لم يكن يوم الجمعة الماضي يوماً عادياً في تاريخ منطقة البلاد القديم، عاصمة البحرين قبل ثلاثة قرون.

البلاد القديم لا تبعد عن العاصمة الحالية (المنامة) بأكثر من كيلومترين، وتصلها بسيارتك خلال خمس دقائق في الأوقات الطبيعية. وقد شهدت الكثير من الأحداث التي تعلق بالذاكرة، قديماً وحديثاً، وآخرها ما تحدّثت عنه وكالة «رويترز» في تقريرها مساء الجمعة، بعنوان «المعارضة البحرينية تقول إن زعيمها أصيب في اشتباك مع الشرطة»، نقلاً عن بيان لجمعية الوفاق، «كبرى أحزاب المعارضة بالبلاد».

لم يكن الأمر طبيعياً على الإطلاق، فقد فرضت إجراءات أمنية مشدّدة عند جميع مداخل المنطقة، ومن الجهات الأربع، بدءاً من السهلة وعذاري وانتهاءً بالسلمانية والزنج. وفيما كانت الحوّامة تحلّق في الجو، انتشرت أعداد كبيرة من قوات الأمن على الأرض، وأخذ بعض أفرادها يطوفون بين الأزقة الضيقة لمنع أي تجمع، ترافقهم في ذلك بعض السيارات، وتم إطلاق مسيلات الدموع في بعض الحالات.

كانت جمعيات المعارضة قد أخطرت وزارة الداخلية بشأن المسيرة التي تنوي تسييرها كما حدث عدة مرات من قبل في الأشهر الماضية، على الشارع نفسه، لكن «الداخلية» هذه المرة أعلنت منعها. عند الساعة الخامسة والنصف، خرج أمين عام «الوفاق» مع نواب سابقين وناشطين سياسيين للمشاركة في المسيرة بمن حضر، كان يحمل وروداً وزعها على بعضهم. على بعد عشرين متراً من منزله اعترضهم حائطٌ من قوات الأمن، ولم يطل الحديث هذه المرة كما كان يجري في مسيرات سابقة، فسرعان ما بدأ إطلاق النار على العدد المحدود من المتظاهرين.

بعد خمس دقائق أعلن أحد أعضاء جمعية «وعد» إصابة نائب الأمين العام للتجمع الوحدوي حسن المرزوق، وأمين عام الوفاق الشيخ علي سلمان. وعند السادسة بدأت بعض الفضائيات ببث «خبر عاجل» في شريطها الإخباري. ولم تمضِ غير دقائق أخرى حتى بدأت مواقع التواصل الاجتماعي تنشر صوراً للمرزوق، أظهرت تعرضه لإصابتين شديدتين في الركبة والكتف. وبعد عشر دقائق أخرى بثت صورة للشيخ علي سلمان مع أمين عام الوحدوي الناصري فاضل عباس.

عندما ارتفع صوت أذان المغرب، كانت عبوات القنابل الصوتية ومسيلات الدموع تملأ الشارع، ورائحة الغازات الخانقة عالقةً بالجو. وبعد الصلاة في مسجد ناصر الدين، سألت عن سلمان، فقيل إنه في منزله الذي يقرب من المسجد بخمسة أمتار. لم تكن الصورة واضحةً عندي حتى تلك اللحظة.

كان المنزل في حالة استنفار، وحول البيت وداخله عشرات من الرجال والنساء. في الصالة أحد النشطاء الحقوقيين الشباب، كان يتكلّم بهدوء، بدأ بالقول: «يبدو أنهم كانوا يريدون إلحاق الأذى بنا». لم يفارقه حسن النية قط. تذكّر: «كان معنا شاب اسمه علي، أصيب بطلقةٍ ووقع مباشرةً على الأرض. كان ممدّداً، ونقلته الشرطة في سيارة الإسعاف». كرّر ذلك أكثر من مرّة.

الصور اللاحقة ولقطات الفيديو التي بثت بعد ساعات أظهرت التفاصيل، وتبيّن أنه تم استدعاء عمّال البلدية لنشر الرمل على منطقة الإصابة وإزالة الآثار.

كانت المشاهد مروّعة وستعلق طويلاً في ذاكرة الناس، فالشاب علي الموالي البالغ 27 عاماً، متزوّجٌ حديثاً، وله طفلةٌ عمرها عدة أشهر، وأدخل غرفة العمليات للعلاج على يد طبيب هندي زائر في تلك الليلة الظلماء.