العدد 1490 - الأربعاء 04 أكتوبر 2006م الموافق 11 رمضان 1427هـ

في خصخصة العري والنص الرديء

جعفر الجمري jaffar.aljamri [at] alwasatnews.com

-

لو أن أية صحيفة تنشر لكاتب... شاعر... قاص، نصا رديئاً يتم تطبيق قانون مكافحة الإرهاب عليه، لضمنّا طفرةً نعوّض بها الكُساح على أكثر من صعيد!.

بعض محرري الثقافة في الخليج يمتلكون مواهب تجّار الخردة الذين لا يجيدون تبديل مصباح تالف!.

في هذه المرحلة الغرائبية، يمكن لمتعهدي فرق الرقص الشرقي، الحديث عن «لذة النص» لـ رولان بارت، من منظور آخر!.

ثقافة تذكّر بمذيعات إعلان أفلام السهرة، وهن بملابس النوم. كيف يمكننا أن نقرأ في ظل عري يتلف الأعصاب؟!.

حين تسْلم من عري الثقافة، أو ثقافة العري التي تضخها السلطة، لن تسلم من ثقافة عري القطاع الخاص. اين تولّي وجهك في ظل خصخصة محمومة بهذا المستوى؟!.

لا بأس سنعتبرها ممارسة لحرية شخصية. ولكن ألا يمكن أن يحدث ذلك بعيداً عن تحشيد وتوظيف الأجهزة لها؟ المشكلة ليست في المراهقين المعهودين. ثمة مراهقون في أوطاننا وإن شارفوا على أعتاب التسعين. كيف يمكنك أن تُسْديَ نصحاً الى جار قبر؟.

بعض الشعراء والشويعرات لدينا لا يهدأ لهن بال ما لم يُحِلْن النص الى فيلم جنسي مثير. كلنا يعاني من كبت بشتى أنواعه، لكن ذلك لا يبرر إشاعة تجارة، حتى الرقيب الفني يعوّض من خلالها ما فاته من مصادرات!.

كلامي على الافتعال والإقحام. أؤمن أنّ استقبالي للنص سيحدد مدى افتعاله أو عفويته. لكن الى اليوم لم يُمرّر ذلك الاستقبال نصاً فيه الأدنى من العفوية، وإنْ خالطها افتعال.

مع النص الرديء تتحصّن - أحياناً - بقدرتك على جعله أمثولة تتجنبها. لكن يحدث أحياناً أن تسهوَ عن تلك الحصانة، لتجد نفسك جزءا من تركيبته ومخططه.

المأساة، أن الأسماء التي تقف وراء تلك النصوص المتهتكة في لغتها ورؤيتها، محصّنة من قبل أكثر من جهة، ومثل تلك الحصانة هي التي تمنحها القدرة على استعراض تهتكها ورداءتها.

ينجز نصه في نشوة بالغة. يرى فيه هتك أول الأسرار وآخرها. يبعث به الى ما يليق به من مساحة: الى نفاية عرضها السموات والأرض!.

يعد المحيطين به بمفاجأة: نص يتجاوز ما ألِفُوه. يكتشفون أنه لا يختلف عن بصقة أحدهم، بعد سهر طويل مع التبغ!.

أي نص ذلك الذي يُعيدك الى سيرتك الأولى مع اللغة؟!.

من حق أي منكم أن يمارس فطرته في التعاطي مع تلك النصوص بعد قراءتها: إمّا أن يلجأ الى الشاهق من الأبنية فيطهّر نفسه! وإما أن يتعايش مع تسمّم سيظل خاضعاً له حتى النفَس الأخير!.

النص الرديء لا يختلف كثيراً عن الكذب اليومي لنشرات أحوال الطقس! يظل نبوءة كاذبة يتآلف معها كثيرون!.

من قال ان النص الملفت وحده قادر على فعل الاختراق؟ ثمة نصوص رديئة قادرة - وبتفوق - على تحقيق ذلك. خصوصاً في ظل مكنة اعلامية وظيفتها الوحيدة،التسويق لتكريس حال من السخف والتراجع والوهن في المحيط الذي تسيطر عليه!.

هل نُحَمِّل تركة هذا النكوص المريع منذ القرن الرابع عشر الميلادي الى اليوم، الى مكنة لم تكف عن إنتاج آخر صرعات السخف والبلادة في التآمر على النقيض منها؟.

وماذا بعد؟ أمة لديها كل هذه الشهيّة، في تبنّي السخيف والرديء من النصوص، كيف يمكن لها أن تدّعيَ الصحوة في ظل هكذا إنتاج مفزع من الغيبوبات المعلبة، وفي أشكال وصور تدعنا صرعى ومحطمي الأعصاب؟.

عوضتِ النصوص الرديئة فعل الصلْب، وسمْل العيون، وحتى الإخصاء، بهكذا نصوص يمكن بعد قراءتها أن تقطع نسل أكبر فحل في هذه الأوطان!.

أحد النصوص التي حفرْتها على حذائي، يوم أنْ كنت في زنزانة شبه انفرادية فترة حوادث التسعينات من القرن الماضي، أكد لي أن النصوص التي تنجز في ضيافة السلطة رديئة لدرجة تذكّرك بحذاء لا جدوى منه في ظل جحيم من المصادرات

إقرأ أيضا لـ "جعفر الجمري"

العدد 1490 - الأربعاء 04 أكتوبر 2006م الموافق 11 رمضان 1427هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً