بالتأكيد تعرفون المثل الطلابي الذي ما فتئ بعض المدرسين التقليديين يردده على مسامع الطلبة عند أي عملية تقييم، وهو «عند الامتحان يُكرمُ المرء أو يُهان». كنت دائماً منذ تشرفت بدخول السلك التربوي وتدريس طلبتنا الأعزاء؛ أقول لهم ان هذا المثل غير صحيح. فلدي قناعة مفادها أن المرء المجاهد والمكافح لنيل أعلى درجات العلم لا يجب أن يُهان عند دخوله أي امتحان، فما بالك بمن يقوم بتدريسه! بل يكفي ذلك المرء أنه سعى وإن أخفق بعض الشيء، ولذا فالصحيح أن نقول: «عند الامتحان يُكرمُ المرءُ أو يكرّمُ» بتشديد الراء.
إلا أن هذه القناعة بدأت تهتز منذ عام مع الإذلال المتعمد لمكوّن رئيس من نسيج هذا المجتمع بتهم عشوائية ما أنزل الله بها من سلطان. ومن ضمن هذا المكون تلك الزهور الثقافية، وهم مجموعة الأكاديميين الـ 19 الذين تسلّموا أولاً، رسائل تفيد بفصلهم والاستغناء عن خدماتهم، في النصف الأول من شهر أغسطس/ آب 2011، على خلفية الأحداث التي مرت بها البحرين منذ الرابع عشر من فبراير/ شباط وأحداث جامعة البحرين. هم مجموعة من الأساتذة والأساتذة المشاركين والمساعدين والمحاضرين الذين يشغلون مناصب إدارية وأكاديمية تراوحت خبراتهم بين 16 و35 عاماً، وجميعهم من خريجي جامعات أجنبية بريطانية وأميركية وكندية بتخصصات متميزة ونادرة، وبعضهم من المحكِّمين الدوليين ولهم كثير من البحوث المنشورة في دوريات عربية وإقليمية وأجنبية.
لنقرأ ما هي بعض التهم المكررة على هؤلاء الأكاديميين كما جاءت في حيثيات الدعوى ضدهم: «بثوا عمداً أخباراً وبيانات كاذبة أو مغرضة من شأنها اضطراب الأمن العام وذلك بأن قاموا بنشر أخبار وصور عن طريق برامج الكترونية وعلى النحو الموضح بالأوراق. اشتركوا في تجمهر في مكان عام (دوار مجلس التعاون) مؤلف من خمسة أشخاص أو أكثر بغرض ارتكاب جرائم والإخلال بالأمن العام. اشتركوا في تجمهر في مكان عام (جامعة البحرين) مؤلف من خمسة أشخاص أو أكثر بغرض ارتكاب جرائم والإخلال بالأمن العام. اشتركوا في تجمهر في مكان عام (مجمع السلمانية الطبي)! مؤلف من خمسة أشخاص أو أكثر بغرض ارتكاب جرائم والإخلال بالأمن العام».
وقالت الجامعة في بيان نشر يوم 14 أغسطس 2011 «إن جميع القرارات التي صدرت في حق الأساتذة كانت عن طريق تطبيق لائحة أعضاء هيئة التدريس وغير متنافية معها»، لافتة إلى أن «تطبيق قانون العقوبات وقانون الاجتماعات العامة والمسيرات على هؤلاء الأساتذة كان تطبيقاً سليماً، لأن ما لا نص فيه في لائحة أعضاء هيئة التدريس في جامعة البحرين تتم تكملته من قوانين الدولة أيّاً تكن، باعتبارها شريعة عامة للجميع»! وبذلك فقد تم في 16 نوفمبر/ تشرين الثاني 2011 مثول 11 أستاذاً من جامعة البحرين أمام المحكمة الجنائية الصغرى السادسة، ومن أعيدوا من هذه المجموعة للعمل وقّعوا انذارات نهائية.
أما هؤلاء الأكاديميون، وبحسب الأوراق التي قدموها وهي الآن في ملف الأكاديميين، كما هو ملف الأطباء، فقولهم هو: «نود إفادتكم بأننا قد تعرضنا لظلم وغبن من قبل جامعة البحرين بدءًا بالتحقيق معنا وتحويلنا للنيابة العامة، ومروراً بالتوصية بفصلنا من الجامعة، وانتهاءً بطلب مثولنا أمام المحكمة الجنائية الصغرى الثالثة في 16 نوفمبر 2011 بتهمة «التجمهر والشغب»، لا لشيء سوى التعبير عن آرائنا وممارسة حقوقنا الدستورية كما كفلها الدستور في المادتين (26 و27) وميثاق العمل الوطني في المادتين (23 و24)، والاتفاقات الدولية لحقوق الإنسان، وخصوصاً الإعلان العالمي لحقوق الإنسان (المادة 19) والعهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية في المادتين (19 و20)، على رغم أننا لم نشارك في أي مسيرة أو تظاهرة غير مرخصة سواء داخل أو خارج الجامعة خلال الأحداث الأخيرة، ولم نوقّع أية عرائض، ولم ننقطع عن الدوام في الجامعة طيلة فترة الأحداث. إلا أن التهمة الوحيدة المنسوبة إلينا من قبل لجنة التحقيق في الجامعة والتي بنيت عليها كل (التهم) الأخرى هي المشاركة في الأحداث المؤسفة التي وقعت في جامعة البحرين بتاريخ 13 مارس/ اذار 2011. أما ما أضيف بعد ذلك من تهم فهي لمجرد قناعات أعضاء لجنة التحقيق بالجامعة بأن هذه التهمة لا تكفي لإدانتنا وتحويلنا للنيابة العامة. من هنا فإننا نبدي اندهاشنا وامتعاضنا من كل الإجراءات المتخذة في حقنا من قبل لجنة التحقيق بالجامعة».
وفي الوقت نفسه بعد وصول صوت نُخبنا الأكاديمية إلى العالم تقدمت جمعية دراسات الشرق الأوسط الأميركية بمنح جائزة الحريات الأكاديمية لعام 2011 إلى جميع الأساتذة والطلبة والعاملين في مؤسسات التعليم العالي في البحرين الذين رفعوا أصواتهم وقاموا بتدوين الانتهاكات وناضلوا بأساليب متنوعة ضد استهداف الحريات الأكاديمية وانتهاك حرمة واستقلال المؤسسات التعليمية في البلاد. كما قامت لجنة الحرية الأكاديمية (CAF) لرابطة دراسات الشرق الأوسط في أميركا الشمالية (MESA)، بإرسال عدة رسائل إلى أعلى المسئولين التربويين والجامعيين في البحرين معبّرةً عن قلقها العميق لما تتعرض له الحريات الأكاديمية على جميع المستويات.
ثم صدرت العديد من الاعتراضات والإدانات من قبل منظمات وجمعيات تربوية أوروبية عديدة في شهر ديسمبر 2011، ضد ما تعرّض له الكادر الأكاديمي والطلابي الجامعي في البحرين. ومن تلك «منظمة التعليم الدولية»، ومقرها بلجيكا، حيث اعتبرت فصل الأكاديميين من جامعة البحرين انتهاكاً واضحاً لتوصيات منظمة اليونسكو بشأن الحرية الأكاديمية ومبادئ الحرية الأكاديمية التي عبّرت عنها توصيات اليونيسكو عام 1997 والخاصة بالمكانة السامية لهيئة التدريس في التعليم العالي.
كما قامت «الجمعية العربية للحريات الأكاديمية» بالتعبير عن قلقها من فصل عشرين أكاديمياً بحرينياً، مطالبةً الجامعة بالابتعاد عن نهج محاربة الأكاديميين في لقمة العيش والتمييز بينهم على أساس الرأي أو الانتماء.
