العدد 1492 - الجمعة 06 أكتوبر 2006م الموافق 13 رمضان 1427هـ

المسلمون في أميركا... والملا «معصوم»

وليد نويهض walid.noueihed [at] alwasatnews.com

كاتب ومفكر عربي لبناني

في تسجيل صوتي أرسل قبل شهر من الانتخابات التشريعية النصفية في الولايات المتحدة هدد مسئول في حركة «طالبان» يطلق على نفسه «الملا معصوم» أميركا بالعذاب الهائل الذي سينزل عليها. فهذا «الملا» المعلوم/ المجهول اختار شهر رمضان المبارك ليطلق تهديداته «العنترية» محذراً أميركا شبراً شبراً بالويل والثبور. ولم يتردد هذا «الملا» غير «المعصوم» في توجيه دعوة إلى المسلمين المقيمين في الولايات المتحدة بمغادرة البلد «في أقرب فرصة»؛ لأن الله عز وجل «لن يترك شبراً إلا وينزل عليه العذاب». وختم الملا تحذيره للولايات المتحدة ونصائحه المسمومة للمسلمين المقيمين في ذاك البلد بالدعوة إلى الانطلاق إلى مراكز الجهاد ضد «القوات الصليبية».

هذا الكلام المنسوب إلى «طالبان» أقل ما يقال عنه إنه أكثر من تافه وسخيف. ففيه كمية من الجهل ما يكفي للإساءة إلى مشاعر المسلمين ومصالحهم في الولايات المتحدة. فهذا الملا لا يملك فكرة عن موقع ومكانة ودور المسلمين في أميركا. كذلك لا يدرك كم هي الصعوبات التي سيتعرض لها هؤلاء من وراء كلامه المسموم الذي يعطي ذريعة للأجهزة الأمنية بمراقبة ناس أبرياء يعيشون في نحو ولاية ويبلغ تعدادهم السكاني نحو تسعة ملايين نسمة. فالنداء يطلب من تسعة ملايين مسلم مغادرة أميركا في «أقرب فرصة» ممكنة وقبل نهاية الشهر الكريم. «الملا» يتعامل مع ملايين المسلمين وكأنهم ضيوف على دولة أميركا وأنهم في حال سفر وتأهب وليس عندهم مصالح ولا ارتباطات ومسئوليات.

طبعاً لم يقل لهم هذا الملا لماذا وكيف وإلى أين يتجهون؟ وماذا يفعلون بأملاكهم ومنازلهم وأشغالهم ومؤسساتهم وشركاتهم ومعاهدهم ومراكزهم العلمية والفكرية والمكتبات والمساجد وغيرها وغيرها من قطاعات إعلامية وثقافية ومالية؟ هكذا وبكل بساطة يطلب الملا «معصوم» من المسلمين اقتلاع أسرهم وعائلاتهم والهرب من أميركا والتشرد في بقاع العالم من دون سبب واللجوء إلى هنا وهناك والسكن في المخيمات يشحذون ويتسولون ويموتون من الجوع والخوف والملاحقات الأمنية وغيرها من سلبيات وسيئات ومصائب ستلحق بهؤلاء المساكين؛ لأن هناك من يدعي أنه يتحدث باسمهم ويحرص على حياتهم من موت مؤكد ومقتلة آتية لا محالة قبل نهاية رمضان المبارك.

مثل هذه التحذيرات التي تطلقها الجماعات المسلحة المحسوبة على الإسلام والمسلمين وتدعو إلى القتل والتدمير والإبادة والمسح هي اللغة السياسية التي يريد الرئيس الأميركي جورج بوش سماعها. هذا الكلام العشوائي الذي يطلق في المهرجانات والمظاهرات وفي المناسبات يعطي الإدارة الأميركية تلك الذرائع التي تبرر استراتيجيتها العسكرية في الخارج. فالتحذيرات تقدم إليها كل ما تريده من أسباب لاقناع دافع الضرائب والناخب والرأي العام بأن واشنطن هي في موقع الدفاع وأنها تعمل على حماية أمن المواطن من تهديد الغرباء و«الوحوش» وكل الأطراف التي تتربص بالولايات المتحدة وتحسدها على نجاحها وازدهارها ونمط حياتها ومعاشها.

بوش وأعوانه وأنصاره في أميركا وخارجها أكثر الاتجاهات استفادة من تلك البيانات والبلاغات غير المسئولة التي تهدد أوروبا والولايات المتحدة باسم الإسلام والمسلمين بالدمار الشامل أو بارتكاب عمليات ضد أهداف مدنية. فالكلام عمليًّا لا معنى له ولا يقدم ولا يؤخر في المعادلات الاستراتيجية ولكنه نظرياً يعطي تلك الفئات المتطرفة والعنصرية والكارهة للعرب والمسلمين في «البيت الأبيض» كل ما تحتاج إليه من مواد أولية لتبرير انفاقها على الحروب. كذلك يعطي الكلام الفوضوي أسلحة دعاوية للرد على المعارضة الداخلية وإحراجها سياسياً أمام الرأي العام وإظهار الحزب الديمقراطي وكأنه يمثل وجهة نظر غير مبالية بالمخاطر الأمنية التي تزعزع استقرار المجتمع ومصادر رزقه وتشل نمط حياته اليومية.

هذا جانب من الموضوع. الجانب الآخر هو الأسوأ. فالكلام الكبير الذي لا قيمة واقعية له يضع المسلمين في موقع الطرف الضعيف في المعادلة ويظهر كل المسلمين في إطار صورة سلبية تريد واشنطن تضخيمها لاثارة المخاوف لدى الناس والتأكيد أنها ليست القوة المفترية على الإسلام.

المسلمون هم الضحية في نهاية الأمر. فهم ضحية تلك التصريحات التي تطلقها مجموعات مجهولة لا يعرف من يمولها ويسهل لها أمورها ويسجل تصريحاتها ويبثها للاثارة الإعلامية وهم أيضاً ضحية أولئك الرعاع الذين ينتظرون مثل هذا الكلام للبناء عليه وتطويره وتضخيمه لتحقيق غايات بعيدة المدى تبدأ بمحاصرة المسلمين في أميركا ووضعهم في دائرة الشبهات والمراقبة اليومية وتنتهي باستكمال خطة التقويض ضد الدول المسلمة في منطقة «الشرق الأوسط».

توقيت التحذير

مثل هذه البيانات الساذجة التي تغرف من الكلام من دون وعي أو مسئولية ليست بريئة وخصوصاً أنها تصدر في أسوأ الظروف وفي شهر الصوم وقبل أسابيع من انتخابات الكونغرس النصفية في نوفمبر/ تشرين الثاني المقبل. فهذا الكلام العشوائي/ الكريه يفسد على المسلمين في الولايات المتحدة صيامهم وينغص عيشهم ويعرض أمنهم وحياتهم للخطر ويثير حولهم الشبهات ويورطهم في اتهامات ويجرجرهم إلى المحاكم والتحقيقات ويضعهم تحت المراقبة بذريعة البحث عن صلات وهمية واتصالات بعيدة وقريبة من هذا الملا «معصوم». كذلك فإن هذه التحذيرات التي تهدد أميركا بالدمار الشامل تسهل على إدارة بوش مهماتها الخارجية وتعطيها أفضلية في التفاوض مع دول مجلس الأمن لتأييد سياساتها المتطرفة وتضع القوى الكبرى في موقع المؤيد أو على الأقل غير المعارض لنهج التصعيد الذي تقوده واشنطن من الأمم المتحدة ضد العالم الإسلامي.

إلا أن الوظيفة الأفضل لحزب بوش الجمهوري هي تلك الخدمة الإعلامية التي تحتاج إليها إدارة «البيت الأبيض» لتسويق مشروعها الانتخابي الذي يركز على الأمن وإعطاء أولوية للدفاع في اعتبار أن الخطر «الإرهابي» لايزال يحذر ويهدد بالضرب والسحق والحرق والتدمير كما قال «معصوم». فهذا «الملا» أعطى فرصة جديدة لبوش للتأكيد مجدداً على صحة مشروعه وبرنامجه وسياسته. فالكلام الغاضب جاء في توقيت مناسب وقبل أسابيع من الانتخابات إذ كانت الاستطلاعات ترجح فوز الحزب الديمقراطي في معظم المقاعد، الأمر الذي سيعطيه غالبية نيابية في الكونغرس. وفي حال نجح الديمقراطي في هذه المرحلة فمعنى ذلك أنه بات في موقع يسمح له بتعطيل كل خطط بوش أو على الأقل يرفع من درجة الصعوبات التي يلاقيها لترويج مشروعه الأمني الداخلي وانفاق المليارات من الدولارات على حروبه الخارجية ضد الدول المسلمة.

تصريح الملا «معصوم» ليس بريئاً في توقيته فهو يأتي في ظرف حساس تحاول فيه واشنطن اقناع الدول الكبرى بتمرير مشروعها في مجلس الأمن ضد إيران. كذلك يصادف انتخابات أظهرت استطلاعاتها أن شعبيه بوش وحزبه تراجعت إلى أدنى المستويات. والأخطر من ذلك أن الكلام يثير الشبهات حول المسلمين في الولايات المتحدة ويضعهم في دائرة الشك والمراقبة بذريعة أن ولاء المسلم ليس للدولة التي يعيش فيها بل للملا «معصوم» المتخندق في مكان ما

إقرأ أيضا لـ "وليد نويهض"

العدد 1492 - الجمعة 06 أكتوبر 2006م الموافق 13 رمضان 1427هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً