فلقد أصبح الواحد منا يسير في حقول من الألغام التي لا يعرف متى وأين ستنفجر وما حجم الدمار الذي ستخلفه بين البشر والحجر، لقد تسارعت ضربات القلب وأصبح هاجس الخوف والقلق مرسوماً على الوجوه التي لم تتعود على التكشير أبداً.

ينتابني شعور غامض أن كثيراً من العيون تنظر إلي بعين الشك تلاحقني، تشكك في كل خطوة من خطواتي، تتبع مكالماتي الهاتفية، تحصي مرات دخولي وخروجي من وإلى البلاد، تتأكد من قائمة أصدقائي، والشخصيات والمعارف والأصدقاء الذين يزوروني أو أزورهم أو ربما ألتقي معهم صدفة، هناك من يشكك حتى في الصدف!

التقيت بأحد الأصدقاء أخيراً في ليلة رمضانية بعد غيبة قصيرة في لبنان الجريح على رأس وفد من مؤسسات المجتمع المدني ضم شخصية بحرينية أصرت على تسجيل اعتزاز شعب البحرين بالمقاومة الإسلامية البطلة في لبنان والتأكيد على وقوف شعب البحرين بكل أطيافه مع أشقائه اللبنانيين من دون تمييز، فاجأني الصديق بالقول «رب صدفة خير من ألف ميعاد» لكنني على غير العادة أخذت أتلفت يميناً وشمالاً، أتفحص وجوه الحاضرين في ذلك المجلس الرمضاني، وعندما تيقنت بأن كل من في المجلس أعرفهم معرفة شخصية، قلت لصديقي لقد أصبحت الصدفة في أيامنا محل شك ومتابعة فارتسمت علامات الاستغراب على محياه الذي لم أعرفه قبل ذلك اليوم إلا متبسماً مستبشراً؟

وحين دار بيننا الحديث ونقلت له جزءا من أخبار زيارتنا إلى لبنان التي استغرقت أسبوعا كاملاً، وكيف أن أعضاء الوفد كانوا سفراء حقيقيين لبلادنا البحرين سجلوا ونقلوا مواقف شعب البحرين التضامنية مع كل من قمنا بزيارتهم أو اتقينا بهم في أي مكان، وشرحت له أن كل فرد من الوفد لم يشعر أو يقوم بأي تصرف خلال فترة الزيارة إلا تعبيراً عن اعتزازه وانتمائه للبحرين كل البحرين من دون تفريق على رغم أن هذا الوفد كان يضم كل التوجهات السياسية والفكرية من مختلف مناطق البحرين.

لقد كان الجميع يعبر في مداخلاته عن تقدير شعب البحرين ومحبته للأشقاء في لبنان، وكان لافتاً أن هذه النغمة لم تتغير وبقيت المفردات اللغوية البحرينية تتكرر على ألسنة أعضاء الوفد في كل الزيارات التي قمنا بها لمختلف التيارات السياسية والفكرية في لبنان، إذ شملت لقاءات الوفد زيارة دولة الرئيس سليم الحص رئيس وزراء لبنان السابق ودولة الرئيس العماد ميشيل عون زعيم التيار الوطني الحر، والنائب الحاج علي عمار عضو كتلة الوفاء للمقاومة حزب الله، والنائب علي حسن الخليل عضو كتلة التنمية والتحرير (حركة أمل) والمرجع الديني الكبير آية الله العظمى سماحة السيدمحمد حسين فضل الله وعدد كبير من الشخصيات والمؤسسات السياسية والاجتماعية اللبنانية التي وقفت في صف المقاومة.

ثم قلت لصديقي تصور أن جميع أعضاء الوفد البحريني إلى لبنان قد تحدثوا بلسان واحد وعبروا عن مشاعر أهل البحرين الصادقة وتضامنهم الكبير مع الأخوة في لبنان وكم كان المشهد مؤثراً وعظيماً عندما قام الوفد بزيارة «بلدة دير قانون النهر» التي قررت مملكة البحرين أن تتبنى إعادة إعمارها بعد أن دمرتها آلة الحرب والعدوان الصهيونية.

في تلك البلدة التي قدمت شهيداً من أبنائها لصد العدوان وللدفاع عن أمتنا، كان المشهد غاية في الروعة، حين فاضت مشاعر نساء البحرين المشاركات في الوفد عاطفة وحناناً وتقديراً للأمهات والزوجات اللاتي قدمن أعز ما لديهن في الدنيا قرابين على طريق النصر والمقاومة، انهمرت دموع بحرينية غزيرة وانزوت النساء جميعهن في ركن من الخيمة الكبيرة التي جمعت بين كونها قد نصبت كسرادق عزاء ومعرض لصور الشهداء ومقبرة لهم.

في ذلك الركن من الخيمة الكبيرة كانت العواطف جياشة، وكان الشعور الذي ينتاب أي ناظر للمشهد هو الرهبة والتعظيم لذلك الاندماج الذي وصل إلى حد الانصهار لدرجة أنك لا تستطيع التمييز بين النساء أيهن من البحرين أيهن من لبنان، لقد شعرت حينها بأننا ذبنا مع الأخوة في لبنان وصرنا منهم، لقد كان الوفد تعبيراً صادقاً عن أصالة شعب البحرين ووحدته.

اعتذرت لصديقي قائلاً: لقد أخذني الحديث عن لبنان بعيداً عن السؤال عن أخبارك والمستجدات على الساحة في البحرين، وهنا رأيت صديقي يعتدل في جلسته ومن دون أية مقدمات وجدته يقول، كان وفدكم إلى لبنان معبراً عن المعدن الحقيقي لشعب البحرين، ولو تركت الأمور تسير على طبيعتها لكان الحال في البحرين أفضل ما يمكن، ولما كنت ترى أو تسمع هذه النعرات الطائفية التي تطفو على السطح بين فترة وأخرى.

هذه البلاد وطن الجميع، ولابد لنا أن نقتنع بذلك، وأن نعمل على نشر ثقافة المواطنة بين أبنائنا من دون تمييز ومن دون تفرقة دينية، مذهبية أو عرقية، الجميع هنا أبناء البحرين، لهم جميعاً أن يفخروا بانتمائهم ولهم جميعاً أن يعيشوا بعز وكرامة وأمان في هذا الوطن.

باختصار، قال صديقي إننا نعيش في وطن بين جناحي طائر، فهل يعقل أن يطير الوطن بجناح واحد فقط، إن من يعمل على نتف ريش أحد جناحي الطائر وتقزيمه وتهميشه، إنما هو يقوم بتفتيت وحدة هذا الوطن ويودي به إلى الفناء والتلاشي، وهنا يجب على جميع الخيرين في هذا الوطن أن يتنبهوا ويحافظوا على الوطن... طائراً معافى حتى يستطيع أن يرفرف في السماء ناشراً جناحيه في المدى ليستظل بهما كل من ينتمي إلى وطن المحبة البحرين

إقرأ أيضا لـ "محمد حسن العرادي"

العدد 1493 - السبت 07 أكتوبر 2006م الموافق 14 رمضان 1427هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً