العدد 1490 - الأربعاء 04 أكتوبر 2006م الموافق 11 رمضان 1427هـ

في يوم المعلم العالمي... أعيدوا النظر في وضع المعلم

رملة عبد الحميد comments [at] alwasatnews.com

كاتبة بحرينية

قالت «معلمي لم يزل بين الضلوع... ولم يزل متحملاً غبار الطباشير الذي يعلو وجهه المنير».

ان تكون معلماً، يعني أن تكون رسولاً ومربياً، ان تكون معلماً، يعني ان تستيقظ قبل السادسة صباحا وأنت تفكر في تحضيرك اليومي. ان تكون معلما، يعني ان تعمل من دون توقف أو راحة، تواصل يومك بهمة ونشاط. ان تكون معلما، يعني ان تدرس أكثر من ثلاثين طالبا في آن واحد، وتصحح أكثر من مئة كراسة واختبار، وتسجل الدرجات، وتناوب، وتقف في الطابور، وتسد الاحتياط. هموم لا يحسها ولا يكابدها سوى المعلم نفسه.

قـال الغزالي: «من اشتغل بالتعليم فقد تقلد أمرا عظيما وخطرا جسيما». وفي الخامس من أكتوبر/ تشرين الأول من كل عام يحتفل العالم بيوم المعلم العالمي، إذ جعلت منظمة اليونسكو هذا التاريخ يوماً يحتفل به المعلمون في دول العالم. هذا اليوم عندنا لا يختلف كثيرا عما سبقه من أيام سوى دقائق يقف فيها المعلم مع زملائه في الطابور الصباحي، ليقرأ مطويات كتبها عن نفسه على لسان طلابه، أو يتسلم شهادات بحسب التسلسل فيها من الإطراء والعبارات المتكررة (قم للمعلم)، وفي أحسن الأحوال توزع الورود، وبعدها يعود المعلم إلى (كرفه)، ويواجه إحباطاته بل وينهال عليه سيل عارم من النقد على لسان من هرب من جحيم الطباشير ومشاغبة أكثر من ثلاثين طالبا في صف يعلو صراخه بين الحين والآخر، ترى كيف سيحتفي معلمونا بيومهم وهم في أمس الحاجة إلى الأمن النفسي والاجتماعي والوظيفي؟

معلمونا اليوم، هم بحاجة إلى مزيد من الإنصاف والتقدير، ان يعطى الحق ولا يسلب منهم، في رسالة وجهت إلى كاتبة السطور من قبل مجموعة من معلمات نظام الفصل يشكين فيها من سوء الحال تتلخص قضيتهن في إنهن يكابدن الأمرين من الجانبين الفني والإداري، فهن يغطين أكثر من عشرين حصة أساسية في الأسبوع ملزمات فيها بتدريس أكثر من ثلاثين طالبا على ان تعد لهم الأنشطة التعزيزية والتقويمية مسبقاً، يعني ذلك ان تقوم المعلمة بطباعتها في البيت لأن الوقت لا يسعها من جانب، ومن جانب آخر لا يوجد من يقوم بهذه المهمة عنها في المدرسة، بالإضافة إلى الأعباء الإدارية التي تفرضها الإدارة المدرسية عليهن مثل: الدخول في أنشطة اللجان وتفعيلها، فرز الكتب المدرسية وتوزيعها على الطلبة، طباعة وتصوير الاختبارات والأنشطة، الاتصال بأهل التلميذ المتعثر دراسيا والسؤال عنه والبحث عن حالته ومقابلة ذويه، البحث عن وسائل وكتب مرجعية للتعلم، كتابة التقارير عن عمال النظافة ومراقبتهم، تنظيف الفصل وترتيبه، إلزامية المشاركة والحضور في المهرجانات والاحتفالات التي تقوم بها المدرسة في المساء أو أيام العطل، إضافة إلى حضور الدورات المسائية التي تعدها الوزارة. يعني ذلك ان يعيش المعلم كل عامه للوزارة، فأصبحت حياته مغلقة في دائرة الأعباء المدرسية التي لا تنتهي ما يؤثر سلبا على العطاء المرجو من المعلم، اذ يحس دائما انه مستغل أسوء استغلال، كلا يطلب منه، ولم يكن المعلم الأول أفضل حالا من المعلم، فقد فوجئ بالكادر الجديد الذي يحرمه من حقه، والأكثر من ذلك ان الوزارة مازالت باقية على هذا المنصب وتطالب من يشغله ان يفي بجميع التزاماته من دون إعطائه الحق المالي أو الوظيفي المقرون به، بحجة انه لا يوجد له مسمى في الكادر لا أدري الكادر مقدس لا يمكن تطويعه او تغييره؟ أم انه حجة تتخذها الوزارة لكي تتملص من دفع حقوق المعلم الأول وفي المقابل تلزمه بأعباء لا ينال عنها شيئا، وهي أعباء كثيرة لا يمكن للوزارة الاستغناء عنها وهي أدرى بها. معلمونا لا يريدون أكثر من تخفيف الأعباء وتحديد المهمات وحصرها لا جعلها مرهونة بنص « يؤدي ما يطلب منه»، معلمونا يريدون لجنة خاصة تطوف المدارس لا تتصيد أخطاءهم وتراقبهم فحسب، بل لتستمع إليهم وترفع شكواهم إلى صاحب القرار ومتخذه.

ولم يكن وضع المعلم هذا مرهونا بالإدارة التعليمية فحسب بل حتى المجتمع، ففي هذا العصر، عصر الثورة المعلوماتية أصبح العبء كبيرا على المدرسة كمؤسسة اجتماعية تقدم ادواراً جديدة بعيدة عن الدور التقليدي المتمثل في التلقين بشكل منفرد من دون مردود ايجابي واضح، وبما ان العملية التعليمية أصبحت قضية مجتمعية ينبغي ان يشارك فيها جميع اطراف المجتمع ومؤسساته، ارتأت وزارة التربية ان تكون المشاركة شكلية متمثلة في مجلس للآباء طغت عليه الصورة النمطية في المحاباة وتعداد الإنجازات، أو تكون المشاركة في أجمل صورها زيارات مترددة وغير مستمرة لأولياء الأمور للمدرسة، وينم عنها لقاءات تنقصها الصراحة والوضوح، اذ يميل ولي الأمر إلى عدم الإفصاح عن معلومات تبدو مهمة للمعلم، وفي غالبية الأحيان لا يرغب ولي الأمر تصديق ما يقوله المعلم بل لا يثق به، وينتهي الأمر بخلاف يجعل المعلم بعده في حيرة وتساؤل ملح: ماذا يريد أولياء الأمور من المعلمين؟ في دراسة تربوية أجريت في الولايات المتحدة الأميركية بهذا الشأن، أظهرت أن العلاقة بين ولي الأمر والمعلم ينبغي ان تخرج عن صورتها النمطية غير المجدية وهي كشف الحساب، اذ يجب ان يضفي على هذه العلاقة الجانب الإنساني، إذ ان الطرفين مشتركان في الهم نفسه والمسئولية ذاتها، فكم جميل ان يدعى ولي الأمر إلى صف ابنه ليقرأ عليهم قصة، أو تقف الأم مع المعلمة في ترتيب الفصل وتنظيمه على ألا يخل ذلك بالجو التعليمي ونزاهته.

إننا مدعوون جميعا في يوم المعلم إلى أن نعطي لهذا الجندي المجهول حقه في البحث عن مشكلاته، وإيجاد البدائل المرضية لنخلق معا بيئة تعليمية فاعلة تؤدي إلى مزيد من الإنجاز والرقي.

كاتبة بحرينية

إقرأ أيضا لـ "رملة عبد الحميد"

العدد 1490 - الأربعاء 04 أكتوبر 2006م الموافق 11 رمضان 1427هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً