العدد 1490 - الأربعاء 04 أكتوبر 2006م الموافق 11 رمضان 1427هـ

الصبية الأولى

عادل مرزوق Adel.Marzooq [at] alwasatnews.com

-

كل النسيان سهل، إلا الصبية الأولى تبقى في الذاكرة. هي صبية جبران خليل جبران في الأجنحة المتكسرة، تلك التي دقت فينا أول معنى مغاير لمرحلة البؤس في الصبا، إذ ينتهى عهد الاهتمام بلُعب الأطفال، فثمة ألعاب أخرى أكثر «جاذبية»!.

الصبية الأولى جميلة، مهما كانت نواقصها، من منا يستطيع فعلاً أن يتذكر وجه تلك الفتاة بمعية قلق واحد يعكر عليه نشوة التذكر إياها!. هي الكمال الأنثوي، أول مخيال للأنثى تبلور عندنا، أو هو الرجولة الأولى التي عرفناها على حساب قوام أية فتاة. مهما كان فعل «التذكر» هذا محرماً، أو محرجاً.

يستطيع كل واحد منا أن يتذكر تلك اللحظات الأولى من مشاهدات «الصبية الأولى»، حفيدة الجار التعيس ذي الوجه المقفهر، أو تلك الفتاة التي تخرج مبكرة كل يوم في زاوية من زوايا الشارع المحاذي لمنزلنا، تصغرنا عمراً وفي الغالب تكبرنا، المهم أنها «الأنثى» الأولى التي سلبتنا الحياة الماضية، لتعطينا حياة جديدة.

هي من بدأت إعلان الربيع الأول من أعمارنا التي للتو كانت تبدأ. أما وجعنا في الصبية الأولى أننا نفقدها طويلاً، فكم منا يعرف اليوم صبيته الاولى أين حطت رحالها؟ وما أحوالها؟

الأهم من ذلك، هل كانت صبيتنا الأولى تدرك أننا كنا نسامرها الحب، وأنها كانت المعنى الأكثر طهرية فينا، أم أننا كنا نمارس طقساً خرافياً لدلالة العجز؟ لا ندري.

لا يبقى من الصبية الأولى سوى شبحها الذي يلاحق أية لحظة شاردة منا، فتعود الذاكرة لها على حين غفلة منا. حينها يبتسم الواحد منا ابتسامة هدوء ملكوتية، ولا يستطيع أن يتخذ قراراً قاطعاً بالتوقف عن التذكر أو الاستمرار فيه، كل الأشياء تبدو هرمسية، إلا أنها تتملكنا. تلك الصبية الأولى. التي نتذكرها رغما عنا، رحمة بنا.

لكن، لماذا كلما تقدمنا في العمر كانت «الصبية الأولى» هي الأكثر عودة للذاكرة، لماذا لا تنتهي هذه التعويذة. يقول جبران «إن الشيوخ يرجعون بالفكر إلى أيام شبابهم رجوع الغريب المشتاق إلى مسقط رأسه ويميل إلى سرد حكايات الصبا ميل الشاعر إلى تنغيم أبلغ قصائده، فهم يعيشون بالروح في زوايا الماضي الغابر لأن الحاضر لا يمر بهم ولا يلتفت والمستقبل يبدو لأعينهم متشحاً بضباب الزوال وظلمة القبر»، وعليه فإن انعتاقاً من صبيتنا الأولى لا يكون.

تذكروها... ولا تنكروا/ تتنكروا الأنس الذي يملأ قلوبكم حين تزوركم صورتها في لحظة صفاء لا تصنعه إلا هي، صبيتكم الأولى

إقرأ أيضا لـ "عادل مرزوق"

العدد 1490 - الأربعاء 04 أكتوبر 2006م الموافق 11 رمضان 1427هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً