العدد 1490 - الأربعاء 04 أكتوبر 2006م الموافق 11 رمضان 1427هـ

إيران والخليج... ديالكتك الدمج والنبذ

محمد العثمان Mohd.Alothman [at] alwasatnews.com

يشير المفكر عبدالله النفيسي في مقدمة الكراس الموسوم (إيران والخليج ديالكتك الدمج والنبذ) أنه «من الصعب فهم إيران من دون فهم التشيع والإحاطة به ليس من حيث هو مذهب فقهي بل من حيث هو مذهب سياسي، ومن يدرس تاريخ التشيع والشيعة من حيث هي (جماعة سياسية) عايشت المظلومية التاريخية عبر ما يقارب الألف عام، ربما يستطيع تلمس الدوافع الأيديولوجية للسلوك السياسي الشيعي».

إذاً، فإن «ثمة مشكلة تعترض الفهم الموضوعي بين الطرفين؛ العرب والفرس، وبالتالي تعوق - لدى العرب - الفهم الموضوعي لإيران، وتتكون المشكلة من منظومة الإدراكات المتبادلة بين الطرفين التي ساهمت في تكوينها مشكلة اللغة وحقيقة ميزان القوى وطغيان الإعلام الغربي في تشكيل المرئيات العربية إزاء إيران، وأخيراً وليس آخراً التفسير الضيق لحركات الفتح الإسلامي لإيران كما هو وارد في الأدبيات الإيرانية. فالثقافة الموروثة المسيطرة على الذهن العام في «إيران» تؤشر على أن الفتح ما هو إلا غزو بربري من قبل جماعات شبقة همها شهوتا الأكل والجنس... همج رعاع جاءوا لكي يدمروا الحضارة الفارسية ويعبثوا بموروثاتنا!». وقد قرأت (كاتب السطور) في بعض مواقع الانترنت الإيرانية ما يدلل على شيوع هذا الأمر لدى كثير من القطاعات الإيرانية المثقفة، والتي تعتبر من قادة الرأي في بلادها.

«النفيسي» نفسه تغير موقفه من «إيران» في الآونة الأخيرة بناء على مشاهدات ودلائل كثيرة، منها التدخلات الإيرانية في الشأن العراقي، إلا أن ما ذكره في الكراس هو شيء موثق بالمعلومات والأرقام والشواهد، وهو ما ينبغي التعويل عليه لتغيير الحال المأزومة بين دول الخليج العربي وإيران. فهل نشهد هذا التغيير أم تبقى هي أحلام وأماني لا نصيب لها في المستقبل القريب؟! العقل والمنطق يقولان إنه لابد من المفاهمة، والتسويف لا يخدم كلا الطرفين العربي والإيراني، فالعالم يتكتل ويتقدم ونحن مازلنا في قعر العالم النامي!

«عرب الخليج» و«إيران»... والضرورة المستقبلية

عرب الخليج مازالوا ينظرون إلى «إيران» على اعتبار أنها إما أن تكون ملاكاً طاهراً وبالتالي لا يصدر عنها الخطأ، كما هي نظرة فئة من أبناء الطائفة الشيعية. وإما شيطان صفوي تصفوي حاقد ينتظر اللحظة المناسبة للانقضاض على دول الخليج العربي وبالتالي لا صلح مع «إيران» ولا علاقات طبيعية معها، وذلك ما تراه فئة من أبناء الطائفة السنية.

تلك الريبة والشك في العلاقات الدولية الرسمية حالت دون قيام الكثير من المشروعات ذات العائد الاقتصادي على شعوب المنطقة، وتحولت مع مرور الزمن إلى نوع من الحساسية المفرطة. وفي ظل النظام الدولي الجديد ينبغي إعادة صوغ العلاقة بين دول الخليج العربي وإيران بناء على التفاهم والمصالح المشتركة.

إيران جار جغرافي، ووجودها على الضفة الأخرى للخليج أمر ليس بيد القاطنين على ضفتيه. ولن يغير موقعها الجغرافي وجيرتها المفروضة من السماء ألف خطاب وخطاب متشنج. وعلى ذلك، ينبغي على دول الخليج العربي البحث عن خيارات أخرى. هذه الخيارات تختلف عن المطروح على الساحة من توترات وانسدادات أفقية وعمودية مع إيران الدولة والمجتمع.

علاقة إيران بدول الخليج العربي بحاجة إلى فتح مسارات جديدة، وإعادة انتاج خطاب آخر غير الخطاب المأزوم الذي يتحدث عن السلبيات والمخاوف، ولا يتحدث عن الإيجابيات والتفاؤل؛ الحذر على الأقل... وبالتالي فإن هذه المسارات الجديدة تعتبر الضرورة المستقبلية للطرفين.

يطرح «النفيسي»، في الكراس المشار إليه في المقدمة، رؤيته للعلاقة القائمة بين إيران ودول الخليج العربي بأنها علاقة ينبغي إصلاح مساراتها وإعادة رسمها بما تمليه علينا ظروف المنطقة والعالم أجمع. ومن ثم يرى أن حاجز اللغة كان مانعاً من التقارب الذي كان من المفترض أن يعمل على تهيئة جو من إمكان المفاهمة أو فهم الآخر وكيف يفكر؟ ما هي مخاوفه؟ ما هي القضايا ذات الحساسية بالنسبة إليه؟... إلخ من تساؤلات كثيرة مركزية ومحورية لأي طرفين يريدان المفاهمة والتوصل إلى علاقات طبيعية سياسياً واقتصادياً واجتماعياً بين شعبيهما.

من المناسب، في ظل الظروف الإقليمية والدولية الحالية، أن يستدير عرب الخليج شرقاً وغرباً شمالاً وجنوباً نحو جميع الدول بحثاً عن نقاط تقاطع المصالح والمشتركات. وبما أن الاستدارة والانعطافة كانت ناحية الولايات المتحدة الأميركية، مفهومة أو مهضومة في ظل أجندة «تصدير الثورة» التي كان يشرف عليها مكتب مرشد الثورة مباشرة؛ إلا أنها اليوم، وفي ظل المتغيرات الإقليمية والدولية فإن تلك الجفوة لم تعد مقبولة في العلاقات الإيرانية/ العربية وخصوصاً بعد التشكل الجديد للنظام العالمي وسيطرة القطب الواحد وتداعيات الخطاب المزدوج والابتزاز الذي تمارسه الولايات المتحدة الأميركية والعالم الغربي على الأنظمة العربية والإسلامية. ويشير المؤلف نفسه إلى هذا النظام بتفصيل مبسط في كتابه «هل يشكل الإسلام خطراً على الغرب؟».

إذاً، يجب البحث عن حلول متكافئة ومتساوية، ولعل المملكة العربية السعودية بوصفها الشقيقة الكبرى لبقية دول الخليج العربي، اتجهت لخيارات بديلة، وخصوصاً فيما يتعلق بالمشكل النووي الإيراني، مما نتمنى له النجاح والاستمرار في سياسة الاستدارة ناحية الجارة إيران، كما المطلوب من إيران اتخاذ خطوات عملية على أرض الواقع تبني الثقة عند جيرانها العرب، تبدأ بإصلاح الأوضاع الداخلية لإقليم «الأحواز» ووقف تدخلاتها في العراق

إقرأ أيضا لـ "محمد العثمان"

العدد 1490 - الأربعاء 04 أكتوبر 2006م الموافق 11 رمضان 1427هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً