على أرض «بلد القانون والمؤسسات»، وفي ظل «أجمل الأيام»، ومع اقتراب «شهر العسل الانتخابي» تم رفض الطعن الذي قام بتقديمه المحامي حافظ علي محمد بتوكيل من الرمز الوطني والمناضل السياسي عبدالرحمن النعيمي، فيما يتعلق برفض اللجنة الإشرافية تغيير النعيمي عنوانه إلى عراد التي يسكنها حالياً، ويعتزم بالتالي ترشيح نفسه في الدائرة السابعة من محافظة المحرق.
وعلى رغم الإيفاء بمطالب اللجنة بما فيها تقديم فاتورة الكهرباء فإنه تم التعذر في رفض الطعن المقدم على اعتبار أنه «مقبول شكلاً ومرفوض ضمنا»!
ولا أنكر عليكم أعزائي القراء صراحة بأن هذه العبارة الشاذة غرائبياً (مقبول شكلاً ولكن مرفوض ضمناً) قد تكون استعصت على فهمي كغيرها من أنشوطات وأحابيل ومعاقد القوانين وتلبكاتها وأورامها المختلفة، والتي وخضوعاً لمنطق الرغبة لدي هي الأبعد شغفاً، إلا أنه ووفقاً لآلياتي التأويلية الخاصة، ولتيار استيعابي المندفق من فوهة عقلي ووجدي أرى بأن عبارة (مقبول شكلاً ولكن مرفوض ضمناً) قد تعني مثلاً بأنه مقبول شكلاً في أن تشارك المعارضة الوطنية في الانتخابات، وتدخل أفواجاً أفواجاً من أوسع الأبواب، ولكنه وللخيبة مرفوض ضمناً أن تكون لها الحرية في أن تحظى بالمنافسة الشريفة، والرعاية المساوية والنزيهة أسوة بسائر القوى والأطياف السياسية الأخرى.
وبتفصيل وتوضيح أكثر مقبول شكلاً وظاهراً وجلدة طرية بأن تعلن في الميكروفونات ومكبرات الصوت، والتي قد يصل مداها إلى المريخ، وأن يسوق سياسياً وتجارياً وغزلياً بأن المعارضة أخيراً قررت المشاركة واكتمل النصاب المراد والمرغوب فيه، والتف الزند بالزند، والخد بالخد، إلا أنه مرفوض ضمناً وجوهراً وباطناً أن تتقاسم الأرباح مع جهة التسويق كغيرها من القوى، وأن تنعم بقسط معقول من المنافسة السياسية والمساواة كالتي تنعم بها قوى الموالاة وقوى «المجاملة» من ناحية تسليط الضوء الإعلامي الرسمي ولو في «وطن ينعم ويعيش فيه الجميع»، أضف إلى ذلك توزيع مكافئ من غطاء ودفء عباءة القانون!
فعلى سبيل المثال ومع حال عبدالرحمن النعيمي وغيره من أطراف مرموقة ومحسوبة على المعارضة الوطنية يتم تطبيق القانون بحذافيره و«أظافيره»، ولو أدى ذلك إلى أن يستحيل هذا القانون بوصفه «حزام أمان»، ولو كان ناسفاً إلى قيد وحتى حبل مشنقة (لا قدر الله)، في حين يصبح القانون لدى آخر قبعة أو «شيلة» و«خمار» في أحسن الأحوال، فيحق لهم ما لا يحق لغيره لاعتبارات خاصة، تجيز له الانتقال من دائرته الأصلية، ولو إلى معتزل القفار والجزائر وما وراء البحار، ليس بناء على رغبته وإنما رغبة القانون الحي «النابض»، لكونه قائماً على النية والمزاج الإنسانيين والفرديين على تحديداً، وليس مفعلاً وناهضاً على قواعد المؤسسة بمعناها الجوهري لا المجازي و«الجوائزي» المعاش حالياً!
إذاً اللوم لا يقع على اسم المميز المنتقى المحظوظ/ المسكين لكي لا يكون حسداً وحقداً، وإنما على فعل التمييز وفاعله وسلوك وآلية فعله عسى أن يكون نضالاً ورباطاً شريفاً!
والقاعدة والنظرية مرة أخرى، والمستقرأة منطقياً وربما «امبريقيا / تجريبيا» تقر بأنه مقبول شكلاً أن توافق المعارضة الوطنية على الاندماج في صلب ما هو متوافر أمامها حالياً في المستودعات من عتاد تشريعي وتنفيذي في أي وقت كان عسى أن تحل علينا أجمل الليالي والأحلام والأنغام الوطنية الموحدة/ المحدودة، إلا أنه وللأسف وللحسرة مرفوض ضمناً أن تطمئن هذه المعارضة بما هو متوافر من عتاد تشريعي وتنفيذي أياً كانت جودته، فلا تنل منه إلا تمييزاً متى ما اقتضى الظرف ذلك.
وليست حال المناضل عبدالرحمن النعيمي ورفاقه وأصحابه بالحال الطارئة وإنما هي مشهد و«كليب» من «كليبات» ظاهرة تقليدية عامة يمشي خلالها القانون والشرع في خفة نادرة على خيط المزاج والرغبة والأهواء، لا أهواء الغرام والعشاق طبعاً، وإنما أهواء التسلط والهيمنة والاستفراد الأعمى!
نذكر حال الموقف الحكومي حيال مشاركة الجمعيات السياسية والمنظمات الأهلية، وحتى المنظمات الدولية في الإشراف على الانتخابات القادمة، وكيف كان موقفاً «مصتتا» وعنيداً ومناهضاً لمثل هذا الدور، ولكن ضمن أشراط وعلامات الساعة الكبرى لظهور تقرير «مؤسسة مواطن» أو ما يسمى بـ «تقرير البندر» تم توجيه ضربة استباقية احترافية لتمتص ولو جزئياً أية آثار محتملة من صدور هذا التقرير/ الفضيحة والتي إلى ساعة كتابة هذا المقال أهملت الدولة دورها في التحقيق فيما جاء فيه، فتم حكم الرغبة الفردوية بإن يسمح ولو انتقائياً للجمعيات السياسية والمنظمات الأهلية بالمراقبة للانتخابات!
وإذا ما أردنا المساواة في تطبيق القاعدة المذكورة آنفاً لتشمل المناضل والرمز الوطني النعيمي، فلعلنا نقول إنه مقبول شكلاً بأن المهمة أصبحت أكثر صعوبة في إمكان الترشح للانتخابات القادمة إلا أنه مرفوض ضمناً القول إننا خسرنا النعيمي المناضل وصاحب المواقف التاريخية الصامدة والشمعة المضيئة في ذاكرتنا الوطنية، فهو حفظه الله باق يمارس دوره في الإرشاد والتوعية والنصح والتنوير معلماً للأجيال والطلائع المختلفة، ولم يكن يوماً بطامح وساع إلى جنة المقعد النيابي، كحال البعض من أبطال وفرسان الكوبونات، وموزعي قسائم «إفطار فضيحة» و«كفالة نائب» الرمضانية، ولولا إلحاح شديد من المواطنين لما أعار لهذه المسألة انتباهاً، ولاكتفى باحترام البرلمان ومقاعده على قدر سلطاته وصلاحياته ومكانتها الدستورية المتواضعة!
ولولا إيماننا العميق بجدوى التجربة والانخراط ولو كان مغامرة في ما هو موجود ومتاح وممكن سياسياً وواقعياً، لقلنا إن البرلمان هو من سيخسر النعيمي حينما يكون مفتوحاً أمام صبيان مافيات «الغونغو» وسائر مغامري ومضاربي البلد، ودراويش الستر والتستير لخلق الله وبنات الناس وحتى تغطية وستر الملفات والبلاوي، فيكون الستر المزدوج تقوياً من جهة وتواطئياً من الجهة الأخرى.
مقبول شكلاً بأن يعتبر القارئ العزيز ما ذكر أعلاه لا يعدو أن يكون رأياً وملاحظة شخصية صرفة إلا أنه مرفوض ضمناً أن يعده تجاوزاً وخروجاً
إقرأ أيضا لـ "خالد المطوع"العدد 1488 - الإثنين 02 أكتوبر 2006م الموافق 09 رمضان 1427هـ