لا معنى لتحالف «الدولة» و«الفلسفة»، إلا إذا كان بإمكان الفلسفة أن تعد بأن تكون صالحة للدولة من دون قيد أو شرط، أي أن تكون مصلحة «الدولة» فوق مصلحة الحقيقة، هذا ما كان من نيتشه قولاً، وما حدث في تقرير صلاح البندر فعلاً.
تلك الأوراق النظرية في تقرير صلاح البندر - وهي الأهم - كانت نتاجاً خاصاً لأحد الأكاديميين العرب، هذا الأكاديمي بعد أن تفرغ من الجامعة وبعد أن تحصل على مكافآت إعداده لتلك الأوراق القذرة غادر البحرين ليرأس صرحاً أكاديميا في إحدى الدول الخليجية، ولا ندري إن كان يطمح لعمل تخريبي آخر في تلك البقعة أم أنه خروج الهاربين من جرائمهم، بلا عودة.
الأكاديمي حين يمارس مهنة الارتزاق يكون خطراً، ذلك أنه حين يفسد يصبح شرهاً للمزيد من المال والسلطة، وهي حال من تعويض النقص الذي تجيد جامعات العالم الثالث صناعته. والأكاديمي - مطلقاً - لا يجيد التحزب إن كان يفكر، يقول نيتشه «المتحزب لا يحتاج إلى عقل، والذين يفكرون لا يستطيعون التحزب»، لذلك فقط، كانت سلسلة فضائح «بندر غيت» مرة المذاق على من أعد فصولها، وأنفق على أبطالها الذين لم يناموا في هدوء بال منذ مدة.
الأكاديمي حين يكون موظفاً، لا مفكراً، يكون مسخاً بارداً شديد التوحش. وصديقنا الأكاديمي الذي كان يجيد عمليات التقويم والمراقبة في عمله السابق بذل من الجهد الكثير في إنتاج أنجح الطرق، وأقومها، وأكثرها ارتفاعاً في التقييم لذبح مكون رئيس من مكونات هذه البلاد. وعليه، لنا أن نحاكم هذا المسخ البارد مرتين، مرة باسم أبناء البحرين كافة، ومرة باسم «المعرفة» حين توجه ضد الإنسانية، وقيمها التي كان من المفترض أن يرعاها، وأن يعلمها لتلاميذه في دروسه الأكاديمية.
خلال العام الماضي فقط، فجعنا بأكثر من أنموذج أكاديمي، والفجيعة بالأكاديميين لها ثقلها على القلب، ذلك أنك ترى في أعينهم ما يجعلك قادرا على إبقاء ذلك القليل من «الأمل»، تقلب أوراق صلاح البندر، ولا توجعك أسماء من قبضوا، من كتبوا، ومن تآمروا من العامة وأشباه الإنسان. الذي يبعث بالغصة في القلب أولئك الذين كنت تأمل منهم «الخير» إذ فتحت لهم أبواب جامعتك لينهل أبناء وطنك من معارفهم، أما الذي لن تستطيع احتماله، فهم أولئك، الذين مازلت تذكر ابتسامتهم العذبة في أول الطريق حباً، والذين مازلت أسير أصواتهم العليلة.
الأكاديمي حين يخرج من أسوار الجامعة والمعرفة ليصنع لأبناء وطنه سجناً لا يعول عليه. الأكاديمي حين يبث شر معرفته لا خيرها لا يعول عليه. الأكاديمي الذي يغتال حرية أبناء وطنه في الحب لا ولن يعول عليه. أخيراً، إن الوطن الذي يسمح بأن تتحول أكاديمياته إلى مصانع فكر طائفي إقصائي، لا يعول عليه
إقرأ أيضا لـ "عادل مرزوق"العدد 1489 - الثلثاء 03 أكتوبر 2006م الموافق 10 رمضان 1427هـ