كثيراً ما ردد أعداؤنا أنَّّ العرب عرفوا صناعة الخشب منذ آلاف السنين ولكنهم لم يهتدوا إلى صناعة صناديق الاقتراع في إشارة ساخرة إلى غياب الديمقراطية في بلادنا العربية. غير أن واقع الحال - وفي مصر العروبة - بالذات يتأكد غير ذلك.
إن مصر اليوم تدشّن تاريخ جمهوريتها الثانية بانتخاب أول رئيس لها بشكل انتخابي جماهيري ديمقراطي يحتذى به على أكثر من صعيد، ويمثل بذلك سابقة ديمقراطية في البلاد العربية؛ فلقد برهنت الإرادة المصرية بحسن إدارتها للعملية الانتخابية أنّ «أم الدنيا» مرة أخرى تصنع التاريخ وتؤكد أن الانتظار الذي طال للإعلان عن النتائج لم يكن عبثيا وإنما وراءه لجنة عليا حكيمة تدير الشأن الانتخابي، وأيّ انتخابات؟ إنها انتخابات رئيس مصر الجديد لذلك أخذتْ الوقت الكافي للنظر في الطعون وأعملت فيها المعايير الدقيقة لقبولها أو رفضها حتى استوفت الانتخابات مراحلها وباحت بنتائجها فعززت بذلك المكانة السامية التي يحظى بها القضاء المصري.
لقد شهدت هذه الانتخابات منافسة حامية سواء في جولتها الأولى أو في جولتها الثانية ولم تكن النتائج متباعدة بين المرشحين الأربع الأول في الجولة الأولى ولا بين المتنافسين الرئيسيين لجولة الإعادة حيث انتهت بفارق معقول مشابه لما تنتهي إليه نتائج الانتخابات في الدول ذات التقاليد الديمقراطية العريقة، وأنستنا بهذه النتائج المتقاربة زمن 99 في المئة لفائدة المرشح الأوحد للرئاسة.
وهذا الفارق الضئيل نسبيّاً يدعو إلى الحذر وهو أن الفائز لم يحظ بإجماع الغالبية العظمى وإنما جاءت النتائج المحققة لأحمد شفيق تعكس رغبة من قبل المصوتين في نموذج أحمد شفيق بما يحمله من رؤى وأطروحات ووسائل عمل، أما من انتخب محمد مرسي فأكيد أن نسبة كبيرة منهم مقتنعون به وبحلوله للمرحلة القادمة ولكن أيضا نسبة لا بأس بها اختارت محمد مرسي فقط لأنها لا تريد أحمد شفيق الذي ترى فيه إعادة إنتاج لنموذج حسني مبارك لذا فإن الخطأ والتعثر في المرحلة القادمة يترصّد له أنصار شفيق وآخرون رأوا أنهم بين اختيارين أحلاهما مرّ لذلك لن تكون المسألة هينة وإنما هو تحدّ كبير إن لم نقل إنه من أكبر التحديات التي تعيشها الساحة العربية عموما والمصرية خصوصا.
كما شهدت الانتخابات بعض التخبط في مراحل كثيرة منها جعلت الكثيرين يشككون في مصداقيتها وعرفت تجاذبات وتحالفات دفعت المحللين المتسرعين إلى التخبط أيضا بين الرأي ونقيضه إلى درجة التشكيك في بعض الوجوه السياسية من المرشحين أو أتباعهم.
إن فوز مرشح الإخوان يعتبر منتظرا بل ربما تقارب نتائج الانتخابات هو الذي لم يكن متوقعا، وهذا ما يطرح أمرين لابدّ من أخذهما بعين الاعتبار:
أولهما أن وصول الإسلاميين إلى أعلى مناصب الدولة هو تسلسل طبيعي للأحداث والوقائع التي تشهدها البلاد العربية والإسلامية عموما حيث إن حركة التاريخ تؤكد انجذاب الأمة العربية والإسلامية إلى النموذج الإسلامي بعد فشل التجارب السياسية السابقة وخاصة في الجمهوريات العربية التي شملتها حركة الربيع العربي، وهو ما يجعل النموذج الإسلامي تحت المحك خاصة بعد نجاحه في انتخابات المجلس التأسيسي في تونس وانتخابات البرلمان المغربي وقيادته للثورة الليبية.
ثانيهما أن موقع مصر العربية ودورها التقليدي في منطقة الشرق الأوسط لابدّ وأن يعود إلى أفضل مما كان عليه لذلك أعربت بعض القوى الدولية عن تخوّفها واستبشرت قوى دولية أخرى بهذا الفوز.
وهكذا وبعد أن أعطت مصر بمؤسساتها النزيهة وشعبها العظيم المثال في التنظيم آن الأوان أن تعطي المثال في البناء والتصحيح وأن تستفيد من المناويل التي اتبعت في دول مرت بظروف مماثلة.
والسؤال التاريخي اليوم: هل سيطبق مرسي مبادئ الإخوان والإسلام ويتحمّل تبعات ذلك في المجتمع الدولي أم سيتغاضى عنها ويخسر مصداقيته أمام الشعب؟
إقرأ أيضا لـ "سليم مصطفى بودبوس"العدد 3580 - الإثنين 25 يونيو 2012م الموافق 05 شعبان 1433هـ
عسى ينصلح الحال
يا رب ترجع مصر زي اول قوية مهابة
توصيف دقيق
إن مصر اليوم تدشّن تاريخ جمهوريتها الثانية بانتخاب أول رئيس لها بشكل انتخابي جماهيري ديمقراطي يحتذى به على أكثر من صعيد، ويمثل بذلك سابقة ديمقراطية في البلاد العربية
بالتوفيق
مصر قادرة على أن تكون أفضل من غيرها إذا وقع اجتثاث الفلول
أم الدنيا
شكرا استاذ على تحليلك الموضوعي واهتمامك بالشأن المصري
ويا رب تساعد مصر على القادم
صدقت
مصر تصنع التاريخ لكن القادم عسير ولا بد من توظيف قوتها وأخذ مواقف حازمة إزاء القضايا العربية