العدد 1492 - الجمعة 06 أكتوبر 2006م الموافق 13 رمضان 1427هـ

منظور معرفي*جولة في أميركا اللاتينية 2/2

عبيدلي العبيدلي Ubaydli.Alubaydli [at] alwasatnews.com

كاتب بحريني

نواصل في الحلقة الثانية من المقال استعراض المزيد مما نشرته النسخة العربية من فصلية »التمويل والتنمية« التي تصدر عن صندوق النقد الدولي عدد ديسمبر/كانون الاول 2005 للحديث عن أميركا اللاتينية من مختلف الجوانب: السياسية، والاجتماعية، والاقتصادية.

فتحت عنوان »أميركا اللاتينية إلى الخريطة« ينقل أرتورو فالنزويلا وهو أستاد مادة الحكم ومدير مركز دراسات أميركا اللاتينية في جامعة جورج تاون. وكان المساعد الخاص للرئيس ومدير أقدم لشئون البلدان الأميركية في مجلس الأمن الوطني الأميركي في أثناء العامين 1999 2000، ملخضا ما ورد في دراسة تبناها مجلس المخابرات الوطني الأميركي تضع سيناريوهات لكيفية »رسم خريطة لمستقبل العالم«. وهي دراسة يكثر الاستشهاد بها للاتجاهات العالمية التي ستشكل العالم في العام 2020 الا أن القرن الحادي والعشرين سيكون قرن آسيا، بصعود الهند والصين إلى مرتبة القوة العالمية.

يلاحظ فالنزويلا أن تلك الدراسة التي وضعت توصياتها بعد استشارات مكثفة استمعت فيها إلى نصيحة أكثر من 1000 خبير في ثلاث قارات، تذكر بالكاد أميركا اللاتينية. فخارج كندا والولايات المتحدة وإشارات عابرة للبرازيل باعتبارها قوة اقتصادية صاعدة، ترى الدراسة أن بلدان نصف الكرة الأرضية الغربي جنوب ريو جراندي قد همشت مرة أخرى بسبب التغيرات المثيرة في عالم يزداد عولمة. وبالإضافة إلى ذلك، يحتج مراقبون كثيرون بأن ديمقراطيات أميركا اللاتينية ضعيفة ولا تستجيب سريعا، وأن الإصلاحات الاقتصادية فيها فشلت في توليد نمو له قيمته أو في تقليل عدم المساواة الصارخ في الداخل.

لكن فالنزويلا يخالف ما ذهبت إليه تلك الدراسة، ويرى أن الصورة التي رسمت عن حال أميركا اللاتينية مبالغة في التشاؤم وتقلل من قدر التقدم الكبير الذي تحقق في الربع الأخير من القرن.

ولا يخفي فالنزويلا الدور الذي لعبه كل من الأداء الضعيف للأنظمة الاستبدادية من جهة ونهاية الحرب الباردة من جهة ثانية، في تفسير التحول المثير نحو حكومات مدنية منتجة. فمنذ العام 1930 وحتى العام 1980، تمت 40 في المئة من كل التغييرات في الحكومات في أميركا اللاتينية بواسطة انقلابات عسكرية. وانخفض هذا العدد إلى النصف في أعوام الثمانينات ثم اختفى بعد 1991، عندما حدث آخر انقلاب عسكري كلاسيكي في هايتي. وعادت الديمقراطيات التاريخية مثل شيلي وأورغواي إلى الحكم المدني، وشهدت البلدان ذات التقاليد الديمقراطية الضعيفة أو التي لم تكن لديها تقاليد ديمقراطية أصلا مثل بوليفيا وبراغواي وغالبية بلدان أميركا الوسطى لأول مرة تجربة الانتقالات المتوالية للسلطة التي اتبعت القواعد الدستورية. وأصبحت المكسيك، التي كانت قد أرست لأجل طويل دولة الحزب الواحد، ديمقراطية تتعدى فيها الأحزاب المتنافسة.

ويرى فالنزويلا أن عملية تدعيم الديمقراطية عملية طويلة وصعبة وتتطلب تقوية مؤسسات الحكومة الرسمية وحكم القانون، وكذلك تنمية المنظمات النيابية مثل الأحزاب السياسية التي تشكل جسراً أساسياً بين المواطنين وأجهزة صنع السياسة.

ويحذر فالنزويلا من التسطيح في فهم تجربة أميركا اللاتينية قائلا »إن الأمر ليس أن الازدهار قد سمح للديمقراطية بأن تزدهر. بل بالأحرى العكس هو الصحيح ان نوعية المؤسسات النيابية، وحكم القانون، والحكم الديمقراطي هي العوامل المهمة في خلق الظروف المناسبة للنمو طويل الأجل والمستدام والعادل. ويقتضي الأمر أن تتصدى أميركا اللاتينية للتحديات القاسية للفقر وعدم المساواة وتصبح في الوقت نفسه أكثر تنافسية في اقتصاد معولم. وتقوية وتدعيم مؤسسات الديمقراطية وحكم القانون جزء حيوي من تلك العملية«.

دراسة أخرى مطولة حملت عنوان »السقوط في مأزق: سبل محاربة الفقر وعدم المساواة الدائمين في أميركا اللاتينية«، اشترك في إعدادها مدير وحدة الفقر ونوع الجنس في منطقة أميركا اللاتينية والكاريبي في البنك الدولي جيم سافدرا، واقتصادي أقدم في الوحدة نفسها عمر س. أرياس .

يرى الكاتبان أنه بعد المعاناة من نوبات من الأزمة أو التباطؤ في أواخر التسعينات، ومطلع أعوام هذا القرن، أصبحت أميركا اللاتينية الآن تتمتع بالمساواة في الدخل. وبينما تسير المنطقة ككل في طريق تحقيق أهداف الألفية الإنمائية المتعلقة بالتنمية البشرية لكونها متقدمة عن مناطق أخرى من حيث وفيات الأطفال وإتاحة المياه الآمنة، والعدل بين الجنسين في التعليم إلا أنها متخلفة في تحقيق الهدف الخاص بالفقر (مع إفريقيا جنوب الصحراء). وفي الواقع أن البنك الدولي يقدر أن أميركا اللاتينية تتعرض لخطر عدم تحقيق هدف التنمية الألفية بخفض مستوى الفقر في 1990 إلى النصف بحلول العام 2015.

ويبدو أن محاربة الفقر والنجاح في تحقيق قياس الفقر هو تحد للمحللين وصناع السياسة، وتستخدم المنظمات الدولية أرقاماً تساوي القوة الشرائية لقياس معدلات الفقر. ويبدو أن استخدام مثل هذا المعيار يسهل المقارنات الدولية. وباستخدام مستوى دولار واحد لتساوي القوة الشرائية في اليوم، يقدر البنك الدولي أن الفقر المفرط في المنطقة تراجع من 11.3 في المئة في العام 1990 إلى 9.5 في المئة في العام 2001 على رغم أنه بسبب نمو السكان، ظل عدد الأشخاص الذين يعيشون على دولار واحد في اليوم 50 مليونا أثناء تلك الفترة. وبالنسبة الى سنوات أقرب عهدا، تبين التقديرات الأولية زيادة طفيفة في معدل الفقر، ولكن على أساس مقياس محدود بدولارين لتكافؤ القوة الشرائية في اليوم، فإن المنطقة لم تحقق تأثيراً يذكر على الفقر. ويقدر البنك الدولي أن الفقر قد شمل 52 في المئة من السكان تقريباً منذ أواسط أعوام التسعينات. وبسبب نمو السكان، ازداد فعلاً عدد الفقراء فوصل فعلاً إلى 128 مليونا تقريباً في أوائل العقد الأول من القرن الحادي والعشرين.

لكن الكاتبين يلمحان إلى أن خطأ الكثير من المحللين والمنظمات الإقليمية أنها كثيراً ما تستشهد بمستويات للفقر في أميركا اللاتينية والكاريبي أعلى من ذلك بكثير. ويرجع السبب في ذلك إلى أن البلدان تتبنى خطوط الفقر الوطنية الخاصة بها لتأخذ في اعتبارها كلا من الظروف الاقتصادية والاجتماعية المحلية ومستواها الخاص من الرفاه. وهذه الخطوط الوطنية ليست قابلة للمقارنة بصورة دقيقة عبر البلدان، ولكنها تمكن الحكومات من تتبع التقدم وتحديد عدد الناس الذين يحتمل ان يستفيدوا من سياسات تخفيف عبء الفقر تبعا لمستويات المعيشة الخاصة ببلدان معينة.

ويرى الكاتبان أنه باستخدام خطوط الفقر الوطنية (المبنية على معلومات من قاعدة البيانات الاجتماعية الاقتصادية لأميركا اللاتينية والكاريبي)، تبين أن الفقر يصيب 39 في المئة من أهل أميركا اللاتينية، ما يعني أن أكثر من 200 مليون لا يحصلون على دخل يكفي لتغطية النفقات الأساسية للطعام وغيره. أما بالنسبة الى الفقر المفرط الذي يقاس بعدم القدرة على شراء سلة من الطعام تحتوي على الحد الأدنى من الإمدادات بالسعرات فقد انخفض المعدل قليلا من 22.5 في المئة في مطلع العام 1990 إلى 18.6 في المئة من مطلع العقد الأول من القرن الحادي والعشرين، ووصل العدد الفعلي الآن للأشخاص الذين يعيشون في فقر مدقع إلى نحو 96 مليونا.

ويرفع الكاتبان علامة استفهام في غاية الأهمية حين يقولان: »لماذا ظل الفقر على هذه الدرجة من الارتفاع؟ » ويتبعان ذلك بتلخيص أسباب ذلك بتحديد عناصر أسباب الفقر على النحو الآتي:

أولا، لأن النمو الاقتصادي كان غير كاف. فمن الثابت تماماً أن التقليل المستدام للفقر يرتبط بالنمو الاقتصادي، بشكل وثيق والمنطقة لم تحقق سوى معدل في نصيب الفرد من النمو على مدى الخمس عشرة سنة الماضية يبلغ 1 في المئة. علاوة على ذلك، فإن استجابة دخول الفقراء لذلك النمو (المعروف بمرونة الفقر النمو) يمكن أن تختلف بدرجة كبيرة. وأحد العوامل التي تحدد درجة الاستجابة هي مستوى عدم المساواة، وفي حال أميركا اللاتينية، فإن عدم المساواة في الدخول كبير بصورة مفرطة.

ثانيا: لم يكن النمو الذي حدث في هذه الفترة عموماً في صالح الفقراء. ففي بلدان عدة مثل براغواي والأرجنتين، انخفض دخل الفرد منذ أواسط أعوام التسعينات بالنسة الى افقر 40 في المئة من السكان.

ثالثاً: على رغم أن استقرار الاقتصاد الكلي قد تحسن عموماً في المنطقة على مدى الخمسة عشر عاماً الماضية، فإن توالي الأمازات الاقتصادية، خصوصاً في مطلع التسعينات ومطلع العقد الأول من القرن الحادي والعشرين، ثبت أنه مدمر بالنسبة الى الفقراء.

رابعاً: يفتقر الفقراء إلى مستوى الحد الأدنى من الأصول اللازمة للاستفادة الكاملة من عملية النمو. ويشمل هذا قصور مستوى ونوعية التعليم والصحة وكذا فرص الحصول على الخدمات الاجتماعية الأساسية والبنية الأساسية مثل الشوارع المرصوفة والكهرباء التي يمكن الاعتماد عليها والمياه النظيفة وشكبة المجاري.

ويخلص الكاتبان إلى نتيجة مهمة في هذا الإنجاه مفادها أنه مادام الفقر متعدد الأوجه، فإن الأمر تبني البلدان لتدخلات في السياسات على جبهات متعددة، رهنا برأس المال المالي والسياسي الشحيح. وهذا يعني أنه يتعين عليها أن تجد طريقة للتنسيق بين هذه التدخلات المختلفة، وكان الأمل معقودا على أن هذا يمكن أن يتم من خلال استراتيجية متكاملة لتقليل الفقر. وفي السنوات الأخيرة، حاولت الكثير في بلدان أميركا اللاتينية سلوك هذا الطريق، ولكن النتائج كانت مختلطة تماماً.

قراءة صحيحة ومعمقة لما ورد في مقالات الكتاب عن أميركا اللتينية بوسعها أن تلقي الضوء على الواقع العربي، هذا إن أردنا ان نستفيد من تلك التجربة الغنية

إقرأ أيضا لـ "عبيدلي العبيدلي"

العدد 1492 - الجمعة 06 أكتوبر 2006م الموافق 13 رمضان 1427هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً