العدد 1487 - الأحد 01 أكتوبر 2006م الموافق 08 رمضان 1427هـ

تقويض العمل البلدي... من السبب يا ترى؟

سكينة العكري comments [at] alwasatnews.com

نقرأ في الصحف اليومية منذ فترة تصريحات للراغبين في الترشح للانتخابات المقبلة ، والملاحظ أن غالبية الراغبين في الترشح يرغبون في الشق النيابي، كما لاحظت أن هناك عزوفا عن المشاركة في الشق البلدي، سواء الرجال منهم أم النساء، فهناك توجه عموماً إلى المشاركة النيابية وهجران العمل البلدي، وكأن العمل البلدي في الدورة السابقة قد نفذ جميع خططه وبرامجه ولم يعد لدى الناس حاجة في تبني المشروعات التي يمكن تحقيقها من خلاله، حتى الأعضاء البلديون أنفسهم الذين ساهموا في التأسيس والإعداد للعمل البلدي هجروه إلى غير رجعة بدليل توجههم إلى العمل النيابي الذي لا خط رجعة فيه.

طبعا هناك من كان يفكر مسبقا بأن العمل البلدي سيكون بالنسبة إليه بمثابة السلم الذي يستطيع الوصول من خلاله إلى النيابي، ولكن جاءت الحكومة بخططها الجهنمية وأفشلت مخططه وتعمدت إحراجه أمام جمهوره فأصبح وضعه اليوم يختلف كثيرا عن الأمس، ويبدو ذلك بوضوح من خلال عدم تعاونها المثمر معهم، وبالتالي خرج البلدي من الدورة السابقة وللأسف الشديد «صفر اليدين»، فكيف له أن يصحح الوضع مع قاعدته وهو الآن يطلب منهم وقفة أخرى ربما توصف بأنها أكبر؟

أظن بأنكم أيضا تلاحظون مثل ما ألاحظ بأن هناك قلة في أعدد الراغبين في الترشح للانتخابات البلدية مقارنة بالنيابي، لا أعرف لماذا، هل هو استخفاف بالعمل البلدي؟ وهل المرشحون يختارون طريقهم وفق قدراتهم وإمكاناتهم الحقيقية أم وفق أمزجتهم وأهوائهم الشخصية أو عبر محكات أخرى ربما نجهلها نحن المراقبين. أحاول جاهدة وضع النقاط على الحروف، فهل يا ترى الحكومة هي من تتحمل وزر ذلك من خلال رغبتها الأكيدة في إفشال التجربة البلدية السابقة لكون الوفاق شاركت فيها وحصلت على ثلثي المقاعد في حين قاطعت الانتخابات النيابية وانخفضت عندها نسبة المشاركة، أحرجت حينها الحكومة مع الخطوات الأولى في الإصلاحات السياسية، فهل يعد عدم نجاح مشروع المجالس البلدية نوعا من أنواع الانتقام السياسي من الوفاق والقوى السياسية المقاطعة بغرض إحراجها أمام قواعدها الشعبية، وإضعاف قدرة هذه القوى والعمل على فصلها عن قواعدها التي وقفت معهم في الانتخابات السابقة؟

المفاجأة الكبرى قلة الانجازات التي استطاع ممثلو العمل البلدي تحقيقها في الدورة السابقة، لأسباب عدة سعت الجهات الرسمية جاهدة وتعاونت في سبيل تحقيقها رغبة منها في إعاقة العمل البلدي، ربما يأتي على رأسها تداخل الصلاحيات والاختصاصات مع المحافظات الخمس والمجالس البلدية الخمسة، والتي نكاد ننسى في الظروف العادية أن هناك محافظات ونتذكرها دائما عندما يكون لها دور فاعل في عرقلة عمل المجالس البلدية أو ممن خلال بيروقراطية وزارة شئون البلديات، التي قلبت دور العضو البلدي إلى مخلص معاملات ليس إلا، وليس عضوا ممثلا للمواطنين في دائرته وبالتالي له صلاحيات، وعليه الاستفادة من وضعه في صوغ وصناعة القرارات مع المسئولين.

مسكين الذي شارك في الدورة الأولى، فقد عانى الأمرين: مرارة عدم القدرة على الانجاز وإحساسه بالضعف واليأس والاحباط، وربما الإحساس الأهم أنه أصبح شخصا غير مقبول اجتماعيا، ويتضح ذلك من خلال التذمر واللوم من قبل الناخبين، وملاحقتهم إليه للإيفاء بتنفيذ ما جاء به برنامجه الانتخابي، أم أن أداء البلديين المحبط أحبط من حولهم؟ أم أنه ذلك الراتب الزهيد الذي لا يتناسب مع حجم دوره وطبيعة عمله. فمن المعروف أن العمل البلدي يركز على الجانب الخدماتي، ولا يمكن تحقيق ذلك إلا من خلال المتابعات الكثيرة.

أم أن النواب الكرام وأداءهم الهزيل المضحك أحيانا والمبكي في غالبية الأحيان، كان سيد الموقف ووراء ارتفاع طموح المرشح في حصوله على مقعد نيابي بدلا من بلدي، خلق لدى الشارع والمراقب والمتابع حالة من الدافعية الكبيرة والحماس المتوهج شعر من خلالها بأنه بطل على رغم إمكانياته المحدودة والبسيطة، وبالتالي شعر بقدرته على الانجاز والعطاء مقارنة بما تم إنجازه وما تم متابعته طوال الأربع سنوات، كذلك زاد الرغبة في الترشح للنيابي بدلا من البلدي أن النائب تحول دوره إلى نائب خدمات، وبالتالي «اثنان في واحد»، لاحظوا خيار سليم جدا، بل ان السبيل الوحيد لإرضاء أهالي الدائرة تقديم المشاريع الخدماتية على غيرها من المهمات والأدوار الأهم، لا ننسى أن الحوافز المادية وحجم الراتب والامتيازات التي سيحصل عليها النائب من سيارة آخر موديل وغيرها من أمور لا يعلمها غير الله تعالى، تعد بحد ذاتها فواتح للشهية للراغبين في الترشح بغض النظر عن مدى قدرتهم على إدارة الملفات السياسية الساخنة تحت قبة البرلمان فضلا عن محدودية صلاحياتهم، وطبيعة دورهم المحدود.

ولا ننسى طبيعة العمل النيابي وما يعتقده البعض من كونه عملا مريحا ويعتمد بالأساس على التحدث والأخذ والرد (ظاهرة صوتية) والغالبية العظمى يجيدون التحدث والكلام في المطلق، وفي ذلك فليتنافس المتنافسون! وكل ما كان النائب متميزا ويملك مهارات خطابية عالية كلما رسم لنفسه طريق المجد والتميز بغض النظر عن مدلول ما يتحدث عنه، ناسين ومتناسين أن العمل النيابي يعني ممارسة العمل السياسي في حقل سياسي غزير لا يمكن لمن لا يجيد مهارات السباحة في أغوار العمل السياسي يعني التأسيس إلى فشل ذريع وضحك على الذقون ومسرحية هزلية بطلها سعادة النائب نفسه وجمهوره من صوت له وعزز موقفه، وصفق له طوال العمليات الانتخابية. فالبعض لا يعرف عن الدائرة وظروفها سوى رقمها، بل أن البعض لم يعرف رقم دائرته إلا عندما قرر أن يترشح فيها من خلال تكرار السؤال عليه، فكيف به أن يمارس إدارة الملفات السياسية وجمع الحقائق والمعلومات حولها وتفعيل الأدوات الدستورية المتاحة؟

أعتقد أن الحكومة أخطأت حينما أعاقت عمل المجالس البلدية في دورتها الأولى، وعليها أن تتحمل خطأها أضعافا مضاعفة، فهي بعملها أبعدت الناس عن المشاركة فيها وكرهتهم في اختيار ممثلهم أصلا، وحمل حينها العضو البلدي أكثر مما يجب. ومن المعروف في بقية البلدان أن من يرغب في خدمة الناس فإنه يتجه حتما للعمل البلدي، ولكن بالمقابل يحتاج إلى جهود مضنية وتعاون من قبل الحكومة. وأيضا حرمت الحكومة المواطن البحريني من تحقيق أحلامه الخدماتية والاستفادة الحقة مما يمكن إنجازه على أرض الواقع من مشروعات رغب الناس أن تكون واقعا، ولاسيما أن إنجازات العمل البلدي ترى ويتلمسها الناس ويستفاد منها بشكل مباشر ويتفاعل معها، بلحاظ أيضا إهمال الجانب الخدماتي في البحرين لمدة طويلة. فهل من وقفة لإعادة النظر في المواقف مع مشاركة المقاطعين في الانتخابات؟

كاتبة بحرينية

إقرأ أيضا لـ "سكينة العكري"

العدد 1487 - الأحد 01 أكتوبر 2006م الموافق 08 رمضان 1427هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً