كان من المنطقي في ظل ما يشهده العالم من تقدم تكنولوجي في مجال المعلومات والاتصالات أن يُعلن عن ولادة العصر الرقمي ومصطلح (الحقوق الرقمية (Digital Rights) أو ما أطلق عليه البعض (حقوق الإنسان الرقمية Human Rights Digital) وهي من أبرز القضايا المستحدثة المرتبطة بمفاهيم حقوق الإنسان في مجتمع المعلومات.
ذلك المجتمع المنفتح الذي يحظى باهتمام كبير من قبل القمة العالمية لمجتمع المعلومات بالأمم المتحدة، وهي القمة التي تضم زعماء العالم الملتزمين بتسخير إمكانات الثورة الرقمية في تكنولوجيا المعلومات والاتصالات لخدمة البشرية، سعياً منها لبناء مجتمع معلومات جامع هدفه الإنسان وعملية التنمية، بحيث يتكون مجتمع يستطيع كل فرد فيه استحداث المعلومات والمعارف والنفاذ إليها واستخدامها وتقاسمها، ويتمكن فيه الأفراد والمجتمعات والشعوب من تسخير كامل إمكاناتهم للنهوض بتنميتهم المستدامة ولتحسين نوعية حياتهم.
حتى اللحظة، فجميع الوثائق الصادرة عن القمة المذكورة ـ رغم الجهود المبذولة والاجتهادات التي لم تقف عند حد للتعرف على ماهية الحقوق الرقمية وتحديد مضامينها ومدلولاتها ـ لم تكشف بعد عن التوصل إلى صيغة أو وثيقة مرجعية أممية توافقية محددة المعالم بحيث تحظى بإجماع الدول الأعضاء في الأمم المتحدة تماماً كما هو الحال بالنسبة إلى الإعلان العالمي لحقوق الإنسان.
ربما كان السبب راجعاً إلى طبيعة هذه الحقوق وتجددها مع التحولات التكنولوجية التي ألغت الحواجز والمسافات بين الشعوب والأوطان، إلى جانب كون الإعلان العالمي لحقوق الإنسان الذي صدر في العام 1948م إنما اشتمل على نصوص وقواعد عامة فسرها العهدان الدوليان (الحقوق المدنية والسياسية / الحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية).
ما يهمّنا ونحن نتحدث عن مكانة «حقوق الإنسان الرقمية» في التعليم، أن نقيس مستوى أداء مؤسساتنا التعليمية وعلاقتها بمفاهيم حقوق الإنسان، خصوصاً مع تنامي وتيرة تكنولوجيا المعلومات والاتصالات التي يتلقفها المتعلمون الصغار قبل المعلمين الكبار، ما يؤدي إلى اتساع الهوَّة التكنولوجية بين جميع أطراف العملية التعليمية.
تشير الوثائق العالمية المرتبطة بـ (حقوق الإنسان الرقمية) إلى سير هذه الحقوق في اتجاهين، الأول: يركز على القضايا والموضوعات ذات العلاقة بالإنترنت وتداول المعلومات والوصول إليها وحرية التعبير داخل الشبكة وخارجها، والآخر: يركز على القضايا والموضوعات ذات العلاقة بقدرة الإنسان على الاتصال والتواصل مع البيئة المحيطة به من خلال خطوط وشبكات الاتصالات والمعلومات.
وكمثال على الجهود المبذولة من قبل المنظمات الدولية التي يمكن أن تشكل جهودها ومبادراتها قيمة مضافة في حقل التعليم على مستوى تحري وترصد مدى التزام واحترام بلدان العالم المختلفة بالحقوق الرقمية للإنسان، نذكر منظمة هيومان رايتس ووتش، التي أعدت الكثير من الدراسات عن أوضاع حقوق الإنسان عبر الإنترنت بالعالم، إذ تضمنت هذه الدراسات منهجيات لقياس مدى احترام حقوق الإنسان الرقمية، من بينها استطلاعات رأي لتحري وترصد القوانين والضوابط التي تحكم محتوى المعلومات والاتصالات عبر الإنترنت بكل دولة، ومدى الحرية في الوصول إلى الإنترنت والمعلومات، والموافقات الحكومية المطلوب الحصول عليها قبل الوصول للإنترنت أو قبل إنشاء أي موقع، والمعلومات المطلوب من موفري خدمات الإنترنت تقديمها إلى السلطات عن المواطنين المشتركين لديهم، والقوانين التي تنظم استخدام التشفير في الاتصالات والمعاملات الإلكترونية، وأوضاع الرقابة على المحتوى بكل دولة، وسياسات حجب المواقع ومراقبتها ورصدها، والمسئولية القانونية لموفري خدمات الإنترنت وشركات نقل البيانات، وأوضاع الرقابة في مواقع إدارة وتشغيل الإنترنت كمقاهي الإنترنت والمكتبات وغيرها من المواقع التي يمكن للإنسان استخدامها في الوصول للإنترنت والمعلومات، وأوضاع الدخول المجاني والمنخفض التكلفة على الإنترنت.
وفي هذا الإطار السريع والمتلاحق لـ (حقوق الإنسان الرقمية) فإننا نؤكد على أهمية المقاربة والمعالجة التشريعية والتعليمية في آنٍ واحد، وذلك من خلال تضمين بنود الدستور وقانون التعليم موادّ تتعلق بحقوق الإنسان الرقمية بكل وسائلها وآلياتها بما يتناسب مع ما جاء في الاتفاقيات والمواثيق الدولية.
سابقاً، كانت نظرة الكثيرين للدولة بأنها ملزمة أو مسئولة عن توفير الحقوق الاقتصادية (الخبز) والحقوق السياسية (الحريات)، لكن أضيف إليهما اليوم طرفاً ثالثاً مهمّاً وفعّالاً في المعادلة الحقوقية بالنسبة لفئة الشباب وعموم المتعلمين وهو «شبكة المعلومات والاتصالات».
فلم يعد مستساغاً اليوم ونحن نتحدث عن تدريس مبادئ حقوق الإنسان أن نخاطب طلبة المدارس بلغة حقوقية جامدة لا يفهمونها أو لا ترتقي لمستوى تفكيرهم وثقافتهم العصرية.
الحديث النبوي يقول «نحن معاشر الأنبياء أمرنا أن نخاطب الناس على قدر عقولهم»، ويقول علي (ع): «لا تقسروا أولادكم على آدابكم، فإنهم مخلوقون لزمان غير زمانكم».
لذا بات من الضرورة بمكان إدراك ثقافة وذهنية أبنائنا وبناتنا الطلبة.
إقرأ أيضا لـ "فاضل حبيب"العدد 3578 - السبت 23 يونيو 2012م الموافق 03 شعبان 1433هـ