قالت وسائل الإعلام الرسمية في سوريا إن مسلحين اقتحموا بوابات مقر قناة الإخبارية الموالية للحكومة اليوم الأربعاء (27 يونيو/حزيران 2012) وفجروا مباني وقتلوا بالرصاص ثلاثة موظفين في أحد أكثر الهجمات جرأة على رمز من رموز الدولة.

وقال الرئيس بشار الأسد في وقت متأخر أمس الثلثاء إن بلاده في حالة حرب. ويظهر الهجوم على مقر الإخبارية الواقع على بعد 20 كيلومترا إلى الجنوب من العاصمة وكذلك قتال الليلة الماضية على مشارف دمشق أن الانتفاضة المستمرة منذ 16 شهرا تقترب من العاصمة دمشق سريعا. وأظهرت لقطات عرضت على قناة الإخبارية التي استأنفت البث عقب الهجوم آثار الرصاص في مبنى من طابقين وبركا من الدماء على الأرض. ودمر مبنى معدني تماما تقريبا وظلت ألسنة اللهب تشتعل في الهيكل المعدني للمبنى. وقال موظف يعمل في مقر القناة بمنطقة دروشة لوسائل الإعلام الرسمية في مكان الحادث إنه سمع انفجارا صغيرا ثم انفجارا كبيرا واقتحم مسلحون المكان وخربوه ودمروا غرفة الأخبار تماما. وتحكم وزارة الإعلام الرقابة على الصحافة السورية.

ورغم كون الإخبارية قناة خاصة فإن معارضي الأسد يقولون إنها لسان حال الحكومة. وخلال الانتفاضة المستمرة منذ 16 شهرا التي تطالب بالديمقراطية تعمل قناة الإخبارية على مواجهة ما تقول إنها حملة أكاذيب من قنوات غربية وعربية فضائية حول الانتفاضة السورية التي تصفها بأنها مؤامرة إرهابية مدعومة من الخارج. وقال الأسد للحكومة التي عينها أمس في كلمة نقلها التلفزيون الحكومي "نعيش حالة حرب حقيقية... عندما نكون في حالة حرب فكل سياستنا وكل توجهاتنا تكون موجهة للانتصار فيها." ويمثل هذا الإعلان تغييرا في خطاب الأسد الذي كان يصف دائما الانتفاضة بأنها من فعل مقاتلين متناثرين ممولين من الخارج. ولم تترك هذه الخطبة ذات الموضوعات المتشعبة التي تطرق فيها الرئيس السوري لموضوعات مثل مزايا الطاقة المتجددة مجالا للحل الوسط. وانتقد الغرب قائلا إنه يأخذ ولا يعطي أبدا وإن هذا كان جليا في كل المراحل. وتتهم الامم المتحدة القوات السورية بقتل اكثر من عشرة آلاف شخص خلال الصراع. وسجلت لقطات فيديو نشرها نشطاء أمس نيرانا كثيفة وتفجيرات في ضواحي دمشق. وقالت الوكالة العربية السورية للأنباء (سانا) إن "مجموعات إرهابية مسلحة" قطعت الطريق القديم من دمشق إلى بيروت أمس. وقال مسؤول عمليات حفظ السلام في الأمم المتحدة إن استئناف فريق المراقبة التابع للأمم المتحدة والذي علق عملياته هذا الشهر مراقبة وقف إطلاق النار ينطوي على مخاطر بالغة. وقال المرصد السوري لحقوق الإنسان إن 135 شخصا قتلوا في أنحاء سوريا أمس ليصبح أحد أدمى أيام الصراع. ومن بين الضحايا 87 مدنيا قال إن بينهم 28 في ضاحية قدسيا. وتحدث المرصد عن قتال عنيف قرب مقر الحرس الجمهوري في قدسيا وفي ضواح أخرى بدمشق مثل الهامة ومشروع دمر على بعد تسعة كيلومترات فقط من العاصمة. وقالت الوكالة العربية السورية للأبناء إن عشرات من مقاتلي المعارضة قتلوا أو أصيبوا وألقي القبض على آخرين أثناء القتال في طريق بيروت القديم. وأضافت أن القوات الحكومية صادرت قاذفات صواريخ وبنادق قناصة وبنادق آلية وكمية كبيرة من الذخيرة. وفي تركيا المجاورة أمر رئيس الوزراء التركي رجب طيب اردوغان قواته المسلحة بالرد على أي تهديد من سوريا قرب الحدود بعد أن أسقطت القوات السورية طائرة حربية تركية يوم الجمعة قبالة ساحل البحر المتوسط. وقال خلال اجتماع مع نواب حزبه العدالة والتنمية في البرلمان "يجب ألا ينظر لردنا المتعقل على أنه ضعف.. أخلاقنا الحميدة لا تعني أننا عاجزون... يجب أن يعلم الجميع أن غضب تركيا قوي ومدمر كما أن صداقتها قيمة." وأدانت الدول الأعضاء في حلف شمال الأطلسي التي دعت تركيا إلى اجتماعها بشكل طارئ في بروكسل سوريا بسبب واقعة إسقاط الطائرة التركية والتي قتل خلالها طياران. ووصف حلف الاطلسي الحادث بأنه "غير مقبول" لكنه لم يصل إلى حد التهديد بالرد. وأظهرت تصريحات الحلف الحذرة خشية القوى الغربية وكذلك تركيا من ان يؤدي التدخل العسكري في سوريا إلى نشوب حرب طائفية في أنحاء المنطقة. وحتى الآن لا يوجد مؤشر يذكر على وجود رغبة في التدخل على غرار ما قام به حلف الاطلسي في ليبيا من دعم لمقاتلي المعارضة الذين أطاحوا بالزعيم الراحل معمر القذافي. وقال مسؤول تركي إن سفير أنقرة لم يطلب من مبعوثي الحلف التصرف "في هذه المرحلة". وكان البعض في تركيا يتوقع أن تكون كلمة إردوغان أكثر شدة. وكتب الصحفي التركي محمد علي بيراند يقول "من يريدون الحرب ربما يشعرون بخيبة امل من خطاب رئيس الوزراء... لكن جزءا كبيرا من المجتمع تنفس الصعداء."

غير أن المسؤولين الأتراك يقولون إنهم مستعدون لسيناريوهات ربما تشمل حماية المدنيين قرب الحدود. وقال مسؤول تركي طلب عدم نشر اسمه "بالنسبة لتركيا هناك سيناريوهان.. أحدهما هو تدفق جماعي للاجئين.. والثاني هو مذابح واسعة النطاق في سوريا." وأضاف "لم تتخذ انقرة قرارا بالتدخل العسكري أو إقامة ممر إنساني في اللحظة الراهنة. لكن إذا كانت هناك حاجة لهما فسيفضل الجميع أن يتما بشرعية دولية. لكن إذا تطورت الأمور للأسوأ فعلينا ان نكون مستعدين لأي احتمال." وقال اردوغان إن قواعد الاشتباك للقوات المسلحة تغيرت نتيجة الهجوم الذي تقول تركيا إنه وقع دون سابق تحذير في المجال الجوي الدولي. وقال "كل عنصر عسكري يقترب من تركيا قادما من الحدود السورية ويمثل خطورة وخطرا أمنيا سيجري اعتباره تهديدا عسكريا وسيعامل كهدف عسكري." ودعت روسيا إلى ضبط النفس وقالت إن إسقاط الطائرة يجب ألا "ينظر له على أنه استفزاز او عمل متعمد."

وتقول سوريا إنه لم يكن أمامها خيار سوى تدمير الطائرة لأنها دخلت مجالها الجوي على ارتفاع منخفض وبسرعة كبيرة ولم تكتشف أنها تركية إلا لاحقا. وتؤكد تركيا أن الطائرة دخلت المجال الجوي السوري لفترة قصيرة وبغير قصد. وتركيا هي مقر الجيش السوري الحر وتأوي أكثر من 30 ألف لاجئ ويشعر اردوغان بالقلق من زيادة هذا العدد بشدة مع اتساع نطاق القتال. ويتنقل مقاتلو المعارضة بشكل منتظم عبر الحدود ويتجمع المنشقون عن الجيش السوري داخل تركيا. وهناك علاقات وثيقة بين موسكو ودمشق. ولروسيا قاعدة بحرية في ميناء طرطوس السوري قرب المكان الذي أسقطت فيه الطائرة. وقال بعض خبراء الدفاع إن الطائرة التركية ربما كانت تختبر أنظمة دفاع جوي قدمتها روسيا إلى سوريا. وقال مركز أبحاث (كاست) الذي يتخذ من موسكو مقرا إن من المتوقع أن تسلم روسيا إلى دمشق هذا العام أنظمة دفاع جوي وطائرات هليكوبتر ومقاتلات تم إصلاحها في صفقة قيمتها نحو نصف مليار دولار على الرغم من الضغوط الدولية لوقف مبيعات الأسلحة. وقالت روسيا إن من الضروري أن تحضر إيران أيضا اجتماعا حول سوريا تعقده الدول الدائمة العضوية في مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة وكذلك الأطراف الإقليمية بدعوة من عنان في جنيف يوم السبت المقبل. وتعارض الدول الغربية مشاركة إيران -أكبر حليف لسوريا في المنطقة- في الاجتماع.