العدد 1489 - الثلثاء 03 أكتوبر 2006م الموافق 10 رمضان 1427هـ

القابضون على البنادر!

قاسم حسين Kassim.Hussain [at] alwasatnews.com

كاتب بحريني

هل هذه من علامات آخر الزمان؟ فالأخبار تحدثت عن علامات لا تخطئها أعين المراقبين والمحليين السياسيين، والمخططين الاستراتيجيين! كل ما وُعدنا به تحقق؛ فقد جاء الزمان الذي تتشبه فيه النساء بالرجال، ويتشبه فيه الرجال بالنساء، وقد ركبت الفروج الخيول، و«لُبس الدين لبس الفرو مقلوباً»، وأصبح القابضون فعلا على دينهم «كالقابضين على الجمر»، في زمن كثر فيه «القابضون على الشيكات»!

روى أحد العلماء الصلحاء، انه رأى في المنام إبليس وهو يمشي في الطريق مترنحا من الفرح، يلعب بمسبحته، وفي يده حبل طويل وسلاسل من حديد وأخرى من خارصين وثالثة من فولاذ صدئ، وفي اليد الأخرى يحمل طبلا ومزمارا، وفي جيبه دراهم وبقلاوة و(دولارات)! فسأله العالم: لمن كل هذه البضاعة؟ فقال مقهقهاً: للطبلة والمزمار جماعات، ولمن لم تفلح معه المزامير جررناه بالحبال، وإلا فهذه السلاسل والقيود. فعاد العالم يسأله ليطمئن على نفسه: وماذا أعددت لي؟ فقال: هذه السلسلة من الحديد.

العالم عاش في قرون ما قبل النفط، فجاءت مفردات حلمه من وحي ذلك الزمان البسيط، أما لو بُعث من سباته الأبدي وشاهد الحلم مرة أخرى، لاختلفت التفاصيل! فهناك هدايا وعطايا، مكافآت وشيكات، وجمعيات وخلايا وشبكات، وأعمال خارج الدوام الرسمي ومخططات! ستبقى حتما المزامير والطبول، وقد يختفي الحبل وتقل القيود، ولكن سيظل الباعة والصيارفة والمرابون. وسيبقى التصنيف الدولي للبضائع المطلوبة في كل زمان، في سلسلة طويلة من طوابير «القابضين»!

بعضهم يقبض دينارا مقابل مقال، وبعضهم يقبض دينار مقابل «تحليل سياسي» يشتم فيه المعارضة، وبعضهم يقبض دينار قيمة مقابلة صحافية «مجدولة» مع نائب مهووس. أما أزهدهم في حطام الدنيا فيقبل بـ دينارا فقط، وهو مبلغ يؤمن له مصرف سيارته من الوقود. أما أتعسهم حالا و(أطيَحَهم حظا) فيكتب ما تريد مقابل «خاتم ذهب» بعشرة دنانير، أو «غبقة» رمضانية لا تتجاوز كلفتها خمسة دنانير!

وبما أننا نعيش في عالم غير مثالي، عالم براغماتي، عالم لا يتحدث إلا بلغة الأرقام، فإن المساواة والعدالة وعدم التمييز التي تحلمون بها أيها الصحافيون المثاليون، أصبحت بشتا قديما آن الأوان لخلعه وتطليقه ثلاثا لا رجعة فيه أبداً. فحدثونا عن الأرقام والشيكات والتحويلات، ودعوا عنكم الشعارات الفارغة! فالدنيا لا يمكن أن تخلو من «تمييز» حتى ضمن «الشبكة» الواحدة، فهناك سائق يدفعون له دينار (لأن على رأسه ريشة)، وسائق آخر يدفعون له دينارا فقط، تمسكا بالحد الأدنى من الأجور!

ومع ذلك فالبضاعة ليست كلها (paehc) هكذا، فالسعر في الأسواق الحرة يفرضه قانون العرض والطلب، ومادام هناك مشترٍ ينزف من بئر عميق، فهناك حتما من يبيع. وإذا وجدت فصيلةٌ تكتفي بالشيكات والمكافآت الشهرية، فهناك فصيلة أخرى تغلي المهر مثل عبلة فتطلب النوق العصافير: سيارة جديدة موديل ، أو قطعة أرض في !

في الماضي كان كل شيء يتم سرا على طريقة أبي نواس في التسلل إلى الخمارة تحت جنح الظلام، أما الآن فكلهم يجاهرون بالمعصية في وضح النهار... أليسوا هم الذين يدافعون عن حياض الوطن؟

إقرأ أيضا لـ "قاسم حسين"

العدد 1489 - الثلثاء 03 أكتوبر 2006م الموافق 10 رمضان 1427هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً