العدد 1491 - الخميس 05 أكتوبر 2006م الموافق 12 رمضان 1427هـ

الرهان على الانشقاق الداخلي تمنيات... ولا أمن باستجداء الخارج

السيد محمد حسين فضل الله comments [at] alwasatnews.com

لاتزال اللعبة الدولية الخاضعة في مضمونها السياسي للولايات المتحدة الأميركية تصادر القضية الفلسطينية لحساب «إسرائيل»، في خطتها التمييعية التي تراهن على عامل الزمن في تنفيذ الاجتياح الجغرافي للأرض من خلال المستوطنات والجدار العنصري الفاصل، والسيطرة على مصادر المياه في الضفة الغربية، والعبث بالوضع الفلسطيني من خلال التلويح بالاجتماع برئيس السلطة من دون أي نتيجة إيجابية لأي حل للمشكلة، تماما كما لو كان ذلك بمثابة الصدقة التي تتصدق بها حكومة العدو على السلطة!

وفي هذا الجو، نجد الخداع الأميركي الذي يطرح بعض الأمور التعجيزية التي لا تنتهي إلى أي حل، من خلال تغليب الجانب الأمني المثير للفتنة الداخلية على الجانب السياسي الذي يدخل في حركة الحل. وتبقى المسألة في المتاهات الدولية في خريطة الطريق التي تزداد جموداً، لأن اللجنة الرباعية الدولية لا تريد إيصال المسألة إلى حسم المشكلة، فأعضاء اللجنة ما عدا أميركا لا يملكون من الأمر شيئاً بفعل الضغط الأميركي الإسرائيلي الذي يحاصر القضية في دائرة مصالحه الاستراتيجية التي لا تلتقي مع مصالح الفلسطينيين.

وهكذا، رأينا كيف عزلت الدول العربية عن الحصول على أي مكسب في هذه المسألة فيما يسمى بالصراع العربي الإسرائيلي، وهذا ما عرفه العالم في الفشل العربي في طرح هذا الصراع في مجلس الأمن الذي لم يكلف أعضاؤه أنفسهم الاهتمام بالجامعة العربية التي سبق أن أعلنت وفاة الحل للقضية الفلسطينية وسقوط المبادرة العربية بالضربة القاتلة من قبل أميركا الإسرائيلية التي تتعامل مع العالم العربي كعالم مهزوم، حتى أنه أصبح ينظر إلى موقعه بهذه النظرة.

لقد استطاعت أميركا إقناع أكثر الدول العربية أن «إسرائيل» ليست المشكلة، وليست العدو، وأن الفلسطينيين ولاسيما فصائل الانتفاضة يمثلون الحال الإرهابية التي تشكل الخطر على العرب كما على «إسرائيل»، ولذلك فإن الإدارة الأميركية ترى أن من مسئوليتهم التنسيق مع الدولة العبرية في الضغط عليهم، وهذا ما يتمثل بين وقت وآخر في تهديد الانتفاضة من قبل بعض المسئولين الأمنيين العرب بالاجتياح الإسرائيلي لغزة إذا لم تفرج حركة حماس عن الجندي الإسرائيلي، بدلاً من التدخل لدى «إسرائيل» للإفراج عن الأسرى الفلسطينيين، ولاسيما المسئولين في المجلس التشريعي والحكومة الفلسطينية من حركة حماس.

إن أميركا تريد للعرب نسيان الخطر الإسرائيلي، وإهمال القضية الفلسطينية بالاستعداد لما تسميه بالخطر الإيراني الذي ترى فيه أميركا مشكلة لها، في معارضة سياسة الجمهورية الإسلامية الإيرانية لسياسة الإدارة الأميركية الضاغطة على المنطقة في مصالحها الحيوية، ولاسيما في رفض إيران الاحتلال الأميركي للعراق الذي تحول إلى ساحة للمجازر التي تجتاح العراقيين المدنيين بتأثير سلطات الاحتلال التي يتكامل مع الفئات التكفيرية ومخابرات الموساد، ثم في رفضها الاحتلال اليهودي لفلسطين، أرضاً وشعباً، وفي دعم الشعب الفلسطيني في جهاده ضد الاحتلال، وفي تأييدها ودعمها للمقاومة الإسلامية في لبنان.

إن هناك لعبة دولية أميركية للسيطرة على المنطقة بمقدراتها الاقتصادية والسياسية والأمنية، من خلال خلفية استكبارية لمصادرة الواقع كله، ولتنفيذ الاستراتيجية المتحركة في الضغط على المواقف الحرة الرافضة للعبودية المفروضة من قبل الدولة المهيمنة على العالم كله وعلى الشعوب كلها أن تواجه هذا الموقف بالتخطيط للمعارضة الفاعلة التي تسقط عنفوان المستكبرين بكل الوسائل القوية، لتبقى للشعوب حريتها في إدارة شئونها، والحفاظ على مصالحها الحيوية وقضاياها المصيرية، لأن الاستكبار مهما بلغت قوته فإن الشعوب الواعية قادرة على إرباك خطواته وتدمير مصالحه، إذا استطاعت هذه الشعوب أن توحد حركتها في عملية تخطيط فاعل في الحاضر والمستقبل.

أما في لبنان، فإننا نواجه تصريحات وزيرة الخارجية الأميركية عن النسيج الداخلي اللبناني عبر الضرب على الوتر الطائفي، تارة بالإيحاء أن أميركا مع فريق معين ضد فريق آخر، وطورا بالسعي للإيحاء بوجود انقسامات داخل الطائفة الإسلامية الشيعية، بين فريق ينفتح على الالتزام بالخط الأميركي الإسرائيلي ضد المقاومة وفريق يلتزم المقاومة في عملية التحرير وفي حركة الانتصار، وذلك من خلال تحريك «الفوضى البناءة» التي طرحها رئيسها من أجل إرباك الواقع اللبناني، في الوقت الذي يعرف فيه الجميع أن المسلمين الشيعة يمثلون الوحدة السياسية المصيرية لمصلحة الوطن كله، وأن ما تتحدث عنه رايس من خلال تقارير مخابراتها لا يمثل أي حجم للانقسام، بل هو لون من ألوان حرية التعبير لأي رأي مخالف، انطلاقاً من إيمانهم باحترام حقوق الإنسان حتى لو كان في خط الانحراف. إن هذا التصريح لهذه الوزيرة الأميركية الذي تلقفه بعض الناس من فريقها في لبنان كان يمثل بعض التمنيات الخيالية التي لا أساس لها في الواقع.

وتتابع هذه الوزيرة توزيع التهديدات ضد إيران وسورية وحماس بالعقوبات وبالضغوط المتنوعة، في الوقت الذي تعرف فيه أن دولتها تتخبط في الوحول العراقية بالدرجة التي قاربت فيها الهزيمة، بفعل المقاومة التي تحاصر الاحتلال من أكثر من جانب.

لقد انطلقت هذه الوزيرة منذ الحرب العدوانية الإسرائيلية على لبنان التي كانت تخطط مع إدارتها لتدمير لبنان الذي يمثل النقيض لـ «إسرائيل»، لكنها فشلت فشلاً ذريعاً في الهزيمة التي ألحقتها المقاومة بها، ولذلك فإنها تتخبط في تصريحاتها كما يتخبط رئيسها، لأن نتائج هذه المعركة أسقطت الكثير من أهداف «إسرائيل» وأميركا على أكثر من صعيد، على رغم ما يثيره بعض الفرقاء في لبنان من الحديث عن المأساة التي خلفها العدوان، للتهوين من انتصار المقاومة الذي مثل الصدمة العنيفة لأحلام بعض الناس ممن لا يملكون أية قضية للأمة في حسابات القوة التي قد تلتقي بالتضحيات التي تقدمها الشعوب لأنها تفكر بالكرامة والحرية والعزة.

إننا ندعو الجميع إلى الارتفاع إلى مستوى قضايا الوطن وتحديات الأمة، ومواجهة المرحلة الصعبة بالالتزام بالمستقبل الذي يملك القدرة على الدفاع عن الأرض والإنسان ضد العدو، وذلك من خلال عناصر القوة التي تتجمع في داخل الوطن بطريقة ذاتية من دون استجداء للحماية من الآخرين، لأن الأمن المستعار لا يمكن أن يحقق للبلد العزة والحرية، بل يخضع للقوة المعارة في مصالحها وشئونها العامة.

وختاماً، إن على الشعب اللبناني بكل أطيافه وطوائفه ألا يخضع لأي نوع من أنواع الإثارة المذهبية والطائفية في عملية الاستغلال السياسي لهذا أو ذاك، لأن الدين هو للإنسان كله وليس لحالة حزبية أو زعامة شخصية أو غريزة طوائفية، وعليه أن يرتفع إلى مستوى المواطنة التي توحدنا جميعاً

إقرأ أيضا لـ "السيد محمد حسين فضل الله"

العدد 1491 - الخميس 05 أكتوبر 2006م الموافق 12 رمضان 1427هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً