العدد 1490 - الأربعاء 04 أكتوبر 2006م الموافق 11 رمضان 1427هـ

التشابه والاختلاف بين المشهدين الفلسطيني واللبناني

وليد نويهض walid.noueihed [at] alwasatnews.com

كاتب ومفكر عربي لبناني

هل هي مصادفة أن تترافق حركة المطالبة في لبنان بتعديل أو توسيع أو إسقاط حكومة فؤاد السنيورة مع تلك الحركة التي تطالب أيضاً في فلسطين بتعديل أو توسيع أو إسقاط حكومة إسماعيل هنية؟ وهل هناك من رابط في التوقيت بين مطالبة الحركتين؟ في فلسطين أصدرت جماعات وفصائل محسوبة على الرئيس محمود عباس وحركة «فتح» سلسلة بيانات وردت فيها تهديدات باللجوء إلى العنف وحددت مواقيت لحكومة هنية بضرورة الاستجابة لفكرة التعديل الوزاري وتشكيل حكومة وحدة وطنية وإلا ستضطر إلى تنفيذ خطة الإسقاط أو التصفية.

وفي لبنان أيضاً صدرت سلسلة تصريحات وخطابات وبيانات محسوبة على خط « آذار» أو من هم خارج هذا الخط تطالب بتشكيل حكومة وحدة وطنية ضمن مهلة زمنية تنتهي مع نهاية الشهر الفضيل وإلا ستضطر إلى البدء في مشروع خطة يستهدف الإسقاط أو اللجوء إلى الشارع.

التشابه بين الحركتين المطالبتين بالتعديل أو التوسيع أو إعادة تشكيل حكومة وحدة وطنية موجودة في الشكل والتوقيت وأسلوب التعامل والإخراج، إلا أن مضمون التشابه يختلف في جوهره السياسي. المطالبة اللبنانية تختلف عن المطالبة الفلسطينية. فالأولى تنطلق من تداعيات الحرب (العدوان) وتتذرع بنتائجها للقول إن لبنان بحاجة الآن إلى حكومة وحدة وطنية تكون على سوية التحديات وقادرة على تحمل الأعباء والضغوط. والثانية تنطلق من تداعيات الحرب (العدوان) المستمرة يومياً والمترافقة مع حصار بري وجوي وبحري وضغوط دولية (مالية واقتصادية) وتتذرع بها للقول إن الوضع الفلسطيني بحاجة الآن إلى حكومة وحدة وطنية تكون قادرة على التعامل مع الخارج وحاجات الداخل.

الفارق إذاً موجود بين المطالبتين. فالحركة السياسية في لبنان تريد توسيع أو تعديل أو إدخال وزراء أو إخراج وزراء بقصد الحد من اعتماد حكومة السنيورة على الخارج، بينما الحركة السياسية في فلسطين تريد التوسيع والتعديل والإدخال والإخراج بقصد فتح نافذة أمام حكومة هنية للتعامل مع الخارج وإيجاد قنوات للاتصالات الدبلوماسية قد تسعف الناس على تحصيل الحد الأدنى من حقوقهم المعيشية والحياتية. فالمطالبة الأولى تريد قطع بعض الجسور بين لبنان والخارج لمصلحة مد جسور موازية لها في الاتجاه المعاكس. والمطالبة الثانية تريد مد الجسور المقطوعة مع الخارج وتوسيع قنوات الاتصال لرفع بعض الأعباء الثقيلة عن الشعب الفلسطيني المحاصر.

إلا أن هذه المقابلة بين المطالبتين تحتاج إلى مزيد من التدقيق لتوضيح علامات مفارقة بين الهدفين. ففي لبنان هناك جوانب سياسية تزيد من الالتباس وتخلط بين توسيع قاعدة الحكومة لمواجهة أعباء الحرب وبين إسقاطها بذريعة تحصيل «حقوق المسيحيين» المغبونة كما يقول الجنرال ميشال عون وحليفه سليمان فرنجية. وهذا الخلط بين تحسين مواقع الحكومة لمواجهة العدوان وبين «حقوق المسيحيين» لتحسين مواقع الجنرال في الشارع الماروني لمواجهة رئيس الحكومة أعطى انطباعات مغايرة. فالخلط بين المسألتين رفع من درجة الاستفزازات الطائفية التي تريد إشعال فتنة مذهبية في الشارع المسلم ودفعه نحو التصادم لحماية «حقوق الموارنة». وما يزيد المشكلة تعقيداً أن غالبية الموارنة من هيئات ومؤسسات وفعاليات تشكك في اغراض الجنرال وأهدافه الحقيقية في جرجرة البلاد بالقوة إلى فتنة مذهبية باسم الدفاع عن «حقوق المسيحيين».

وفي فلسطين أيضاً تظهر بوضوح تلك الازدواجية في الغايات التي تزيد من التباسات المطالبة بتشكيل حكومة «وحدة وطنية». فالطرف المؤيد لحماس لا يجد في المطالبة حرصاً على رفع الحصار عن الشعب بقصد تخفيف الأعباء وإنما هناك خطة مرسومة لجرجرة الشارع نحو صدامات ومواجهات وربما اغتيالات (لا يعرف من ينفذها) لتوريط الناس في اقتتال أهلي يضعف السلطة ويعطل عليها امكانات تحقيق مكاسب لمصلحة القضية المشتركة.

مصادفة أم فوضى

تبقى الأسئلة واردة في تشابه الحركتين. فهل المطالبة بحكومة «وحدة وطنية» مصادفة؟ وهل توقيت المطالبة مصادفة؟ وهل تحديد مهلة زمنية نهائية مصادفة؟ وهل استخدام الوسائل أو التهديد باللجوء إلى الشارع والعنف مصادفة؟

يمكن القول إنها فعلاً مصادفة إذ لا توجد روابط مشتركة بين المطالبتين كذلك توجد اختلافات في الأهداف بين الحركتين... وأخيراً هناك فروقات كبيرة بين النتائج الأهلية المتوقعة للتصادم في فلسطين عن تلك النتائج الأهلية المتوقعة للتصادم في حال وقعت الكارثة في لبنان. فالتصادم الأهلي في فلسطين يغلب عليه الطابع السياسي/ الايديولوجي والبرنامجي مضافاً إليه تلك الملابسات الخلافية العائلية والمناطقية المتوارثة والمتسللة إلى الفصائل الفلسطينية بينما التصادم الأهلي في لبنان يغلب عليه الطابع الطائفي/ المذهبي مهما حاول الاصطفاف الايديولوجي اصطناع خلافات سياسية وبرنامجية. وبسبب هذه المفارقة يمكن التكهن بأن التصادم الأهلي في لبنان سيكون فعلاً كارثة على الدولة والمقاومة والمنتصر فيها عسكرياً (وهذا من الأمور الصعبة) سيكون من الخاسرين سياسياً مهما كان شكل الأغلفة الفكرية والتحليلات الصحافية.

هذه النقطة تشكل قاعدة خلافية بين المشهدين الفلسطيني واللبناني. فأهل فلسطين ينتمون في غالبيتهم الساحقة إلى دين واحد وطائفة واحدة وربما إلى مذهب واحد، والخلافات السياسية بينهم نهضت تقليدياً قبل قيام الكيان الصهيوني وبعده على استقطابات عائلية وزعامات تقليدية ودينية فرضت شروطها المناطقية على تشكيل الاحزاب والهيئات والمنظمات. مقابل هذا التجانس النسبي في فلسطين نجد المشهد اللبناني يعاكسه سوسيولوجيا في اعتبار أن لبنان شكل تقليداً «ملجأ» اقليات كبيرة وصغيرة وتألف دائماً من ديانات وطوائف ومذاهب موزعة على مناطق وعشائر وعائلات تقليدية ودينية.

وبناء على هذا الاختلاف في تكوين البنية السوسيولوجية يتوقع ان يكون التصادم الأهلي في لبنان أقوى بمئة ضعف في نتائجه السياسية عن فلسطين كذلك سيكون ضحايا المواجهات أضعاف شهداء العدوان الأميركي - الصهيوني الأخير.

المسألة إذاً خطيرة في الجانبين على رغم اختلاف الأهداف وعناصر التفجر وروافده ومواده الأولية... إلا أنها في لبنان سيكون لها وقعها الاسوأ على مختلف الميادين والاتجاهات.

التصادم الأهلي في فلسطين ولبنان غير وارد الآن ولكنه ليس مستبعداً في حال استمر الضغط بهذا الاتجاه من كل الأطراف ولاغراض مختلفة أو لغايات ليست بالضرورة متوافقة على الأهداف السياسية. فالنوايا ليست كلها حسنة وصادقة وكل فريق له حساباته الخاصة ضمن خطة عامة، وهذا ما يزيد من الالتباسات ويفتح الطريق أمام الانزلاق نحو قراءات خاطئة تبسط الواقع وتزين النتائج.

يبقى السؤال: من المستفيد من هذه الاحتمالات الواردة في الأسابيع المقبلة؟ ليس سراً ولا عيباً تكرار المقولة إياها «إسرائيل» والولايات المتحدة. والجواب المنطقي على هذا الاستنتاج البديهي (والمزعج للبعض) ان استراتيجية التقويض الأميركية قامت على فكرة «الفوضى البناءة» وأفضل وسيلة لوضع لبنان وفلسطين على سكة العراق هي إقفال الطرقات أمام الحلول. وعندما تغلق القنوات ويمنع على الناس تصريف حاجاتهم تنفجر الطاقات في الداخل وتنشطر المناطق وتتوزع جغرافياً لتتناسب مع موازين قوى ونسبة احجام قد تكون كبيرة أو صغيرة... ولكنها في النهاية تقوض الدولة والمقاومة معها.

هذا ما حصل في العراق سابقاً وليس مصادفة ان يتكرر الأمر نفسه في حال اندفع المشهد الفلسطيني إلى الانكسار والمشهد اللبناني إلى التشرذم

إقرأ أيضا لـ "وليد نويهض"

العدد 1490 - الأربعاء 04 أكتوبر 2006م الموافق 11 رمضان 1427هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً