في فضيحةٍ جديدةٍ لإدارة الرئيس المسيحي المتديّن بوش، فجّر الجنرال برويز مشرف قنبلةً مدويةً عندما نشر مذكراته «على خط النار»، وتضمنت اتهام الإدارة الأميركية بدفع الرشوة مقابل من يتم اصطيادهم من «الطالبان».
الأصدقاء الأميركان لاموا مشرّف كثيراً على تهوّره، لأنهم أصيبوا بصدمةٍ كبيرة «فأنت من جماعتنا وتعمل كده»! وهم كما يقولون: «لأول مرة نشاهد في حياتنا رئيساً مازال على سدة الحكم يقوم بنشر مذكراته»! وهذا المنطق الغريب يعني: المفروض ألا ينشر أي صديق لأميركا مذكراته إلاّ عندما يقبض «عزرائيل» على روحه!
من أهم ما نشره مشرّف من غسيل البيت الأبيض، وأحرج به حكومة بوش، هو وجود «صفقة» بالملايين لبيع «الطالبان» ومقاتلي «القاعدة» للأميركان، ويعلم الله أين ذهب هذا المال الحلال، هل دخل جيب مشرف أم إلى خزانة الدولة الباكستانية العلية!
إلى جانب فضيحة صفقة بيع مقاتلي «الطالبان»، كشف مشرّف أن بلاده تعرّضت إلى التهديد المباشر للدخول في «حرب الإرهاب»، إلى درجة انهم طلبوا منه ضرب كل المظاهرات التي قد تندلع ضد أميركا بعدما تبدأ قاذفاتها بدكّ الجارة المسلمة أفغانستان. وهو أمر تجرّأ مشرف على وصفه بـ «المطلب التافه»!
مشرف ذكر أيضاً أن مساعد وزير الخارجية الأميركية المتوحش ريتشارد آرميتاج هدّد في اليوم التالي لهجمات سبتمبر، مدير الاستخبارات الباكستانية، بأنه في حال قررت باكستان دعم «الإرهابيين» من «طالبان» و«القاعدة» فإن أميركا ستعيد بلاده إلى القرن الحجري بضربها بالقنابل والقاذفات!
مشرف الذي اعتبر الأوامر والنواهي الأميركية مذلة بحقه كجندي، برّر من جانبٍ آخر قرار مشاركته الفاعلة بالتعاون مع أميركا، بالقول ان القرار في خدمة الاقتصاد الباكستاني، «لأننا ببساطة ليس لدينا نفط»! بل ذهب إلى القول ان «طالبان التي تلقت فيما سبق دعم أميركا، كانت تدفعها ايديولوجية دينية لا علاقة لها بتعاليم الإسلام الحقيقية، وهذا ما دفع باكستان للتراجع عن دعمها»! فالرئيس (دامت بركاته) خرج على شعبه بهذه النظرية الأفلاطونية الجديدة ليكحل بها العيون! فالدولة التي يمثلها لم تكتشف حقيقة ايديولوجية «طالبان» إلاّ بعد إعلان الأميركان حربهم عليها!
مع ذلك، لم تنطل الحكاية على الناس، فالمعارضة الباكستانية اعتبرت الكتاب محاولةً بائسةً لتعزيز شعبيته، وكشفت أن فخامة الرئيس تلقى مبلغ مليون دولار لكتابة هذه المذكرات! ولو صحّ هذا الرقم فإنها كارثةٌ أن يقبل رئيس دولة إسلامية كبيرة بهذا المبلغ التافه الزهيد لبيع مذكراته، ولكن ما العمل والزمن زمن «اكتب واستلم»!
هذا عن الجهة القابضة، أما عن الجهة الدافعة، فلم تتردّد عن نفي التهم كالعادة، فالرئيس بوش أبدى دهشته من هذه «الافتراءات»! بينما نفى أرميتاج أن يكون هدّد زعيم المخابرات الباكستانية، فيما أعلن متحدث باسم وزارة العدل الأميركية علمه بصفقة شراء «الطالبان»، وأصدر فتوى قانونية بقوله: «ذلك أمرٌ يجب ألاّ يحدث»!
صحيفة «التايمز» أشارت إلى خيبة أملها في الرفيق المناضل مشرّف الذي ائتمن على أسرار أميركا، لكنه خان الأمانة بنشره مثل هذه الأسرار الخطيرة! ونقلت عن مسئولين في الاستخبارات الأميركية قولهم «إن علاقة الوكالة مع القادة في العالم أمر سري، وهم يتوقعون الأمر نفسه من القادة أنفسهم».
قبل عاماً، عندما خرج علي بوتو قليلاً عن النص، جاء الأميركان بجنرالٍ للحكم ليخلع له رقبته شنقاً، فماذا سيفعلون مع هذا الجنرال الناكر للنعمة بعد تعمّد الخروج مراراً على النصوص؟
إقرأ أيضا لـ "قاسم حسين"العدد 1491 - الخميس 05 أكتوبر 2006م الموافق 12 رمضان 1427هـ