وصلت إلى بلادنا - بحمد الله وسلامته - وزيرة الخارجية الأميركية كوندوليزا رايس وستتوجه بعد ذلك إلى مصر ومنها إلى «إسرائيل» وفلسطين وعمّان.
السيدة كوندوليزا تستهدف من زيارتها هذه المرة حث الدول التي ستزورها بالإضافة إلى كل دول الخليج التي طلبت منهم التوجه إلى مصر لالتقاء سعادتها هناك، ربما لأنها لا تجد الوقت الكافي لزيارتهم في بلدانهم، أو ربما لأنهم لا يستحقون مثل هذه الزيارة، وبطبيعة الحال سيصعب عليهم الامتناع عن الذهاب إلى القاهرة خشية من ازعاجها!
الوزيرة الأميركية - بحسب وسائل الاعلام - تريد من هذه الدول الوقوف ضد القوى المتطرفة في المنطقة، وتريد كذلك من هؤلاء المساعدة في تحقيق السلام في العراق وفلسطين، وهي - حفظها الله - تأمل من الوزراء الاستجابة لطلباتها والوقوف مع الأهداف الأميركية في المنطقة العربية.
اللافت للنظر أننا لم نسمع تحديداً لأسماء القوى المتطرفة ولماذا هي متطرفة وهل هذا الوصف بحسب المقاييس الأميركية وحدها أم أنه وصف عالمي يعترف به كل الناس! بطبيعة الحال نحن نعرف أن جميع حركات المقاومة في العالم العربي هي في نظر السيدة كوندو متطرفة، مثل حزب الله و«حماس» و«الجهاد» والمقاومة العراقية بل وكل مقاومة أخرى ستكون متطرفة إذا وقفت ضد المطامع الأميركية في المنطقة العربية.
هناك هدف آخر تريد كوندو تحقيقه أيضاً وبأيدٍ عربية وربما بتمويل عربي وهو مقاومة إيران وارجاعها إلى الحظيرة الأميركية بدعوى أطماعها في البلاد العربية والخليجية خصوصاً، وليس من المستبعد أن تحضر كوندو معها مئات التقارير التي تؤكد حرص إيران على امتلاك السلاح النووي لتهدد به دول الخليج وليس «إسرائيل» والتقارير - على أية حال - جاهزة ومفصلة بحسب الطلب فنحن لم ننس بعد التقارير التي تثبت امتلاك العراق أسلحة الدمار الشامل وتعاونه مع «القاعدة» وكيف كان الوزير السابق للخارجية يشرح لمجلس الأمن وبالصور كيف أن صدام حسين كان ينقل هذه الأسلحة على شاحنات من مكان إلى آخر ليخفيها عن المفتشين الدوليين ثم اعترف بعد ذلك كله بأنه كان كاذباً.
الأميركان يريدون تحقيق مصالحهم في منطقتنا، ويريدون استغلالنا وسرقة ثرواتنا والتمكين الكامل للصهاينة على أرضنا، ولكن ما هي مصلحتنا نحن من الوقوف معهم مادام هذا الوقوف سيؤدي بنا إلى مزيد من الضعف والتفكك والاستعباد؟
ماذا ستقول كوندوليزا للوزراء الذين ستجتمع بهم في القاهرة؟
الواضح أنها ستطلب منهم الضغط على «حماس» حتى تعترف بـ «إسرائيل» وتترك مقاومتها مهما فعلت «إسرائيل» بالفلسطينيين، وفي المقابل فلن يكون هناك اعتراف حقيقي بدولة فلسطينية كما تحدث زعماء العرب كثيراً وخصوصاً في مؤتمر بيروت، فـ «إسرائيل» قالتها أكثر من مرة انها لن ترجع إلى حدود وأن القدس عاصمة موحدة وأبدية للدولة الصهيونية وأنها لن تحرك جدارها العنصري الذي ابتلع الأراضي الفلسطينية وأنها لن تسمح بعودة اللاجئين، كل هذه اللاءات قالتها «إسرائيل» فماذا سيقول وزراؤنا الكرام؟ هل سيكونون قادرين على رفض لاءات «إسرائيل» أم أنهم سيخضعون للسيدة المحترمة ليضغطوا على «حماس» أكثر مما فعلوا حتى الآن ليتم كل شيء للصهاينة ولا شيء للعرب الكرام!
ثم ما هي مصلحة دول الخليج من معاداة إيران؟ وما هي المكاسب التي ستتحقق لهم إن ارتكبوا هذه الخطيئة؟ ثم لماذا يخسرون الشيء الكثير في سبيل أميركا التي لا تقيم لهم أي وزن! إيران بكل المقاييس أقرب لنا من أميركا ومن مصلحة دول الخليج أن تقترب منها وتستفيد من خبراتها ومن حق هذه الدول أيضاً أن تناقش إيران ان كانت لها أخطاء في العراق أو سواها ولكن بعد أن تكون العلاقات جيدة وليس كما هي الآن.
إيران على حدود دول الخليج أما أميركا فلا يربطنا بها شيء سوى العداوة التي تحملها لنا والكراهية التي تحملها شعوبنا كلها للأميركان. أما إيران فشيء آخر، أجزم بأن دول الخليج سترتكب خطأً جسيماً لو استجابت للإملاءات الأميركية.
أما العراق وما يجري فيه فهو مستهدف بكل المقاييس ولكنه أيضاً من جرائم الأميركان وهم الذين صنعوه ولن ينتهي إلا بزوالهم من العراق، وأعجب كيف يطلبون من العرب المساعدة في تحقيق الأمن في العراق، وكل تلك الجرائم هم السبب فيها ويكفي ما ذكرته وكالة استخباراتهم قبل فترة وجيزة من أن سبب الارهاب وزيادته كان بسبب ذلك الغزو البغيض للعراق وأنه لن يهدأ إلا برحيلهم عنه، ومادام الأمر كذلك فما دور العرب في هذه المسألة؟ لا أستبعد أن تطلب منهم ارسال قوات للعراق ليموتوا بدلاً من القوات الأميركية، فالأميركان لا يعرفون الخجل أما العرب فأظنهم يعرفونه وقد يفعلون ذلك لا قدر الله!
أما حزب الله فيدافع عن أرضه المحتلة ومن حقه أن يفعل ذلك بل ان على سورية أن تفعل الشيء نفسه لتحرر أرضها ومن واجب العرب جميعاً أن يقفوا مع حزب الله ومع سورية لتحرير أراضيهما المحتلة أما أن يفعلوا عكس ذلك استجابة للمصالح الأميركية والصهيونية فهذا ما لا أتوقعه منهم، بل من واجبهم الضغط على أميركا وبكل ما يملكون لتقف مع الحق العربي، فمن حق العرب أن يحرروا بلادهم ومن واجبهم أن يتعاونوا لتحقيق هذا الهدف قبل أن تضيع بلادهم كلها وقبل أن يبكي كل منهم على بلده ولن ينفعه البكاء آنذاك.
من حق أميركا أن تقول ما تشاء ومن حقنا أيضاً أن نقول ما نشاء وأن ندافع عن مصالحنا وبكل قوة ضاربين بالمطامع الأميريكية عرض الحائط، فهل يستطيع الذين سيجتمعون مع رايس فعل ذلك؟
رايس وغيرها شخصيات مكروهة من كل الشعوب العربية ويكفي مراجعة سجلهم الأسود معنا لندرك حجم الكراهية التي تحملها شعوبنا لهم وليت قادة هذه الشعوب يقفون مع شعوبهم ليحققوا القوة التي نتمناها لبلادنا والله الموفق.
كاتب وأكاديمي من السعودية
إقرأ أيضا لـ "محمد علي الهرفي"العدد 1489 - الثلثاء 03 أكتوبر 2006م الموافق 10 رمضان 1427هـ