العدد 1490 - الأربعاء 04 أكتوبر 2006م الموافق 11 رمضان 1427هـ

ذكريات كويتية... عن البيت الكبير!

حسين راشد الصباغ comments [at] alwasatnews.com

في ذلك البيت الكبير الذي سكنت لمدة ثلاثة أشهر كانت الكهرباء تنير دوره ومرافقه المختلفة، إلا أن مكيفات التبريد لم تدخله على رغم دخولها كثيراً من المؤسسات الكويتية. واقتصر الأمر على المراوح الكهربائية التي تحرك الهواء الساخن، كما أن البيوت القريبة والمحيطة بهذا البيت كان معظمها أيضاً لم يدخله التكييف إلا ما ندر، فمعظم القاطنين هنا في سائر ليالي الصيف الحار والجاف ينامون على أسطح منازلهم على فرش من القطن، وعلى أسرة خشبية، وعلى حصر مفروشة على تلك السطوح، فإن الهواء في تلك الليالي جاف وخال من الرطوبة الخانقة التي تغشى طقس البحرين نهاراً وليلاً.

إذا، في سماء ليالي الكويت ينعم الإنسان بجو لطيف وخال من الطل الذي يغطي فرشنا الموضوعة على الكرافي أو الأسرة الخشبية، والنائم في هذه الحالة يسبح في بركة من الندى المتساقط، وأعتقد أن ليالي الكويت أرحم من ليالي البحرين طقسا وهواء عليلا، وخصوصاً في تلك الأيام الخالية من التلوث بأنواعها المختلفة، إلا أن نهار الكويت أشد قسوة على الناس بسمومه اللاهب. وإنما ما يزعج أهل الكويت والمقيمين فيها ذلك الطوز أو الرياح المحملة بالأتربة والغبار الناعم الذي يغشى كل مكان ويغطي سماء الكويت حيث تنعدم الرؤية وتعم الفوضى والضيق والسأم جوانب النفس.

وفي منطقة شرق هذه يقع المستشفى الأميري، وهو حديث البناء والعمارة، ويضم أجنحة طبية متعددة مجهزة بأحدث الأجهزة الطبية التي يديرها خيرة الخبرات من الأطباء العرب والأجانب، إلى جانب الممرضات الأجنبيات. وهناك الصيدليات التي تقدم الأدوية مجانا للجميع والعلاج فيها ليس مقصوراً على أهل الكويت بل هو متاح لكل المقيمين من الأجانب، كما أنشأت حكومة الكويت آنذاك مصحات ومراكز صحية منتشرة في مختلف أحياء مدينة الكويت، تقدم خدماتها الطبية لكل المترددين عليها، وهي مزودة بصيدليات عامرة تصرف مختلف أنواع الأدوية للمرضى مجانا. يذكر أن هذه النهضة العمرانية الحديثة والمتسارعة الخطى والحثيثة يعود الفضل في تحقيقها بعد اكتشاف النفط وتدفق الثروة النفطية الواعدة إلى سمو الشيخ عبدالله السالم الصباح والد الكويت كما يطلقون عليه، الذي تولى الحكم في تلك الإمارة في العام بعد وفاة حاكمها السابق أحمد الجابر. وبدأ التطور العمراني العصري الأول تحديداً في العام في عهده وشمل مدينة الكويت وخصوصاً ذلك داخل السور وبدت بعض آثاره باقية. يذكر أن أول سور بني في الكويت كان العام كما تذكر الوثائق التاريخية الموثوقة، وهو يحيط بمدينة الكويت ويأخذ شكل نصف دائرة ينتهي طرفها في الساحل الآخر من البحر. أما عن المساجد ودور السكن والمنشآت المدنية الأخرى تبقى داخله وهو فعلاً حاضن لها. وكان هذا السور يطور بصورة منتظمة ولاحقة، وكان آخرها في العام كما في المصادر الرسمية التاريخية. ويشتمل هذا السور على سبع بوابات يطلق عليها أهل الكويت «بروازة»، وهي كلمة فارسية. أذكر منها بروازة عبدالرزاق القريبة من وزارة الإرشاد والأنباء، وكذلك من ساحة الصفاء وسوق المباركية.

ومن المعلوم أن طول الصور يبلغ م ويحيط بمدينة الكويت القديمة كما يحيط السوار بمعصم اليد. وهدم هذا السور في العام إلا أن بعض البوابات بقيت مفتوحة في مكانها ترمز إلى ذلك السور التاريخي الذي دافع عن الكويت وصد المهاجمين والمعتدين. وكان هناك بناء وعمران في الجهراء خارج مدينة الكويت.

ويطلق أهل الكويت على الشيخ عبدالله السالم (أبو الاستقلال الحديث) إذ وقع وثيقة الاستقلال عن التاج البريطاني في العام مع المندوب السامي البريطاني في الكويت. وأول وزارة رأسها الشيخ صباح السالم كانت في العام الذي أصبح آنذاك وليا للعهد، بينما كان جابر الأحمد أمير الكويت الراحل وزيرا للمالية والاقتصاد، وكان عبدالرحمن العتيقي أول سفير للكويت لدى أميركا في العام وقدم أوراق اعتماده للرئيس جون كيندي، أما عبدالعزيز حسين فكان أول سفير للكويت في مصر وقدم أوراق اعتماده للرئيس جمال عبدالناصر، وكان أيضاً مندوباً دائماً للكويت لدى الجامعة العربية، وهذا الأديب الكويتي كان مدير بيت الكويت في القاهرة خلال الخمسينات، والتقيته عدة مرات مثل كثير من طلبة البحرين الذين كانوا يتلقون علومهم في الجامعات المصرية خلال سنوات الخمسينات. وأذكر أنه في زيارتي الأولى للكويت في العام كان أهل الكويت مشغولين بتثمين بيوتهم القديمة وهو المشروع الذي تبناه وطرحه الشيخ عبدالله السالم خلال فترة حكمه، والمتمثل في توزيع جزء من ثروة الكويت النفطية من الاحتياطي على الكويتيين بمختلف فئاتهم. وأدى هذا إلى انبثاق طبقة كويتية غنية في أوساط الكثير من الكويتيين. وفي حلقات مسلسل درب الزلق الكويتية الممتعة فصل جميل بشأن تثمين بيوت الكويتيين القديمة وإعطائهم قسائم جديدة من الأراضي ومبالغ مجزية لبنائها، وقد أجاد الممثل القدير خفيف الظل عبدالحسين عبدالرضا وصاحبه سعد الفرج والمرحوم خالد النفيسي وعلي المفيدي (اقحطة) في إعطاء صورة بديعة من التمثيل المتقن. وحتى الآن أنعم بين الفترة والأخرى بمشاهدة هذا المسلسل الجميل الرائع. إنها باقية في الوجدان لأنها نابضة بالحياة بسبب أنها عمل فني أصيل، وقل مثل ذلك الكثير من المسلسلات الكويتية القديمة ذات الفن الرفيع التي تشد الإنسان وتملك عليه لبه وإحساسه.

كاتب بحريني وسفير سابق

إقرأ أيضا لـ "حسين راشد الصباغ"

العدد 1490 - الأربعاء 04 أكتوبر 2006م الموافق 11 رمضان 1427هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً