العدد 1487 - الأحد 01 أكتوبر 2006م الموافق 08 رمضان 1427هـ

لبنان بين تغيير الحكومة وتبديل المعادلة

وليد نويهض walid.noueihed [at] alwasatnews.com

كاتب ومفكر عربي لبناني

أمس انسحبت «إسرائيل» رسمياً من المواقع الأخيرة التي احتلتها خلال عدوان يوليو/ تموز الماضي. وبهذه الخطوة تكون حكومة ايهود أولمرت أقفلت النافذة التي يمكن ان تمر منها الرياح بعد تردد استمر منذ أغسطس/ آب الماضي. وتأتي عملية الانسحاب عشية وصول وزيرة الخارجية الأميركية كوندوليزا رايس إلى المنطقة تمهيداً لخلق أجواء مؤاتية تبرر احتمال قيام الرئيس جورج بوش بزيارة لعواصم المنطقة تحت عنون: «إعادة إحياء عملية السلام». وقبل ان يقوم بوش بجولته اعلن رسمياً في تل ابيب ان أولمرت سيتوجه إلى واشنطن للقاء المسئولين هناك وبحث الملفات الساخنة معهم وربما أخذ تعليمات جديدة بشأنها.

من الآن وحتى تكتمل معالم الصورة الاقليمية لابد من مراقبة الساحة اللبنانية بوصفها تشكل مرآة عامة لتلك المتغيرات التي أسفر عنها العدوان وتداعياته العربية والاقليمية. عربياً أضعفت الحرب المحور المصري - السعودي اذ ادت إلى تحطيم البنى التحتية للدولة وهمشت إلى حد معين موقع حكومة فؤاد السنيورة. مقابل تراجع الدور العربي في لبنان ازداد نفوذ المحور السوري - الإيراني بوصفه يشكل قوة ضغط اقليمية على التوازنات المحلية.

إقليمياً تبدو تل ابيب في حال انسحاب عسكري/ سياسي من لبنان بعد اكتمال انتشار القوات الدولية في الجنوب إلى جانب الجيش اللبناني. الانسحاب لا يعني أن الدولة العبرية تخلت عن عادات الاستفزاز والتحرش واختبار القوى والعدوان. فهذه العادات هي جزء من طبيعة «إسرائيل» ووظيفتها لكنها تخضع الآن لاعادة فحص ودراسة في ضوء النتاج التي تمثلت في تلك المواجهات الميدانية. «إسرائيل» كدولة ستبقى في مكانها ولكن النقاش يدور الآن في حكومة أولمرت عن اعادة تقييم موقعها ودورها ومدى استعدادها للاستمرار في تأدية وظائفها التقليدية.

أمنياً تتصرف حكومة أولمرت وكأنها «انتصرت» أو على الأقل حققت بعض الأهداف السياسية التي حددتها وهي ابعاد حزب الله عن الحدود ونشر الجيش ووضع قوات دولية لحراسة «الخط الأزرق» الفاصل بين البلدين. وهذه الأهداف تعتبرها تل ابيب كافية الآن لتأمين الحد الأدنى من الطمأنينة بانتظار تلك الاشارات الجديدة التي سيأتي بها أولمرت بعد زيارته واشنطن.

هواجس لبنانية

أمس اذاً انسحبت «إسرائيل» من جيوب الجنوب واقفلت «إسرائيل» «النافذة» الاخيرة التي قد تعبر منها الرياح. وباقفال تلك الثغرات الأمنية جنوباً يرجح أن تنتقل الرياح السياسية إلى الداخل اللبناني بعد سلسلة مواقف عاصفة عكست هواجس القوى المحلية.

حزب الله أعلن من جانبه الانتصار في مهرجان مليوني نظمه في الضاحية الجنوبية. والمهرجان كان مناسبة لتوجيه رسائل داخلية قوية تركزت على نقاط مختلفة لكنها في مجموعها تصب في اتجاه واحد. السلاح مثلاً لن يسلمه الحزب للدولة وذلك لاعتبارات منها ان الدولة ضعيفة و«إسرائيل» لم تقلع عن سياستها العدوانية كذلك لاتزال هناك الكثير من المشكلات العالقة مثل تبادل الأسرى وخريطة الألغام ومرتفعات كفرشوبا ومزارع شبعا. والحزب ابدى استعداده لتسليم السلاح بشروط منها ضمانات أمنية وقيام «دولة قوية وعادلة ونظيفة». وهذه الشروط يصعب تحقيقها مادامت الحكومة الحالية هي المكلفة ادارة الملفات ولذلك لابد من تعديلها او توسيعها حتى تعكس التوازنات السياسية الفعلية.

حكومة السنيورة اذاً هي المشكلة او على الأقل العائق الذي يقف في وجه قيام «دولة قوية وعادلة ونظيفة» تستطيع حمل السلاح والدفاع عن لبنان وشعبه وأخيراً النهوض باقتصاد البلاد واعادة الاعمار. ومن الآن وحتى تتحقق تلك المطالب جدد حزب الله تأكيده ان السلاح لن يستخدم في معركة داخلية اوضد الطوائف الأخرى وذلك لاعتبار بسيط وهو ان «السلاح لبناني» ولن يرفع ضد لبنان.

الجنرال ميشال عون بدوره يبدو انه يسير على النهج نفسه تقريباً. فهو ايضاً يرى ان حكومة السنيورة هي «أم المشكلات» ولا بد من تغييرها او اسقاطها لأنها برأيه لا تمثل التوازن السياسي الحقيقي و«تهمش المسيحيين». وبأسم الدفاع عن «حقوق المسيحيين» يحشد الجنرال الشارع خلفه للضغط على الطوائف الاخرى التي برأيه تخالف «التوافق» اللبناني.

قائد القوات اللبنانية سمير جعجع له آراء مخالفة للجنرال وحزب الله. فهو يؤكد أن «التمثيل المسيحي» في حكومة السنيورة موجود ويعكس بدقة النسبة المطلوبة للتوافق الطائفي. وعلى هذا الأساس يرفض نظريات التوسيع أو التغيير او الاسقاط ويرى ان هذا المطلب يلبي رغبات سياسية لا علاقة لها بحقوق المسيحيين. بل انه يجد في سلاح حزب الله تهديداً للبنان وللطوائف الاخرى وخصوصاً للمسيحيين. فالسلاح يخيف الطوائف برأي جعجع ولذلك على حزب الله ان يسلمه للدولة لتكون هي الطرف الوحيد القوي والقادر على الدفاع عن لبنان وحماية أهله.

رئيس الحزب التقدمي الاشتراكي وليد جنبلاط ليس بعيداً عن أفكار حليفه جعجع. فهو ايضاً يرى ان السلاح يجب ان يكون بحوزة الدولة على اساس خطة استراتيجية توافقية تضبط التوازنات وتمنع «إسرائيل» من العدوان وتحصر قرار الحرب والسلم في السلطة الشرعية. وبناء على هذا التصور يرى جنبلاط ان حكومة السنيورة جيدة وقامت بواجبها السياسي ابان العدوان وهي القادرة على تأمين الغطاء الدبلوماسي العربي والدولي الجيد لتوفير الدعم للبنان ومساعدته على القيام بخطة النهوض الاقتصادي واعادة الاعمار.

تيار « آذار» الذي يضم مجموعات سياسية موالية لسورية أكثر تشدداً في المطالبة باسقاط حكومة السنيورة من حزب الله والجنرال عون. وهو يقف وراء جماهيرية الحزب/ الجنرال للضغط بقوة في هذا الاتجاه.

تيار « آذار» الذي يضم تشكيلات سياسية لبنانية متنوعة من طوائف ومناطق ومذاهب يتجه إلى تأييد حكومة السنيورة خوفاً من ان تكون المطالبة بالتوسيع أو التغيير أو الاسقاط خطة «سورية» أو غطاء محلياً يستهدف ادخال الدولة في فوضى أمنية تعطل الكثير من المهمات بينها تجميد دور لبنان وتهميشه وتأخير خطة الاعمار وتغييب موضوع المطالبة بتشكيل «محكمة ذات طابع دولي» لمحاكمة المتهمين باغتيال رفيق الحريري.

رئيس مجلس النواب نبيه بري يقف في خط الوسط بين التيارين فهو يتبنى مطالب حزب الله والجنرال وضغوط « آذار» كذلك يتفهم مخاوف النائب سعد الحريري وتلك الهواجس السياسية الأمنية التي تصدر عن أقطاب « آذار» وخصوصاً جعجع وجنبلاط.

متغيرات قديمة

خلاصة الأمر ان لبنان ليس على ما يرام. فالعدوان الذي زعزع اركان الدولة بدأ يثمر سياسياً ويتوقع ان تكون تداعياته سلبية بعد ان انسحبت «إسرائيل» أمس من «النافذة» الأخيرة في الجنوب واقفلت الجبهة العسكرية دولياً على عمليات المقاومة. واقفال بوابات الجنوب يعني عمليّاً فتحها داخلياً. وهذا ما يمكن ملاحظته من خلال قراءة السطور وما بينها التي تطلقها التصريحات السياسية وتعليقات المرئيات والفضائيات.

لبنان اذاً مقبل على مواجهة داخلية قد تكون سلمية أو غير سلمية ولكن ملامح العاصفة السياسية بدأت تظهر بقوة في الأفق وأخذت تضغط على مختلف الاطراف والاطياف (الطائفية). والتشنج الذي يرتسم هنا وهناك يحدد تلك الأطر التي ستقوم على اساسها المعركة المنتظرة. واهم نقطة مستهدفة في تلك الساحة اللبنانية التي عادت مكشوفة ومفتوحة هي حكومة السنيورة.

حزب الله يريد حكومة معدلة لتصحيح التمثيل وتأسيس معادلة صحية لاقامة «دولة قوية وعادلة ونظيفة». الجنرال عون يريد اسقاط الحكومة أو تغييرها لتصحيح التمثيل المسيحي واستبعاد اطراف مسيحية واستبدالها بأطراف مسيحية اخرى. تيار « اذار» يستهدف الحكومة وتكليف رئيس جديد لها من لون واحد يمثل وجهة نظر واحدة ويساعده طاقم متشكل من تكتل يشبه ذاك الذي كان موجوداً في العام و.

مقابل هذه المجموعة تتشكل وجهات نظر اخرى تتجمع في اطر سياسية مضادة تمانع التعديل أو التوسيع أو التغيير أو الاسقاط أو الاطاحة أو استبدال الحكومة بحكومة جديدة كلياً. وترى هذه المجموعة المضادة أن الهدف ليس تغيير الحكومة وانما تبديل المعادلة. وبين هذه وتلك تبدو الأمور في لبنان سائرة نحو توتر سياسي لن يكون بعيداً عن الاستقطابات الأهلية (الطائفية) مهما حاولت الأطراف المعنية بها اضفاء الطابع الايديولوجي أو العلماني عليها. فالسياسة في لبنان طائفية في جوهرها حتى لو حاولت الاحزاب تقديم تصورات مخالفة للواقع. فالسياسة غطاء للطائفية في لبنان، وكذلك الايديولوجيا. والكلام عن انشطارات نسبية في توجهات كل طائفة داخلياً لا يكفي للدلالة على وجود استقطابات خارج التشظيات الأهلية القائمة بقوة في مختلف المناطق والمذاهب.

هذا لا يعني أن لبنان يجب ان يبقى كما هو خوفاً عليه من الانهيارات الطائفية. فالواقع دائماً يتغير حتى لو ارادت القوى السياسية منعه أو دفعه الى الأمام لذلك يتوقع ان يشهد لبنان تطورات دراماتيكية لن تكون أفضل من تلك التي ظهرت في بنيته الطائفية لحظة انفجار حرب - . الانفجار السلمي او الحربي سيكون متشابهاً في قانونه العام والمتغير سيكون فقط في اختلاط أوراق التحالفات وتبدل ألوان الطوائف والمذاهب

إقرأ أيضا لـ "وليد نويهض"

العدد 1487 - الأحد 01 أكتوبر 2006م الموافق 08 رمضان 1427هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً