العدد 1489 - الثلثاء 03 أكتوبر 2006م الموافق 10 رمضان 1427هـ

طهران - واشنطن «ردع متقابل» يمنع «المواجهة الشاملة»

محمد صادق الحسيني comments [at] alwasatnews.com

الشائع في تعريف السياسة أنها «فن الممكن»، والشائع في تعريف الحرب أنها «استمرار للسياسة»، لكنه ومنذ قيام المحافظين الجدد في أميركا باختطاف قرار صناعة السياسة وتالياً الحرب من سياقه الأميركي المتعارف وتالياً اختطاف صناعة القرار الدولي العام فقد أصبحت السياسة فن «التمكن من الآخرين» والحرب هي الخطوة الأولى والأساسية في صناعة السياسة!

غير أن هذا الأمر لم يدم طويلاً للمحافظين الجدد، فما أن ارتكبوا خطأ في غزو أفغانستان والعراق الاستراتيجيين وغرقوا في مستنقعي البلدين حتى بدأت علائم ظهور ممانعة ومقاومة إسلامية - عربية تتجه لأن تصبح دولية للسياسة الأميركية الجديدة الخارجة على الأعراف الدولية السابقة لها!

قد يكون الإيرانيون من أوائل الذين انتبهوا مبكراً لـ «خطورة» الوقوع في «فخ» المواجهة الشاملة والتي كان يراد لها أن تحدد السياسات الممكنة فيما بعد!

لذلك تراهم اختاروا ومبكراً جداً سياسة مضادة للنهج الأميركي الجديد أي سياسة تجنب المواجهة الشاملة مع اعتماد سياسة تمكين الأمر الواقع من الصمود أطول فترة ممكنة، وهي ما سبق أن وصفتها في مقالات سابقة بدبلوماسية «حياكة السجاد» أي استخدام النفس الطويل في المفاوضات وتحمل معاناة «المداراة» الاجبارية مع عدم كشف الفن الخاص أو الابداع الخاص أو «العرض» الا عند اقتراب «اللوحة الفنية» من نهاياتها.

هكذا تعاملوا مع ملفي أفغانستان والعراق اللذين عنيا لهما الكثير ودفعوا وربما سيدفعون أثماناً باهضة إضافية دفعاً لثمن المواجهة الشاملة، وها هم اليوم يمارسون السياسة عينها بخصوص الملف النووي!

مهما قيل أو سيقال عن اجتماع «الفرصة الأخيرة» بين سولانا ولاريجاني فإن الاعتقاد السائد لدى المختصين بهذا الشأن والمتابعين بتعمق لما يجري من حول هذا الملف هو أنه لن تكون هناك «فرصة أخيرة» في هذا السياق ولن يكون هناك «اجتماع أخير» يتلوه القبول أو الرفض من هذا الجانب أو ذاك، بل إن الملف سيظل على حاله مفتوحاً من دون حلول نهائية قاطعة وحازمة!

والسبب ببساطة أن السياسة التي تنتهجها واشنطن وهي القابضة والمهيمنة على ما بات يعرف «بالقرار الدولي» لا تريد من ورائها حلاً نهائياً، وان ارادت تحت الضغط فإنها لا تريده الا عسكرياً بحسب نهج المحافظين الجدد!

بالمقابل فإن السياسة الإيرانية المضادة لما تعتبره طهران تعسفاً بحقها وسلباً لحقوقها المشروعة، لن تجعل أي قرار أميركي بحقها يمكن أن تفكر واشنطن باللجوء إليه ممكن التنفيذ على الإطلاق!

كيف ذلك؟! من خلال كل الوسائل الدبلوماسية والسياسية والمواجهات الجزئية الممكنة والمتاحة لجعل واشنطن «السيرة» سياسة «المداراة» الإيرانية من جهة، وتحصين الذات بقوى ردعية كافية تجعل أية مواجهة شاملة تفكر فيها واشنطن مع طهران باهظة الثمن جداً ومكلفة وعلى حساب منهجها الجديد المتبع مع الأزمات الأخرى الإقليمية والدولية!

ليست طهران وحدها طبعاً هي مالكة الساحة والخيار في هذا السياق. فالصين وهي صاحبة الاقتدار الردعي الأول في العالم تجاه واشنطن والتي يعود إليها سبق سياسة تجنب المواجهة الشاملة مع «الخصم الامبريالي» حتى قبل مجيء المحافظين الجدد، انما ترى مصلحتها الوطنية العليا وكذلك مصلحة العالم في منع حصول أية مواجهة شاملة بين واشنطن وطهران وبالتالي فهي تقف عملياً إلى جانب إيران على رغم كل «المدارات» الدبلوماسية لواشنطن وعلى رغم كل الكلام «البروتوكولي» العظيم بشأن «إجماع المجتمع الدولي» على ملف طهران النووي!

كذلك روسيا فإنها أبعد ما تكون عن منهج تشجيع المواجهة مع طهران فضلاً عن حرصها الخاص ربما على ابقاء الأزمة «مفتوحة» حتى تقبض «الثمن» بالاتجاهين ومن الطرفين!

وأما الأوروبي الحائر والضائع والبائس والخاسر الأكبر في هذه اللعبة أينما اتجهت رياحها فإنه لا يعرف الا جمع «فتات» المائدة في كل مرحلة من مراحل الانفراج أو التصعيد على أمل أن يتم إشراكه في سهم كبير من «الكعكة» فيما لو نجحت «صفقة المحفزات» التي هي رهانه الوحيد فضلاً عن كونه غير موحد في مواجهة أية تحولات أو تغييرات فجائية طارئة!

وبذلك تكون طهران قد خلقت أجواء «ردع متقابل» في السياسة و«توازن رعب» في الحرب!

لا أحد يستطيع طبعاً «ضمان» نجاح دائم لهذه السياسة، لكن القدر المتيقن حتى الآن هو أن الاثمان «الباهظة» التي تدفعها طهران نتيجة لهذه السياسة إن معنوياً وان مادياً هي أقل بكثير من خيار «المواجهة الشاملة» بأي ثمن كان!

نعم ثمة خيار آخر، وهو أن تقرر طهران «الانخراط» في اللعبة الدولية التي تمسك واشنطن بكل تلابيبها، من خلال اعتماد سياسة «المدارة» الشاملة والدائمة إلى حين انفراج الوضع الدولي العام، غير أن ذلك يتطلب تأجيل الكثير من المشروعات الكبرى واعتماد سياسة وطنية محلية قطرية مختلفة تماماً وهو أمر يتطلب تعديلاً جدياً في القانون الأساسي الإيراني وليس في السياسة الخارجية فقط! ومثل هذا الأمر حتى لو اختارته طهران طوعاً فإنه لم يعد مضموناً من حيث النتائج والأهداف المرجوة «قومياً» - مع افتراض التخلي عن النهج الإسلامي الثوري - ولاسيما في وقت تتجه فيه «الامبراطورية» الاوحد في العالم إلى مزيد من التفتيت والتفكيك للأمم والشعوب والبلدان الكبرى في إطار ألقاب الشرق الأوسط الجديد أو الكبير أو الموسع ودائماً عبر نهج الفوضى البناءة

إقرأ أيضا لـ "محمد صادق الحسيني"

العدد 1489 - الثلثاء 03 أكتوبر 2006م الموافق 10 رمضان 1427هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً