هناك حديث بين بعض أصحاب مؤسسات القطاع الخاص في الاقتصاديات الخليجية بشأن الجوانب السلبية التي يمكن أن تنتج عن تحرير السوق الخليجية الاقتصادية وإمكان إلحاق الضرر ببعض القطاعات الاقتصادية المنتجة للسلع والخدمات. وضمن هذا السياق، يمكن القول إنه ربما يحدث ذلك خصوصاً اذا لم يتم الاستعداد الكافي من قبل مؤسسات القطاع الخاص في الأسواق الخليجية خصوصاً الأسواق الصغيرة نسبياً في مرحلة ما بعد تحرير السوق الخليجية بشكل كامل. ولكن لابد من ملاحظة بان هناك فرصا كثيرة لمؤسسات القطاع الخاص سيتم توفيرها من قبل السوق الكبيرة.
ويبقى الاستفادة من هذه الفرص، أي السوق الكبيرة، مرهونة بالأخذ بعاملي التخصص من ناحية وخاصية تزايد مردود الغلة من ناحية أخرى. وكلاهما يساهمان في تحقيق ما يسمى باقتصادات إنتاج الحجم الكبير. فعلى سبيل المثال، يمكن لشركات استيراد السيارات في البحرين ان تتخصص في استيراد وخدمة وتوفير انواع معينة من السيارات وقطع الغيار - مثلاً قطع غيار سيارات ياباينة بحكم ان ذوق المستهلك البحريني يعطي افضلية أكبر نسبياً لهذا النوع من السيارات - ليست للسوق البحرينية فقط ولكن للاسواق الأخرى. وعليه، فانه من الممكن الحديث هنا عن إعادة تصدير للسيارات ولقطع الغيار اليابانية مثلاً إلى الأسواق الخليجية الأخرى. وفي المقابل، استيراد سيارات ذات موديلات أخرى أميركية مثلاً من الأسواق الخليجية الأخرى كالمملكة العربية السعودية التي يفضل السمتهلك فيها هذا النوع من السيارات.
وعليه، فان إعادة هيكلة نمط التجارة الخارجية الخليجية وفقاً لعاملي التخصص وخاصية تزايد مردود الغلة سينتج عنه بلا شك منافع عديدة للاقتصاد الخليجي. وبالمثل يمكن القول عن الصناعات الاخرى سواء الانتاجية أو الخدمية. ويبدو ان آفاق رحبة ستكون متاحة للاقتصادات الخليجية منفردة ضمن السوق الاقتصادية الاقليمية، آخذاً في الاعتبار توفير المتطلبات اللازمة من سياسات ماكرو اقتصادية مناسبة، وحوافز موجهة تستهدف تشجيع الصناعات التي تهتم برفع انتاجية العمل لديها، وتسعى الى التخصص في منتجات تتمتع بطلب عال عليها ويمكن إنتاجها ضمن خاصية تزايد مردود الغلة.
كما يمكن القول إن الاندماجات الاقتصادية الخليجية التي تسعي إلى تحقيق خاصية اقتصادات إنتاج الحجم الكبير يمكن أن تحدث في قطاعات تمتد من انتاج صيد الاسماك ونقل الركاب الافراد الى قطاعات المصارف والتأمين والفنادق وكذلك قطاعات عديدة في الصناعات التحويلية. وما يعطي للموضوع المذكور اهميته هو الحديث المستمر عن شدة المنافسة التي تواجهها المؤسسات المحلية العاملة وعدم قدرتها على خفض كلف إنتاج السلع والخدمات التي تقدمها. وبالمثل يمكن الحديث هنا عن أهمية توفير المناطق الصناعية وتعزيزها وتطويرها بما يسمح بتوفير الإطار المناسب لتحقيق وفورات اقتصادية خارجية. ونتيجة لذلك، فإن المدخل الصحيح لخفض الكلف ضمن سياق البيئة الإقليمية والعالمية الجديدة هو طريق التخصص والاستفادة من اقتصادات تزايد مردود الغلة والتي تؤدي في نهاية الأمر الى إيجاد ما يسمى باقتصادات انتاج الحجم الكبير الذي سيساهم في خفض كلف وحدة الإنتاج وبالتالي زيادة الإنتاجية وما يتصل بها من تحقيق النمو المطرد في الاقتصاد الوطني.
وعموماً، فإن على مؤسسات القطاع الخاص الخليجي دراسة الخيارات الاستراتيجية والتشغيلية في ظل الاوضاع المتقلبة المتوقع ان تلازم التحرر المتسارع للاقتصاد العالمي. وفي ذات الوقت ذاته، فإن على هذه المؤسسات تحديد أوجه الاستغلال الأمثل للميزات التنافسية التي تملكها ودراسة الأسواق المناسبة وكذلك تأسيس تحالفات استراتيجية قائمة على المصالح المشتركة
العدد 1490 - الأربعاء 04 أكتوبر 2006م الموافق 11 رمضان 1427هـ