العدد 1491 - الخميس 05 أكتوبر 2006م الموافق 12 رمضان 1427هـ

جولة في أمريكا اللاتينية 1 - 2

عبيدلي العبيدلي Ubaydli.Alubaydli [at] alwasatnews.com

كاتب بحريني

يزداد حضور أمريكا اللاتينية على خريطة العلاقات الدولية منذ مطلع هذا القرن، بفضل التحولات. الاقصادية والسياسية التي عرفتها هذه القارة خلال السنوات الثلاثين الماضية. فبعد حقبة الثمانينات أو ما أصبح متعارفا عليه بالنسبة لأميركا اللاتنينة بـ العقد الضائع، قد شهدت أميركا اللاتينية نمواً قوياً، خلال العامين 2004، و2005، وتراجعت معدلات التضخم المفرط المدمر الذي بدا من قبل سمة متميزة لتلك القارة التي بدأت اقتصاداتها تشهد درجة مشجعة من المرونة تجاه الصدمات.

لكن كل ذلك يرسم جزءاً من صورة واقع أميركا اللاتينية. ولكي تكتمل الصورة ينبغي رؤية الفقر الشديد الذي يعصف بالبلاد والفجوة التي لاتزال تتسع بين الأغنياء والفقراء والتي هي الأوسع في العالم. والحقيقة المرة التي لايمكن القفز فوقها هي أن أميركا اللاتينية قد تكون الإقليم الوحيد، إلى جانب إقليم إفريقيا جنوب الصحراء، الذي لن يحقق هدف الألفية الإنمائي المتمثل في خفض فقر الدخل من مستواه في العالم 1990 بمقدار النصف بحلول 2015.

وقد أفردت النسخة العربية من فصلية التمويل والتنمية التي تصدر عن صندوق النقد الدولي عدد ديسمبر 2005 للحديث عن أميركا اللاتينية من مختلف الجوانب: السياسية، والاجتماعية، والاقتصادية. وقد حفل العدد بكتابات الكثير من الخبراء في شئون أميركا اللاتينية.

أميركا اللاتينية: نهضة جديدة، أمام الإقليم فرصة جديدة لترسيخ النمو وكسر دائرة الأزمات، تحت هذا العنوان نشر أنوب سينغ وتشارلز كولينز: أنوب سينغ هو مدير دائرة نصف الكرة الغربي لدى صندوق النقد الدولي، وتشارلز كولينز هو نائب المدير،مقالة عبارة عن مقتطفات من دراسة مطولة أعدها موظفو صندوق النقد الدولي في العام 2005.

يرى المقال أن أميركا اللاتينية تبدو وكأنها تنحدر من قمة منحني النجاح إلى أعماق الأزمة، فقد شهدت أجزاء كثيرة من الإقليم انتعاشاً سريعاً وقوياً تلا الأزمات المالية المتعاقبة في العام 2001 - 2002. ففي ظرف ذينك العامين، بلغ معدل النمو الاقتصادي للإقليم 5.6 في المئة، وهو معدل مرتفع النسبة في 24عاماًً. أما معدل النمو للعام 2005 فقد كان يربو على 4 في المئة. والمعدل المتوقع لهذا العام 2006 هو 3.75 في المئة، فيتعتبر أعلى كثيرا من المتوسطات التاريخية.

ويرى الكاتبان أن أميركا اللاتينية قد أحرزت، منذ ما يسمى بالعقد الضائع في الثمانينات تقدماً على جبهات عدة. وصار التضخم المفرط المدمر ذكرى خافتة، وبدأت القارة تتبنى سياسات من أجل إصلاح السوق، وترسيخ سياسات سليمة للاقتصاد الكلي - الأمر الذي يزجى الأمل بأن يكون التوسع الراهن أكثر بقاء واستمرارية.

بيد أن استمرار انخفاض نمو نصيب الفرد من الداخل، والفقر المرتفع أو الآخذ في الزيادة، ومعدلات عدم المساواة التي مازالت من أعلاها في العالم تهدد بتفويض الدعم الشعبي لبرامج الإصلاح التس أستهلت خلال التسعينات، ووعدت بخير كثير، لكنها غالبا ما تمخضت عن نتائج مخيبة للآمال - ولاسيما بالنسبة إلى غيرها من بلدان الأسواق الناشئة.

ويرى الكاتبان أن خلال العامين المنصرمين أبلت اقتصادات أميركا اللاتينية بلاءً حسناً في أدائها. فقد حقق النمو مستويات أعلى بصورة ملحوظة من المتوسطات السابقة، ولاسيما في الاقتصادات الغنية بالسلع الأساسية التي استفادت من الطلب العالمي القوي. وقد حققت اقتصادات المكسيك وبلدان أميركا الجنوبية بصفة خاصة، مكاسب جراء صعود أسعار الوقود والغذاء والمعادن، واستطاعت بصفة عامة استغلال هذه الفرص بالتوسع في الإنتاج - بصورة كبيرة في بعض الحالات - على رغم أن معظم البلدان المصدرة للنفط لم تتمكن من فعل ذلك.

ويلفت الكاتبان النظر إلى أن استقرار التضخم عند أرقام مفردة. كما تم تدعيم مراكز المعاملات الخارجية إذ ساهم ازدهار الصادرات في توليد فوائض في حساب الحساب الجاري. وساهمت الشروط الميسرة للسيولة العالمية في إحداث تدفقات رأسمالية إلى الدخل وفي زيادة الاحتياطات الدولية.

وكان الانتعاش قد اتسم بقدر أفضل من التوازن مما كانت عليه الوقائع في فترات سابقة، مع التقليل من الاعتماد على الطلب المحلي.

ويعكس ما طرأ أخيراً من تحسن في الأداء وما بذل من جهود بشأن السياسات على مدى عدد من السنين، تؤتى الآن ثمارها ويلخص الكاتبان العناصر الرئيسية التي أدت إلى ذلك وهي في نظرهما:

1-تضخم منخفض: شهدت حقبة التسعينات من القرن الماضي استقرار التضخم المنخفض، وهو إنجاز بارز بالنسبة إلى أميركا اللاتينية، إذا أخذنا في الاعتبار تاريخها السابق من التضخم المرتفع.

2-مرونة السياسات: أدى أخذ كثير من بلدان أميركا اللاتينية بأسعار للصرف تحددها السوق إلى تحسن كبير في مرونة سياسات الاقتصاد الكلي وسرعة استجابتها.

3-تحسن مراكز المعاملات الخارجية: حركت الاتجاه المتصاعد الحالي، مبادرات قوية وأكثر تنوعاً من الناحية الجغرافية ومكاسب في معدل التبادل التجاري، وقد أدت الفوائض الناتجة في الحساب الجاري إلى زيادة الاحتياطات بصورة ملحوظة والحد من الاعتماد على تدفقات رؤوس الأموال الخارجية إلى الداخل بصورة كبيرة.

ودعا المقال صناع القرار في القارة إن هم أرادوا زيادة النسب المتدنية للادخار والاستثمار، وجذب المستثمرين وصانعي السياسات، إلى التركيز على ما يأتي:

1- تحسين مناخ الاستثمار: إن أداء أميركا اللاتينية أقل بكثير من أداء أقاليم أخرى أسرع نمواً لتوفير العناصر الرئيسية لمناخ مواتٍ للاستثمار، وبسبب التنظيمات المرهقة على دخول الشركات وخروجها، والأعراف الثقيلة الوطء للقوى العاملة، وضعف تنفيذ العقود، تتحول رؤوس الأموال والاستثمارات المحلية إلى الخارج - الأمر الذي غالبا ما يوقع أشد الضرر بالمؤسسة الصغيرة والمتوسطة وتلك القائمة في المناطق الريفية. ويقتضى الأمر تحسين مناخ الأعمال لتشجيع الاستثمار الخاص، وخصوصاً عن طريق تحسين الأطر التنظيمية وتدعيم سياسة المنافسة. وينبغي أيضاً تحسين الحوكمة، حيث يفوض الفساد وضعف سيادة القانون ثقة المستثمر في إمكانية تنفيذ العقود وحقوق الملكية.

2-إصلاح أسواق العمل: إن إصلاحات سوق العمل التي ظلت غائبة بصورة ملحوظة في معظم بلدان أمريكا اللاتينية خلال التسعينات من القرن الماضي. من شأنها أن تحقق، على مر الزمن، منافع عرضة القاعدة، بما في ذلك نمو أسرع في العمالة في القطاع الرسمي.

3- تحرير التجارة وتنويعها: على رغم ما حققته أميركا اللاتينية من مكاسب اخيراً، فإنها لاتزال مغلقة نسبياً أمام التجارة الدولية مقارنة بأقاليم أخرى أكثر دينامية. في تناقض حاد مع انفتاح حساب رأس المال. وقد تفيد المبادرات التجارية مثل اتفاق التجارة الحرة لأميركا الوسطى.

مقال مهم آخر يطالعها القارئ، تحمل عنوان: في مفترق الطريق، كتبها أرمينيو فراجا، وهو رئيس بنك البرازيل المركزي من 1999 حتى 2002، وهو حاليا شريك في جافيا انفستينتوس، ريو دي جانيرو، البرازيل.

يرى فراجا أنه من الناحية الظاهرية، تبدو أرقام صندوق النقد الدولي الأخيرة الخاصة بالنمو في أمريكا اللاتينية مشجعة جدا: فمتوسط النمو بلغ تقريبا 4.8 في المئة في العامين 2004 - 2005 ويتوقع أن يصل إلى 3.8 في المئة في العام 2006. وهذا تحول مثير للاندهاش إذا ما قيس بمتوسط الأعوام 1999 - 2003 الذي كان 1.4 في المئة. ولكن هذه الأنباء ليست جيدة بهذا القدر إذا ما قورنت بالمشهد الأكثر غزارة للنمو العالمي - الذي قدر بنسبة 4.7 في المئة في 2004 - 2005 والمتوقع أن يظل عند 4.3 في المئة في العام 2006. وعلاوة على ذلك، إذا نظرنا إلى العام 1997 من خلال ما هو مقدر للعام 2006، نجد أن أميركا اللاتينية، ستنمو بنسبة 2.8 في المئة ، بينما سيبلغ متوسط النمو العالمي 3.9 في المئة.

ويتساءل: ما المشكلة بالنسبة إلى أميركا اللاتينية؟ لماذا تخلف النمو عن مناطق صاعدة أخرى بهذا القدر؟ هل شهدنا تقدما في السنوات الأخيرة؟ وهل نسير في الاتجاه الصحيح؟

ومن أجل فهم هذه الحال الأميركية على نحو عميق، يرى الكاتب ضرورة البدء باستعراض عقدي الثمانينات والتسعينيات من القرن الماضي. فقد أصبح عقد الثمانينات في أميركا اللاتينية يعرف بالعقد الضائع لأن نمو نصيب الفرد من الناتج بلغ نسبة سالبة تدعو للصدمة تبلغ 0.6 في المئة في العام، بعد الأداء الرائع الذي وصل إلى 3.8 في المئة في السبعينيات (مقيساً بالمتوسط المرجح بالناتج المحلي الإجمالي للاقتصادات السبعة الأكبر في المنطقة). وقد اتسم هذا العقد بالفوضى الاقتصادية في غالبية بلدان المنطقة، وتضمن الكثير من حالات التضخم المفرط، والتخلف عن سداد الديون، والكساد العميق.

وبحلول نهاية الثمانينات، أصبح من الواضح في كل أميركا اللاتينية أنه يتعين توافر عناصر أساسية معينة للإدارة الاقتصادية السليمة حتى يمكن خلق خلفية اقتصادية تؤدي إلى النمو والتنمية. وشملت هذه العناصر التي أصبحت جزءاً ما يدل على توافق آراء واشنطن الانضباط المالي، وسعر الصرف التنافسي وتحرير التجارة والاستثمار الأجنبي.

وعلى مدى العقد التالي، استطاعت غالبية دول المنطقة أن تخفض معدل التضخم فيها وأن تحقق تقدماً بتجنب الأزمات المصرفية وأزمات ميزان المدفوعات. وطبقاً لمؤشر استحداثه جولدستين وكامينسكي ورينهارت، (2000)، انخفض عدد الأزمات في البلدان السبعة الكبرى في المنطقة من 26 في الثمانينات إلى 9 في التسعينات. وليس من المستغرب أن النمو في نصيب الفرد من الناتج في هذه البلدان ارتفع إلى متوسط سنوي يبلغ 1.7 في المئة.

وهو مكسب كبير بالنسبة إلى أعوام الثمانينات، ولكنه يقل عن نسبة 2 في المئة التي حققتها الولايات المتحدة ويقل بكثير عن البلدان النامية في مناطق أخرى.

إلا أن هناك مسألة أعمق وراء أداء أميركا اللاتينية المتواضع منذ أعوام 1980 لماذا فشلت غالبية هذه الدول في حشد وتوحيد علمها الاقتصادي بطريقة مطرده ومقنعة؟ لماذا عجزت عن تجنب الأزمات المتكررة؟ لما لم تستطع الادخار والاستثمار بدرجة أكبر وبشكل أفضل؟

ويرى الكاتب أنه لا يستطيع إلا أن يقوم ببعض التخمينات التي هي بحاجة إلى المزيد من التمحيص من أجل الوصول إلى قراءة سليمة إلى الطريق الذي ستسلكه أميركا اللاتنية.

مقالان من مجموعة مقالات أخرى سنطالع بها القارئ في الحلقة الثانية من هذه الجولة في أمريكا اللاتينية

إقرأ أيضا لـ "عبيدلي العبيدلي"

العدد 1491 - الخميس 05 أكتوبر 2006م الموافق 12 رمضان 1427هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً