العدد 3577 - الجمعة 22 يونيو 2012م الموافق 02 شعبان 1433هـ

العقل الذي نريد ولا مكان له

سوسن دهنيم Sawsan.Dahneem [at] alwasatnews.com

في حوار مع الكاتب المصري الراحل أنيس منصور الذي لا أحب شخصه لأنه أحد مهندسي التطبيع مع الكيان الصهيوني قبل توقيع الاتفاقية المشؤومة فترة ولاية الرئيس المصري الراحل أنور السادات، سئل: ما الذي تتمناه للعرب؟ أجاب: أريد أن ينبت للعقل العربي عقل. وسئل في الحوار نفسه أيضاً: ما الطغيان؟ أجاب: إرادة فرد تلتهم إرادات الآخرين.

وبمناسبة العقل، تبدو الخريطة التي تعنينا إما مستفزة وطاردة له وإما أن تكون في مساحة من اللاقيمة والهدف والأثر. والأغلب الأعمّ فعل الطرد حين نجول بتفحصنا لحالات كانت لا شيء يذكر وحين أتيحت لها فرص استقطاب ممن يقدر إمكاناتها أصبحت محط اهتمام الدنيا وأبدعت أيما إبداع، بحيث أصبحت تنتمي للدول التي انتشلتها من خط العوز والتهميش والإهانة إلى فضاءات من الاهتمام والتقدير والأضواء التي تسلط عليها أينما ذهبت أو حطت رحالها.

أحمد زويل الفائز بجائزة نوبل في الكيمياء لأبحاثه الرائدة في مجال التفاعلات الكيميائية الأساسية باستخدام أشعة الليزر، واحد من تلك الشواهد، وسبقه إلى تلك المساحة من الاهتمام والرعاية والاستقطاب مدير مركز علوم الفضاء في جامعة بوسطن، عالم الفضاء المصري الشهير فاروق الباز، من دون أن ننسى أشهر جراحي قلب في العالم على امتداد القرن الذي مضى والقرن الجديد، المصري مجدي يعقوب، واللبناني الأصل مايكل دبغي.

حصر وتعداد الذين فروا بمواهبهم وعقولهم وعبقريتهم بعيداً عن البيئات العربية الخانقة لن يقدم أو يؤخر في واقع الحال المتردي في العالم العربي، الذي آخر همه قيمة أولئك والأثر الذي يمكن أن يحدثوه في بلدانهم لو توافرت لهم البيئات الصحية والإبداعية والتمويل المقنع للاشتغال على الأخذ بمجتمعاتهم وعبر موازنات ممكنة إلى مصاف الدول التي أثّرت وتؤثر في مسار خريطة العلوم والإنجاز في عالم اليوم.

مادمنا في حركة سرد الغصة لا أحد يمكن أن ينسى أو يتجاهل الأثر الذي أحدثه رئيس العلماء في مختبر باسادينا البروفيسور اللبناني مصطفى شاهين وكان مسئولاً عن جميع المركبات الفضائية غير المأهولة التي تطلقها الولايات المتحدة. ولا يمكن في هذا الصدد نسيان العالم الفيزيائي منير نايفة، أول من رصد الذرات المنفردة وكيفية التحكم بحركتها.

لا تهاجر العقول الفذة من مواطنها ما لم تحدث هيمنة وحصار على إرادات أمة بأسرها من قبل إرادة مستبدة تلتهم ما عداها من إرادات. لا عقلية فذة يمكن أن تفكر - مجرد تفكير - في الابتعاد والنأي بنفسها عن الأرض التي علمتها وأتاحت لها فرصة الدخول في نظام التفكير والتعليم والإبداع العالمي عبر الابتعاث؛ لولا أن البيئة المختلة التي تتحرك فيها مضطربة ولا يمكن الرهان عليها أمام المستقبل؛ وخصوصاً بعد الوقوف على طبيعة النظام الذي يتعامل مع الإمكانات والمواهب والعبقريات، والحوافز والموازنات شبه المفتوحة التي يتولى تمويلها قطاع شركات الأبحاث من دون نسيان موازنة الأبحاث التي تخصصها تحديداً الحكومة الأميركية، التي تعد الأكبر من دون منافس بين دول العالم.

في استنتاج بسيط وتلازم لا يمكن التلاعب به: أصحاب العقول الفذة والمتفجرة عبقرية مهما راهنوا على صلاح أحوال دولهم المليئة بالقمع والطغيان وركنوا إلى ذلك الرهان، لن يصلوا في نهاية أحلامهم أو حتى أوهامهم إلى التافه اليسير من أحلامهم وطاقاتهم؛ ماداموا خارج دائرة الاهتمام، هذا إذا تمت رؤيتهم بالعين المجردة.

مع التحولات التي شهدتها المنطقة العربية لا يمكن لأدمغة وعقول أن تصمد وتتشبث بالأرض التي تعاني فيها أشكالاً من التهميش والقمع والتمييز؛ ما لم تكن في الذروة من انتمائها وأملها الذي لا حد له في أن تتمكن من أداء دور فاعل وحركي في منظومة العلوم والتعليم.

عدا ذلك، العقل لا يمكن اختزاله في المواهب والطاقات تلك. إنه القدرة على المواءمة بين مستقبل الأوطان ومستقبل مصالح لن تعمر طويلاً مهما كانت المنافع.

إقرأ أيضا لـ "سوسن دهنيم"

العدد 3577 - الجمعة 22 يونيو 2012م الموافق 02 شعبان 1433هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 2 | 6:12 ص

      عقولنا تهاجر ايضا

      نعم استاذة في من البطش تهاجر العقول العربية وتتلقفها الدول الأجنبية وتحتضنها فتبدع خير ابداع ، ما حدث في البحرين هو دليل كبير على كل هذا ، شكرا لكم هذا المقال ، وأرجو أن تسلطي الضوء على معاناة رياض الأطفال في البحرين فنحن نذوق الأمرين

    • زائر 1 | 6:08 ص

      حقائق وحكم

      يفوتك من الصهيوني حقائق وحكم كثيرة ، فعلا العقل العربي يحتاج أن ينبت له عقل

اقرأ ايضاً