العدد 3581 - الثلثاء 26 يونيو 2012م الموافق 06 شعبان 1433هـ

الحوار بين مراجعة الأخطاء والتراجع عن الخطايا

محمود القصاب comments [at] alwasatnews.com

.

من جديد يعود الحديث وتكثر التصريحات عن مسألة الحوار بين الدولة والقوى السياسية، وعادت هذه العناوين تتصدر الواجهات الإعلامية، ومرة أخرى نرى الأبواب الموصدة تنفتح - وإن بشكل موارب - أمام الدعوات المطالبة بالحوار، وصار الجميع يصول ويجول في هذه المسألة، حتى (اللوبي) الرافض للحوار، والمعاند لإجراء أي إصلاح أو تغيير، صرنا نسمع بعض تصريحاته الخجولة، ونرى بعض الأفكار في هذا الشأن تتطاير في الفضاء السياسي دون أن تلامس أرض الواقع؟

وفي الوقت نفسه وجدنا بعض الدول والقوى الخارجية تدعو إلى «حوار» «جاد» و «فعال» بين جميع الأطراف للوصول إلى حل سياسي متوافق عليه، وعلى المنوال ذاته سمعنا بعض أركان الدولة وأجهزة الإعلام التابعة، وكذلك بعض القوى السياسية الموالية، جميعها تتسابق في إطلاق التصريحات التي تؤكد أهمية الحوار، وضرورة «التهدئة» من أجل عودة الاستقرار والمحافظة على السّلم الأهلي، ومنع انزلاق البلد نحو الفتنة؟

مجمل هذه الدعوات على مختلف مصادرها وأهدافها تأتي تحت وقع بعض التطورات الداخلية والإقليمية، وحراجة الضغوط الخارجية خاصة في أعقاب «الحصيلة» «المحرجة» التي أسفرت عنها مناقشات ملف حقوق الإنسان في البحرين، والمتمثلة في التوصيات الصادرة عن تلك المداولات وإلزام الدولة بالرد عليها في سبتمبر/ أيلول المقبل، هذا بالإضافة إلى الظروف الدقيقة التي تمر بها المنطقة، والتي لا يمكن عزل البحرين عن تداعياتها المحتملة، أو تخطي شظايا متفجراتها التي صارت على مرأى العين والبصر!

قبل مناقشة خلفيات هذه الدعوات، وتحليل دوافعها أو فرص نجاحها، ينبغي التذكير - ولو بعجالة - بجملة من المفارقات التي يحفل بها المشهد السياسي البحريني، والذي من المفترض أن تكون دعوات الحوار موجهة أساساً لمعالجة وتصحيح الاختلالات السياسية والاجتماعية والأمنية الحاصلة فيه، للوقوف على مدى تأثير هذه المفارقات على سير وفرص نجاح أية مبادرة للحوار، وخاصة أن هناك من يعتقد أن التعاطي الرسمي والأجهزة التابعة له مع هذه القضية في الظرف الراهن لا يخلو من نزعة (تكتيكية) وأن تصاعد الحديث وخفوته من حين إلى آخر يعود بالأساس إلى طبيعة ومحتوى الرسائل الموجهة للخارج، وليس معنياً بمخاطبة الداخل أو إصلاح الأوضاع فيه؟

ومهما تكن حقيقة هذه الهواجس من عدمها، أو حجم الشطط والمبالغات فيها، فإن الحقيقة المؤكدة التي لا تقبل الجدال هي: أنه لا مجال لنجاح أية فرصة أو دعوة للحوار ما لم ترتكز على أسس واقعية قوامها التوافق الوطني، والثوابت الوطنية، والقواسم المشتركة بين كل قوى وأطياف المجتمع، وتأكيد حرص الجميع على حماية الوحدة الوطنية والسّلم الأهلي، ورفض العنف بكل أشكاله ومصادره وعمل الجميع للحيلولة دون السقوط في الفتنة الطائفية التي تهدد الجميع واعتماد السبل السياسية الكفيلة بتحقيق هذه الغايات؟

وعندما نتحدث هنا عن التوافق الوطني، إنما نقصد به التوافق الديمقراطي الذي يستوعب كل المكونات السياسية والاجتماعية، ويحترم كل التنوعات الفكرية والسياسية، والقادر في الوقت نفسه على استيعاب كل التناقضات الداخلية مهما كبرت أو صغرت، توافق لا يستبعد أحداً ولا يسمح لأحد بأن يهيمن أو يستأثر بكل امتيازات وموارد الدولة على حساب الآخرين؟

وهنا علينا أن لا نخدع أنفسنا كثيراً بالحديث عن «الديمقراطية» وعن النظام الديمقراطي الذي نريد أن نؤسسه في الظروف الراهنة، لأننا مازلنا لم نتخطَّ بعد عتبة مرحلة (التحول الديمقراطي) التي تقوم بالأساس على فكرة التوافق لا غلبة فيها ولا إقصاء ومشاركة الجميع في بناء النظام الديمقراطي الذي نسعى إليه، وهي مرحلة قد تطول أو تقصر ولكنها بالتأكيد يجب ألا تبقى مفتوحة إلى ما لا نهاية!... ولابد من تحديد سقف زمني لهذه المرحلة، وهذا ما يجب التوافق عليه من خلال الحوار قبل الانتقال إلى أي نظام ديمقراطي حقيقي يقوم على مبدأ الغالبية والأقلية (سياسياً) وبما يسمح بالتداول السلمي للسلطة.

وبالعودة إلى المفارقات في المشهد السياسي التي نوّهنا إليها قبل قليل، هناك أولاً: المزاج السياسي الحاد والمحتقن الذي صار يطبع سلوك القوى السياسية والمجتمعية، وهو المزاج المسئول في واقع الأمر عن مستوى (الفجور) غير المسبوق في العمل السياسي وفي الخطاب الإعلامي، وخاصة عند بعض هواة التخوين ودعاة التحريض على الكراهية والإقصاء! بالإضافة إلى ما تعجّ به الساحة السياسية من اتهامات وتهديدات من هذا الطرف أو ذاك.

المفارقة الثانية: التي لا تخطئها عين المراقب لمجرى الحوادث والتطورات في البلاد، هي مدى الإحباط واليأس الذي يلفّ قطاعاً عريضاً من المواطنين طال حتى النخب السياسية والفكرية والثقافية، وغياب أي إحساس لديهم بأن ثمة أمل في الأفق يخرج البلد من أزمته الراهنة؟

أما المفارقة الثالثة: فإنها تتبدّى في حجم التناقضات المحيّرة والصادمة في المشهد السياسي البحريني، والأمر الأكيد أنها ليست وليدة الأزمة الحالية، إنما جذورها تمتد إلى بداية انطلاق التجربة السياسية قبل أكثر من عقد (صدور ميثاق العمل الوطني) والتي كان يمكن لها أن تتعمق وتضع البلاد على الطريق الصحيح وبالتالي أخذه إلى حالة من الاستقرار السياسي والاجتماعي وحالة من التجانس الاجتماعي المرتكز على أسس من العدالة والمساواة بين المواطنين، وهي كما نعرف قيم قادرة على استيعاب أي حراك وطني سلمي، والتجاوب مع أي مطالبات وطنية مشروعة من أجل الإصلاح والتغيير، من دون الاضطرار إلى اللجوء إلى الخيار الأسوء وهو الخيار الأمني الذي هو مسئول أولاً عن اتساع الهوة بين مكونات وأطياف المجتمع البحريني، والمسئول ثانياً عن ضرب الرابطة الوطنية الجامعة والمسئول ثالثاً وعاشراً عن عودة البلاد مرة أخرى لنقطة الصفر، بعد أن دارت حول نفسها دورة كاملة، ودفعت أثماناً باهظة من أمن الوطن واستقراره ومن سمعته الدولية كما دفعت من حياة المواطن وكرامته ورزقه، بعد أن استفحلت الأزمة وأدّت إلى تفاقم حالة التوتر واتساع النزاع السياسي والطائفي.

ويجب التأكيد هنا على أن كل ما فعلته الأزمة الأخيرة أنها عجلت بتفجير كل الألغام المزروعة في البيئة السياسية والاجتماعية، نظراً لغياب (مفهوم) التوازن في الحقوق والمصالح بين شركاء الوطن، وغياب (مفهوم) المواطنة وما تنطوي عليه من حقوق في الحرية، والعدالة والمساواة أمام القانون، وبالتالي غياب (الديمقراطية) كإطار جامع لكل قوى المجتمع وأطيافه وكإطار للمشاركة في صنع القرار، الأمر الذي جعل الهوية المذهبية تتحول إلى مشكلة في البلد وإلى إطار للأزمة الراهنة وجعل التباين في التوجهات السياسية والاختلافات المذهبية سبباً أو معياراً للمغانم أو المغارم؟... وما كان لذلك أن يحدث لو وجدت الضمانات القانونية والدستورية التي تؤمن الحقوق والفرص المتساوية لكل المواطنين، سواء كانوا من الأتباع أو من الخصوم السياسيين؟

ومع كل ما خلقته الأزمة من مرارة وما أدت إليه من خسائر، فإنها يجب أن تشكل فرصة علينا جميعاً عدم إضاعتها من أجل إصلاح العطب السياسي والاجتماعي المزمن من جذوره. لضمان عدم تكرار ما حدث، وعدم ترك البلد يواجه خيارات خطرة تهدد وحدته ومصير شعبه. فالعقل السياسي الواعي والمبصر، والضمير الإنساني المتحضر يفرضان مثل هذا التوجه في معالجة الأزمة، وليس كما يريد ويصرّ البعض على تحويلها إلى فرصة لتكريس الأوضاع السيئة والمضطربة، لأنها تخدم مصالح الفئوية والحزبية والمضي في سياسة الهيمنة والاستئثار، والتهالك المقرف على المنافع الصغيرة، دون أي رادع أخلاقي أو إنساني... وللحديث صلة.

إقرأ أيضا لـ "محمود القصاب"

العدد 3581 - الثلثاء 26 يونيو 2012م الموافق 06 شعبان 1433هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 3 | 10:25 ص

      كلام في العمق

      تحليل راق ومتوازن ، يبحث عن لب المشكلة وطرق الخروج من الأزمة .
      في البحرين قوانين راقية ، وهي التي يثيرها الإعلام بوسائلة المختلفة ، ولكنها للأسف غير مطبقة على أرض الواقع.
      المطالبة بالديمقراطية كانت وما زالت وستستمر حتى تحقق بكل أبعادها الحقيقية .. وستكون البحرين سباقة في مطالبتها بديمقراطية مواكبة للعصر الحديث ، وسوف تستلهم منها شعوب الخليج العربي مطالبهم بالديمقراطية، كما نلحظه اليوم في الكويت ، وسوف تعم كل دول الخليج في المستقبل القريب

    • زائر 1 | 3:47 ص

      الخطيئة

      سيدى ، ما قامت به من يسمونهم معارضة هى خطيئة بحق البحرين لن نسامحكم عليها مالم تبدون الاسف والاعتذار ، وهذه كلمة خلها ترن في اذنك زين ولا تلف عليها بفلسفات كلامية لا معنى لها . انتم سبب الفتنة التى جرت اليوم وهذا مثبت بالصوت والصورة

اقرأ ايضاً