العدد 1486 - السبت 30 سبتمبر 2006م الموافق 07 رمضان 1427هـ

تقرير «البندر» وبؤس الردود المضادة!

خالد المطوع comments [at] alwasatnews.com

دعونا نفترض أن يكون خبير التخطيط الاستراتيجي، ورجل التسويق السياسي صلاح البندر هو ذاته وعينه، ببيجاماه السودانية، وضفائره الحبشية، وقلادته ذات النمط الإفريقي القبلي، هو من كان يقف وراء إغواء وخداع أبي البشر والأنبياء آدم (ع)، والتسبب بالتالي في خروجه من الجنة.

ولنسلم بأن صلاح البندر كان مستشاراً للتخطيط الاستراتيجي لأبرهة الأشرم أو أبرهة الحبشي، وهو الذي نصحه وقدم مشورته للمقبور بأن يخطط ويتجه لهدم الكعبة، ولنضيف بأن البندر مع كل ذلك ولد عميلاً ليس مزدوجاً، وإنما عميلاً مكعباً لـ «الإمبراطورية البريطانية»، و«الجارة الفارسية»، ولـ «جنوب السودان»، و لـ «السي آي إيه»، ولـ «القاعدة»، و«جيش الرب»، و«منظمة إيتا الانفصالية»، و«للسحر الأسود»، وذلك حتى يجف حبر الورق والكلام، وتهجع الأحلام. هل هذا كله سيرضي ويسعد الطرف المضاد، ويغلق الملف، ويلم شمل الوطن؟!

هل تكون جميع تلك الافتراضات والتسليمات والتخيلات، كافية ووافية لسد جوع المتهمين من «ضحايا» التقرير لتنفيس القهر، ولـتسكين نفوسهم المضطربة، و«تهجيع» مخاوفهم، وتعويدهم على جو الصدمات والصعقات غير المتوقعة، وتعويذهم من شرور صلاح البندر «العدو الأزلي للجنس البشري»؟!

هل سيتخلص البحرينيون من أزمة هذا التقرير، وما أثاره من مخاوف، وما ضاعفه من تراكمات عدم الثقة المتخمرة تجاه جسم دولتهم ومؤسساتها وقوانينها، فيما يخص هيبتها وقدرتها على الردع، لتحقيق العدل والمساواة والإنصاف بواسطة تقديس هؤلاء «الضحايا» أو المتهمين، و«أبلسة» وشيطنة وصقل صلاح البندر بصيب من الشتائم واللعنات، بدلاً من أن يتم فتح الملف على أقصاه، والتحقيق في التقرير واستدعاء البندر ومحاكمته، كما طالب هو بذلك مسبقا وأصر عليه أكثر من مرة بثقة ووضوح، وذلك في الوقت الذي لا يمكن أن أصنف فيه ردود الجبهة المضادة للتقرير، من وجهة نظري الشخصية، إلا على أنها ردود بائسة، أو ربما هي ردود مزدوجة تعمل لصالح المتهم «الضحية» وفي الوقت ذاته توسع من مأزقه؟!

وتكون في أحسن الأحوال ردوداً ودفاعات تستحق الشفقة، أكان من ناحيتنا، إذ لا نأمل أن يتورط أي مواطن بحريني وأي عربي وأي مسلم في مثل تلك الأمور المخزية، التي لا تقرها أخلاق ولا مبادئ، ولا دين ولا عرف، أم من جانب الدولة التي ينبغي أن تنهض بدورها «الحامي» والجامع لمختلف أفراد وطوائف وأطياف الوطن لحماية الصالح العام، والتوصل إلى حل نهائي محترم ومجد حول التقرير، بإحالته وصاحبه وجميع المتورطين فيما ذكره إلى لجنة التحقيق، ومن خلال اتخاذ إجراءات احترازية أو عاجلة تجاه المتهمين، ولو بشكل مؤقت، لامتصاص النقمة الشعبية، وتخفيف وطأة الاضطراب الحاصل والمهدد لسلامة المشروع الإصلاحي والوطن أجمع.

تلك الردود البائسة آن الأوان لأن ندرج ضمنها التقرير المضاد لتقرير «مؤسسة مواطن» الصادر أخيراً، الذي ظل إلى ساعة كتابة هذا المقال مجهول الأبوين، بلا أصل ولا فصل، فلم يتجرأ فرد أو حتى جهة على إعلان التبني لهذا التقرير أو النسخة التقليد الرديئة في فبركتها، إذ إن المعلومات الواردة فيه لا يمكن أن تضارع ما ورد في التقرير الأصلي من ناحية الشمول والتكامل، والتماسك والانتظام المنطقي السلس، كما توجد به الكثير من الثغرات التي فيما يبدو أعجزت معدي التقرير «المجهولين» عن سدادها وحشوها.

إذ إن أبرز الأسماء التي اشتمل عليها التقرير التقليد هي أسماء وطنية ولامعة ومعروفة بمعارضتها السلمية المشروعة للكثير من المواقف الرسمية والحكومية بدء من عبدالعزيز أبل وعبدالله مطيويع وإبراهيم شريف إلى محمد العثمان وعبدالنبي سلمان وغيرهم الكثير من أبناء الشعب، فهم أصحاب كلمة وموقف ومبدأ وطني ناصع وواضح للجميع بغض النظر عن الاختلاف أو الائتلاف معهم سياسياً أو فكرياً، فعلى أي أساس ستمنح لهم مثل تلك المكافآت والجوائز؟! هل هي بدل نقد؟ أم بدل اعتراض؟ أم بدل «البدل»؟

وهم على العكس من بعض المتهمين في التقرير الأولي ممن كانت التهم والشبهة متلبسة بهم من الرأس إلى الكاحل بحسب ما تشير إليه «أوتوماتيكية» مواقفهم الحكومية والرسمية أكثر من الحكومة ورسمها ذاته، بدءا من «الناشط سياسي» الدخيل، ومروراً بالمحلل لا السياسي أو الاستراتيجي، وإنما المحلل أو «المحلحل» الشرعي الذي شبه تسلم بعض نواب البرلمان للهبات والأراضي المدفوع أجرها خلقاً وروحاً بأنها كمثل تسلم المجاهدين الأوائل الأراضي التي وزعها عليهم النبي (ص) جزاء لدفاعهم عن حياض الإسلام! وبالتالي فإن أي انتقاد يوجه إلى أدائهم ونزاهتهم وإن كان موضوعياً ومتجرداً من ذكر الأسماء والصفات هو طعن واعتداء على عرضهم وشرفهم، فأي تكميم للأفواه هذا؟

وآخر لم يحترم مهنته ورسالته الإنسانية العليا التي يمثلها في نصرة المظلومين فلم يتورع أخيراً عن ممارسة الشحاذة في أرذل العمر، وإن طالت مثل تلك الشحاذة المكانس وسوائل التنظيف!

أما من فاحت فئويته وانتهازيته إلى درجة أغارت فيها جميع قنوات الصرف الصحي، وأربكت عبرها الإدارة والوزارة المسئولة، فحدث ولا حرج، فقد سبق لنا وأن تناولناه بالنقد في مقال سابق، وحذرنا منه أصحابه، وطالبناهم بنصحه، وانتشاله مما تورط فيه، لكن دونما فائدة!

لذلك لن أبالغ أو أتحيز حينما أقول إن الفائدة والإضافة الوحيدة التي ربما قدمها التقرير هو الترتيب المنطقي والتوثيق «Documentation» الذي ننتظر أية لجنة تحقيق مستقلة مستقبلاً في أن تثبت صوابه من عدمه!

أما فيما يتعلق بالتقرير المضاد المفبرك، الذي يبدو أن إصداره ردة فعل عنيفة ومتعجلة على انتشار التقرير الأولي الأصلي، بهدف التشويش، ولخبطة الأوراق والمفاهيم، وتلويث الوعي، إذ رافقته تهديدات وتحذيرات إلى عدد من النشطاء السياسيين، والمثقفين المهتمين بالموضوع، وبالتالي ظل حاله أشبه بحال ملف «فتنة المحرق» الذي أقحم في طريق ملف التجنيس، لكن بفشل ذريع!

أما فيما يتعلق بشهادات الأصدقاء والأقرباء والأحباء والندماء في حق من ورد اسمه في التقرير فهي غير كافية، ولا يمكن الاعتداد بها، وعلاوة على ذلك تقديم المواعظ الأخلاقية من «متهم» بأخزى التهم لا يعدو أن يكون تهريجاً ومراوغة بليدة، إلى جانب الحديث عن «الوطن» و«الوطنية» من قبل مشعلي الحرائق في المحرق وغيرها، هو أمر سيعود بأقسى الضرر على «المتهمين»، ومن حازبهم، ومن قدمهم للجمهور عبر أية نافذة قميئة من دون سواهم!

أضف إلى ذلك، التناقض الواضح بين شهادة الشيخ أحمد بن عطية الله آل خليفة، التي أقر بها بأنه صرف الشيكات ووقعها بنفسه مع اعتراضه على السيناريو، وفي المقابل الإصرار الغريب للقابضين على الشيكات بحسب الوثائق، وبحسب شهادة الشيخ نفسها بأنهم لم يتسلموا أي فلس! ونتيجة لذلك فإن مثل تلك التباينات واللخبطة الواضحة بين هذه الردود الإنشائية والمتهافتة من الطرف المتهم، للأسف لا تأتي على وزن المعلومات والوثائق الدسمة بالتقرير! وهي قد تعلن عن السقوط المدوي الرهيب لأكبر تيارين إسلاميين يمثلان أهل السنة والجماعة طالما لم ترتقأ كثيراً إلى مصاف ما احتواه التقرير، وتتعامل معه بكثير من الموضوعية والشفافية، وتخفف من غلواء استزلاميتها وراء الرواية الرسمية!

ما يهمنا للمرة الألف هو التقرير والتقرير، وإثبات عكس ما جاء فيه من معلومات مخيفة أشبه ببيانات في مكتب خدم وأيدي عاملة، ولا يهمنا الطعن واللعن لشخص البندر من دون تقديم أدلة وحجج دامغة ضده، وهو مازال بعد مقابلته التي نشرتها «الوسط» أشبه ما تكون بضربة معلم لم يجد ضربة مضادة توازي قوة ضربته تلك!

فمتى يستيقظ أخواننا «المتهمون» في التقرير من غيبوبتهم الإنشائية المديدة، ومتى يرتقون قليلاً ويتموضعون موضوعياً في طرحهم وردهم بدلاً من حفلات السب واللعن، والطعن في العرض والشرف في نهار رمضان الكريم، وعوضاً عن توجيه وتلقين «أرسطي» سخيف للمواعظ الأخلاقية، ومزايدة في نبذ الأجنبي الدخيل والفضولي بعدما كان الرفيق والصاحب، والتمسك بالمواطن لا الصاحب والأخ والشريك وإنما خشبة الإنقاذ وورقة الانتخاب؟! نخشى أن يكون ذلك علامة الإفلاس المبكر

إقرأ أيضا لـ "خالد المطوع"

العدد 1486 - السبت 30 سبتمبر 2006م الموافق 07 رمضان 1427هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً