العدد 3579 - الأحد 24 يونيو 2012م الموافق 04 شعبان 1433هـ

مصر الجديدة

قاسم حسين Kassim.Hussain [at] alwasatnews.com

كاتب بحريني

حبَسَ مئات الملايين من المصريين والعرب أنفاسهم أمس لأكثر من ساعة، بانتظار إعلان الفائز في انتخابات الرئاسة المصرية.

رئيس لجنة الانتخابات الذي جاء من المجهول وسيذهب إلى المجهول، بدا مزعجاً جداً، وهو يقرأ حزمةً من الأوراق التي لا تنتهي، بما فيها من تفاصيل مملة لا تعني أغلب الشعوب العربية. وتحوّل خلال هذه الساعة إلى مادةٍ للتعليقات في مواقع التواصل الاجتماعي، وخصوصاً الطريق السريع جداً... (التويتر).

الانتخابات تفتح صفحةً جديدةً في حياة الشعب المصري الشقيق، كما تفتح أمامه أفقاً واسعاً من التحديات، إلا أن التحدي الأكبر سيواجهه الإخوان المسلمون... فقد انتقلوا أمس من مقاعد المعارضة والمناكفة إلى كرسي الإدارة والحكم.

هذا الطريق الطويل الممتد ثمانين عاماً، لم يكن معبّداً بالورود أمام الإخوان المسلمين، وإنما قدّمت ثلاثة أجيال متتالية تضحيات كبيرة، وتعرّضوا إلى الكثير من حملات التشويه والتحقير والإقصاء والسجون. بل إن مؤسس الجماعة الإمام حسن البنا (رحمه الله) نفسه تعرّض للاغتيال في الأربعينات على يد النظام الملكي، واستمر استهداف الجماعة طوال حكم العسكر، منذ بدأ الصدام مع جمال عبدالناصر في 1954 وانتهاءً بآخر أيام حسني مبارك.

الجيش الذي حكم مصر ستين عاماً، لم يكن وارداً أن يسلّم السلطة للإخوان بتلك السهولة، وهو ما يفسّر هذه المماطلة والتسويف، إذ بدا أن عمليةً انقلابيةً تتكامل فصولها حتى قبل لحظات من إعلان فوز مرسي بالاسم. وهو ما فسّر أيضاً الإعلان الدستوري المكمل الذي أثار زوبعةً من الاعتراضات لسلبه صلاحيات الرئيس، لتبقى خيوط اللعبة والنفوذ بيد العسكر.

يمسك الإخوان الرئاسة، بعد أن أمسكوا بالبرلمان، والكثير من المؤاخذات تلاحقهم، بداية من تلكؤهم في تأييد الثورة، والتحاقهم المتأخر بركبها، مروراً بمواقفهم المتضاربة التي شكلت مادة للتعليقات والانتقادات سواءً من مؤيدي النظام السابق في الداخل، أو التيارات الليبرالية واليسارية والقومية التي ترى فيهم غريماً وجودياً، وخصوصاً تلك التي لم تغيّرها رياح الربيع العربي وتضحيات ملايين الشباب في الميادين.

ما جرى في مصر ليس حدثاً داخلياً بحتاً، بل هو حدث عربي كبير، ستكون له انعكاساته وارتداداته الإقليمية الواسعة. فمصرُ ينطبق عليها البيت القائل:

فإن تسلمي نُسلِم وإن تتنصّري

يخط رجالٌ بين أعينهم صلباً.

وهو ما أثبتته حال الأمة العربية خلال الخمسين عاماً الأخيرة. فبينما كانت مصر نبض العروبة وضمير الأمة ورافعة لواء التحرّر من الاستعمار أيام عبدالناصر، أصبحت في عهد خلفه السادات قاعدةً عسكريةً متقدمةً للنفوذ الغربي، وانتهى دورها إلى حالةٍ من الضياع وانعدام الوزن في السياسة الدولية أيام حسني مبارك، ولحق الضياع بالأمة العربية كلها.

أحد التحديات التي ستواجه الإخوان، كيف سيديرون العلاقة مع «إسرائيل»، وماذا سيفعلون مع سفارتها في قلب القاهرة، التي طالما انتقدوها لأربعين عاماً.

ليس من المتوقع أن تحدث مفاجآت انقلابية كبرى، لكن مع ذلك فإن ما حدث في مصر ليس مجرد استبدال رئيس، فوصول الإخوان إلى الحكم في مصر ستكون له ارتداداته الطبيعية على المنطقة التي استقرت على سياسات محافظة. ويبدو ذلك واضحاً في الابتهاج الكبير في عواصم شتى مثل الدوحة وأنقرة وطهران وحتى قطاع غزة، بينما ساد الصمت والكآبة في عواصم أخرى كانت تميل قلبياً إلى بقايا النظام السابق وتؤيد في إعلامها المرشّح المهزوم أحمد شفيق.

وأنت تتأمل المشهد المصري المثير، تلتقط عِبرةً أخرى يقدّمها لك التاريخ مرة أخرى: السجين السابق (مرسي) أصبح رئيساً، والرئيس السابق (حسني) أصبح سجيناً، والدنيا دول.

إقرأ أيضا لـ "قاسم حسين"

العدد 3579 - الأحد 24 يونيو 2012م الموافق 04 شعبان 1433هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 16 | 12:01 م

      نعم لمبارك

      أتذكر عبارة علقت في احد الاستفتاءات للتجديد لمبارك كتبت على قماش طويل يتدلى على برج القاهرة .. تقول العبارة .. من أعلى مكان وبأعلى صوت نعم لمبارك .. فعلا الأيام دول ..

    • زائر 15 | 10:50 ص

      بين 2006 للميلاد و 2012 للميلاد محطات عجيبة و غريبة .

      محمد مرسي كان سجين , و محمد حسني كان رئيس و ذلك في عام 2006 للميلاد .
      أما في 2012 للميلاد محمد حسني في السجن مع أعوانه , و محمد مرسي رئيس للجمهورية .

    • زائر 14 | 6:18 ص

      نبي الله يوسف ونيلسون مانديلا ومحمد مرسي من السجن الى سدة الحكم

      تلكم هي سنة الحياة لمن لا يعتبر، سبحان الثابت ولا يتغير
      عبر الزمان كثيرة ولكن البعض اعمى عنها ولا تنفع فيه المواعظ

    • زائر 12 | 4:33 ص

      هل ستكون مصر الجديدة سنداً للشعوب كما السابق؟ الأيام قادمة لنرى..

      ما جرى في مصر ليس حدثاً داخلياً بحتاً، بل هو حدث عربي كبير، ستكون له انعكاساته وارتداداته الإقليمية الواسعة. فمصرُ ينطبق عليها البيت القائل:

      فإن تسلمي نُسلِم وإن تتنصّري

      يخط رجالٌ بين أعينهم صلباً.

    • زائر 11 | 3:48 ص

      أم محمد81

      وصفك لرئيس لجنة الإنتخابات العليا وصف دقيق سيدنا هذا ما كنا نشعر به أنا وزوجي لما كنا أمام شاشة التلفاز حتى زوجي كان على الدوام لاعت جبده وطلع فعلا أوراق ما تنتهي إخلص يا أخي وفكنا

    • زائر 10 | 2:27 ص

      عبرة

      وأنت تتأمل المشهد المصري المثير، تلتقط عِبرةً أخرى يقدّمها لك التاريخ مرة أخرى: السجين السابق (مرسي) أصبح رئيساً، والرئيس السابق (حسني) أصبح سجيناً، والدنيا دول.

      شكرا لك يا ابا حسين

    • زائر 9 | 2:25 ص

      من حسني لمرسي

      مرسي صار رئيس وحسني صار سجين. فاعتبروا يا اولي الالباب.

    • زائر 8 | 2:18 ص

      صدقت

      قطع انفاسنا امس رئيس الانتخابات وطلع روحنا. جيبها يا اخي من الآخر وفكنا.ناس ما عندها ذوق!!!!

    • زائر 7 | 2:14 ص

      فعلا عبر ة اخرى

      يقدّمها لك التاريخ مرة أخرى: السجين السابق (مرسي) أصبح رئيساً، والرئيس السابق (حسني) أصبح سجيناً، والدنيا دول.

    • زائر 6 | 2:08 ص

      حكمنا فكان العفو منا سجية *** فلما حكمتم سال بالدم ابطح

      وأنت تتأمل المشهد المصري المثير، تلتقط عِبرةً أخرى يقدّمها لك التاريخ مرة أخرى: السجين السابق (مرسي) أصبح رئيساً، والرئيس السابق (حسني) أصبح سجيناً، والدنيا دول ..

      هنا أتذكر قصيدة حكمنا لابن الصيفى:

      حكمنا فكان العفو منا سجية
      فلما حكمتم سال بالدم ابطح

      وحللتموا قتل الأسارى وطالما
      غدونا على الأسرى فنعفو أو نصفح

      فحسبكم هذا التفاوت بيننا
      و كل إناء بالذي فيه ينضح

    • زائر 5 | 1:56 ص

      عضوا على أناملهم من شدة الغيظ

      تيه الإنسان وغروره وطول الأمل لايرى إلا نفسه سيدا لهذه المرتبة ولكن حين يقع يتمنى لو أنه كان ترابا
      وما طار طيرا وارتفع إلا كما طار وقع ولكن لا تكن وقعتك سودة فتعظ على أصابعك وتقول ياليتني كنت ترابا.

    • زائر 4 | 1:37 ص

      ولا من يعتبر

      ...لكن من يعتبر يا أستاذ ؟!

اقرأ ايضاً