ماذا لو أخطأت كل التوقعات السلبية تجاه الرئيس المنتخب لجمهورية مصر العربية محمد مرسي؟ ماذا لو التزم مرسي بالاتفاقيات الدولية ولم يقحم بلاده في صراعات قد لا تقدر عليها بلاده؟ وماذا لو لم يتحوّل مرسي إلى أداةٍ طيّعةٍ لمن بيده المال السياسي في خارج أو داخل مصر؟ وماذا لو أشرك مرسي الأقباط والليبراليين في إدارته؟ وماذا لو لم ينفذ مرسي قوانين صارمة ضد السينما وضد الفن وضد كل ما عرفت عنه مصر في عصورها الذهبية السابقة؟
ماذا لو تمأسست حرية التعبير وأصبحت هناك تعددية حقيقية تحت قيادة محمد مرسي؟ بمعنى آخر: ماذا لو فاجأ محمد مرسي (ومن خلفه الإسلاميون) جميع من توقّع السلبيات عندما يصلوا إلى الحكم وقدّموا للوطن العربي أنموذجاً ديمقراطياً يحترم حقوق الإنسان ويساوي بين المواطنين؟
في حال كانت الإجابات إيجابية، فإننا قد نشهد نهضة مصر الحديثة التي بإمكانها أن تكون قاطرة للبلدان العربية نحو التعايش السلمي وتداول السلطة والتعددية واحترام الحريات الشخصية والعامة. ولا مانع أن يترأس رئيس إسلامي البلاد على أن يقبل بوصول رئيس ليبرالي في يوم من الأيام في حال تقدم عبر العملية الدستورية من هو أفضل منه.
لقد ذكرت وكالة الأنباء الصينية (شينخوا) أن آراء المحللين تباينت في قدرة الرئيس المصري المنتخب محمد مرسي، القيادي بجماعة الإخوان المسلمين، على تحقيق مصالحة وطنية فى مصر بعد أن شهدت انقساماً بين قواها السياسية والمدنية، وارتفعت وتيرة الانقسامات خلال الانتخابات الرئاسية. ورأى بعض المحللين السياسيين أن مرسي سيتمكن من إنجاز المصالحة الوطنية سريعاً، إذا نجح في إيجاد توافق على تشكيل فريقه الرئاسي والحكومة المقبلة والجمعية التأسيسية للدستور، بينما شكك آخرون في قدرته على تحقيق المصالحة بسبب الخطاب المزدوج للإخوان المسلمين.
وقالت الوكالة إن مصر تشهد انقساماً بين فريقين: الأول هو القوى السياسية الليبرالية واليسارية مدعومة بالأقباط وأنصار النظام السابق، والثاني هو التيار الإسلامي بفصائله المختلفة بشأن الدولة المدنية وحل البرلمان وتشكيل الجمعية التأسيسية والإعلان الدستوري المكمل. وأشارت إلى دعوة المجلس العسكري في بيانه عقب الإعلان عن فوز مرسي في انتخابات الرئاسة إلى مصالحة وطنية كبرى تنهض بمصر، مؤكداً أنه لن نحقق تقدماً أو ازدهاراً بدون وحدتنا، قائلاً: «انتهى وقت الاختلاف وحان وقت التوحد». ثم بعد ساعات وجه الرئيس الجديد محمد مرسي خطاباً لمواطنيه دعاهم إلى لمّ الشمل وتعميق الوحدة الوطنية باعتبارها السبيل للخروج بمصر من المرحلة الصعبة، وأنه رئيس لكل المصريين في الداخل والخارج، مسلمين ومسيحيين.
نعم، وكما أشار محللون فإن قدرة مرسي على تحقيق مصالحة وطنية رهن باتخاذه سلسلة إجراءات تتمثل فى تشكيل حكومة ائتلافية يكون رئيسها وبعض أعضائها من خارج جماعة الإخوان، وتكوين فريق رئاسي وجمعية تأسيسية للدستور بشكل توافقي يؤكد رغبته في تحقيق المصالحة وعدم الاستئثار.
المفرح هو أن مرسي الذي نشط في صفوف المعارضة وأخلص لمبادئه، استطاع أن يصل ديمقراطياً لأعلى هرم السلطة، وأمامه الآن تراث الأهرامات التي شيّدها المصريون في عصور سابقة كانوا يتصدرون الحضارة الإنسانية، ولا شيء يمنع المصريين بطاقاتهم الكبيرة من إعادة تكوين بلادهم وتنظيم أمورهم بشكل يرقى لأفضل ما هو متوفرٌ في العالم.
لقد غيّر الإسلاميون خطابهم وطرحوا فكرة الدولة المدنية الديمقراطية التي تشمل الجميع، وتزامن تغيير الخطاب مع انطلاق الربيع العربي، وها هم أول من يقطف هذه الثمار، والأعين موجهة عليهم ليثبتوا أنهم يقصدون ما قالوه بأنهم يسعون إلى إقامة دولة مدنية تدعو إلى المساواة في الحقوق وتدعو إلى عملية ديمقراطية حقيقية، وليثبتوا بأن الإسلاميين ليسوا مثل النظام القديم الذي أذل المصريين بالكذب والاستبداد.
تجربة مصر اليوم ستؤثر في عموم المنطقة، كما ستتأثر بها باقي الدول التي تشهد حراكاً واحتجاجات تطالب بتعديل لأنظمتها السياسية البائسة التي لجأ كثيرٌ منها للعنف والقتل بدلاً من حلول تصلح من أوضاع مجتمعاتها التي ما عادت تصدقها ولا تؤمن بقدراتها لغياب شرعيتها وعدالتها.
وصول مرسي إلى سدة الحكم عبر ديمقراطية حقيقية، ما هو إلا جرس إنذار للأنظمة التي مازالت تتبجح على شعوبها وتقلل من قيمة ما تطالب به. فالغطرسة في الحكم ليست دائمة، والدليل ما حصل ويحصل اليوم في مصر... فهل نشهد مرحلة تغير في شكل ومضمون الخريطة السياسية بالمنطقة؟
إقرأ أيضا لـ "ريم خليفة"العدد 3581 - الثلثاء 26 يونيو 2012م الموافق 06 شعبان 1433هـ
مقاربات
قرأت الموضوع بعميق التأمل وانتصب امامي ما كتبه يومها الاعلامي الكبير الراحل علي سيار عندما صار مبارك رئيسا لمصر،حينها قال سيار اعطوا الرجل مزيدا من الوقت وتحول ذلك الى مساة لشعب مصر ولم ينجوى من شرها مجتمعنا العربي لان مصر قلب الامة.
طبعا هنا المعادلة مختلفة لكن ينبغي لا ان تغيب عنا ما جنته مصر من ماسي بفعل ذلك الانتظار لذلك ينبغي ان يمنح الرئيس الثقة وان يجري التحقق من مؤشر التعاطي مع ما يمنح له من ثقة وفق منهج واعي للرقابة والمتابعة لكي لا ينحرف عن المسار الذي اراده ان يكون شهداء ثورة يناير.
التجربة الديمقراطية
نجاح التجربة الديمقراطية في مصر سيكون لها بااالغ الأثر على الواقع السياسي في عالمنا العربي ، كما انطلقت دعوات القومية العربية من مصر في السابق وعمت عالمنا العربي
ولذا ستعمل الدول المجاورة لمصر جاهدة على اجهاض التجربة الديمقراطية فيها ، لئلا تمتد إلى حياض دكتاتورياتها .
يبقى الرهان على قيادة حكيمة تدير العملية الديمقراطية في مصر ، وعلى وعي الشعب المصري ، وإصراره بكل فئاته ومكوناته على إنجاح التجربة الديمقراطية التي حرم منها عبر عقود طويلة
لو ..!؟
كلمة لو ..تلتصق دائماً بالأحلام والخيال عند ما نعجز من حل مشاكلنا المستعصية ..فالفكر المبني على نهج شمولي منذ بداية وجوده وتأسيسه لا يستوعب أبداً الرأي المخالف ..لأن ذلك يشكل نقيض لوجوده واستمراره ..فيصعب تحويل هذا النوع من التمني والأحلام إلى واقع مناقض له ..لأن ذلك يعني فكر ونهج آخر ..متمنياً يا سيدتي الفاضلة أن تتحقق "لواتك" المقترحة..س.د.مع التحية
سننتظر ونرى وأشك في قدرتهم على ذلك
".. والأعين موجهة عليهم ليثبتوا أنهم يقصدون ما قالوه بأنهم يسعون إلى إقامة دولة مدنية تدعو إلى المساواة في الحقوق وتدعو إلى عملية ديمقراطية حقيقية، وليثبتوا بأن الإسلاميين ليسوا مثل النظام القديم الذي أذل المصريين بالكذب والاستبداد.".