في العام1951، وفي بوينوس ترزق عائلة لوستيج التي تنتمي إلى الطبقة الوسطى، وهي أسرة من المهاجرين النمسويين الذين فروا من معاداة السامية في أوروبا قبل الحرب العالمية الثانية بطفلة وسيمة تطلق عليها اسم نورا. انتقلت الأسرة في منتصف الستينات إلى الولايات المتحدة. هناك، وفي مدينة أوكلاند، التحقت نورا بمدرسة ميريت المتوسطة. وتلقت تعليمها في جامعة كاليفورنيا في بيركلى، إذ حصلت على درجتي البكالوريوس والدكتوراه في الاقتصاد.
وبحكم بيئتها الأصلية التي ترعرت فيها، والمحيط الجامعي الذي وجدت نورا نفسها فيه، أدركت وفي مراحل مبكرة من حياتها: تأثير الزيادة الحادة في الفقر على النمو في الأجل القصير، وذلك لأن السياسات الاقتصادية كانت تركز أساساً على تثبيت الاقتصاد الكلي، ولم تعر سوى اهتمام ضئيل للعوامل الاجتماعية. لذلك رأيناها في كل أنشطتها وكتاباتها تشدد على أهمية إدخالها، أي القضايا الاجتماعية، ضمن اعتبارات السياسات الاقتصادية سواء على المستوى الشمولي الواسع (الماكرو)، أو التفصيلي الدقيق (المايكرو). وتضرب نورا مثالاً على ذلك بأزمة مثل أزمة المكسيك. ففي رأيها أن أزمة اقتصادية مثل تلك القائمة في المكسيك تجبر الفقراء على أن يهلكوا القسم الأعظم من ممتلكاتهم المالية، والمادية، والبشرية، وهي بالفعل ضئيلة، وبذلك توقعهم في فخ مستوى أدنى من الدخل، وتقلل إلى مدى أبعد من فرصهم في المساهمة في النمو الاقتصادي للبلاد. وفي هذا الصدد تقول نورا: إذا تم سحب الأطفال من مدارسهن، أو لم يحصل الرضع على الغذاء السليم، لأن أمهاتهم لايجدن إليه سبيلا، فإن فرصهم تتقلص في التقدم في مراحل تالية من حياتهم، وفي أن يصبحوا مشاركين منتجين في الاقتصاد.
أما على المستوى الشخصي، وفي نطاق حرصها على إشراك الآخر في صنع القرار وعدم نفيه، فتقول نورا، التي كانت دائماً تذهب إلى آفاق بعيدة للارتقاء بالحوار: عليك أن تتقاسم مع غيرك ما تصل إليه من نتائج وأفكار متبصرة حتى تحرز تقدماً. وكانت نورا تولي التعليم أهمية خاصة. ولتحقيق حلمها في إشاعة التعليم ساهمت في أوائل التسعينات من القرن الماضي، في إنشاء الجميعة الاقتصادية لأميركا اللاتينية والكاريبي، التي تعتبر اليوم المؤسسة الرئيسية للباحثين. التحقت بعد نيلها شهادة الدكتوراه بالعمل في بنك التنمية للأميركيتين. وهناك قامت نورا بالاشتراك مع نانسي بيرذول، التي كانت وقتها نائب الرئيس التنفيذي للمصرف المذكور، وادواردو أنينات، الذي كان وقتها نائب العضو المنتدب بصندوق النقد الدولي، بإطلاق منتدى الإنصاف الاجتماعي الذي ضم مسئولين من منظمات متعددة الأطراف، وجماعات للمجتمع المدني، وأكاديميين. وتقول نورا: إن المداولات التي كانت تدور في صفوف هذا الفريق المتميز قد ساهمت في توصيل الرسالة المتمثلة في أهمية توفير شبكات أمان كافية في أثناء الصدمات الكلية، وهو ما صار الآن من المعارف المعيارية بصورة كبيرة نوعاً.
عندما التحقت نورا ببنك التنمية للأميركيتين في 1988 بوظيفة مستشار أقدم لشئون الفقر ورئيسة الوحدة الاستشارية لشئون الفقر وانعدام المساواة التي كانت قد أنشئت حديثاً، استندت إلى الخبرة المكسيكية في جذب الانتباه إلى أهمية شبكات الأمان الموجهة جيداً في مواجهة الصدمات التي تصيب النظام. وذهبت إلى أن الأمر يقتضي إنشاء شبكات الأمان الكافية قبل وقوع الصدمات.
وتعتزم نورا إصدار نشرة إخبارية عبر أميركا اللاتينية. وترغب في مساعدة صغار المنتجين على النفاذ إلى الأسواق العالمية عن طريق تجميع المنظمات الجماهيرية وغيرها من الجامعات، بما في ذلك كليات إدارة الأعمال بالجامعات، والحكومات المحلية. وهي تسمى ذلك جعل العولمة مفيدة للفقراء وتعتزم نورا الحفاظ على صلاتها الوثيقة بالمشهد السياسي في المكسيك، وباعتبارها الاقتصادية الأولى في مجال قضايا الفقر، تلجأ إلى استشارتها طائفة عريضة من اللاعبين السياسين. كل ذلك لا يلهي نورا عن مسئوليتها الاجتماعية. لذلك فهي تدخر وقت فراغها لأصدقائها وأسرتها المكونة من ابن وابنة يدرسان في الجامعة، وفي ممارسة هواية الرسم شبه التجريدي
إقرأ أيضا لـ "عبيدلي العبيدلي"العدد 1493 - السبت 07 أكتوبر 2006م الموافق 14 رمضان 1427هـ