كما قالت منظمة «هيومن رايتس ووتش» في 25 سبتمبر/ ايلول 2011، إن على الجامعات في البحرين أن تعمل فوراً على إعادة جميع الطلاب وأعضاء الهيئة الأكاديمية والإدارية المفصولين لمجرد إبداء آراء انتقادية للحكومة، أو بسبب حضور تظاهرات معارضة سلمية.
ومن ناحية أخرى وفي سياق هذه القضية، المسلسل الدرامي، وفي 6 فبراير 2012 رفع الأكاديميون المحالون للمحاكم الجنائية بسبب حرية الرأي والتعبير، رسالة إلى رئيس اللجنة البحرينية المستقلة لتقصي الحقائق محمود شريف بسيوني عن قضيتهم، كتبوا فيها: «أنه على رغم مرور أكثر من شهرين على صدور تقرير اللجنة البحرينية المستقلة لتقصي الحقائق أن تنفيذ التوصيات لم يحظَ بجدية من قبل السلطة، وتبيّن ذلك جلياً في عدم تنفيذ الفقرة الخاصة بإسقاط جميع التهم المتعلقة بحرية الرأي والتعبير، وما أعلنه النائب العام بشأن إسقاط تهم الرأي والتعبير في 43 قضية ويستفيد منها 334 شخصاً، لم يُفض إلى إسقاط أي من التهم المنسوبة ضد مجموعة من أكاديميي جامعة البحرين والبالغ عددهم (11) أكاديمياً، من الأساتذة والأساتذة المشاركين والمساعدين والمحاضرين».
وبعد تلك الإدانات والمواقف المحلية والإقليمية والدولية قامت الجامعة بإرجاع هذه النخبة على دفعات، وكان آخر هؤلاء من عاد في فبراير 2012، إلا أن الجامعة اشترطت عليهم توقيع إنذار نهائي للعودة إلى العمل، وقد سجل الأكاديميون العائدون تحفظهم على شرط الإنذار النهائي، وذلك ضمن ملفهم الحقوقي الذي تولّى الدفاع عنه منذ البداية كل من المحامي أحمد الشملان، سامي سيادي، عبدالله الشملاوي، محمد التاجر، حافظ علي، علي عبدالحسين، والمحامية فاطمة الحواج.
والآن، هل سنرى يوم السابع والعشرين من هذا الشهر، تبييض صفحة هذا الرهط الأكاديمي، كما حدث لنصف الطاقم الطبي، بإعادة الحق لأهله بتكريم هؤلاء الأكاديميين وإلغاء - كما طالبوا هم - «جميع القرارات التعسفية التي اتخذت بحقنا، والتهم المنسوبة إلينا، وردّ الاعتبار لنا، وتعويضنا معنوياً ومادياً عن الأضرار النفسية والمادية التي لحقت بنا، والانتهاكات الجسيمة التي تعرضنا لها، وفقاً للمادة رقم (1678، ص529) من تقرير اللجنة البحرينية المستقلة لتقصي الحقائق والقاضية بتقديم التعويضات إلى هؤلاء الذين عانوا من أضرار مادية أو بدنية أو نفسية».
وفي آخر جلسة محاكمة حضر الأكاديميون بملابس سوداء وقدموا للمحاكمة وكأنهم متوجّهون لحضور عزاء، وهم يردّدون في أنفسهم «كيف يمكن أن يحدث في بلد أن يقدم نخبة أبنائه من الأكاديميين سنين من العطاء وخدمة الوطن لمدة تزيد على 30 عاماً، وفجأة يرون زملاءهم في الجامعة، الذين عاشوا معهم الفرح والحزن، يتهمونهم بتهم كيدية غير صحيحة بالمرة، بينما كانوا يأملون أن يكونوا بجانبهم، وليس زيادة الحطب في النار المستعرة من حولهم».
ولكن يبقى السؤال ماثلاً يقض مضاجع الأكاديميين، ليس عن حجم الدعم الأكاديمي الذي ستوفره الجامعة للبحوث العلمية التي سينجزونها، وليس عن الترقيات العلمية التي ترفع من قدر العقل العلمي البحريني في مصاف علماء العالم المتحضر، لكن السؤال الذي يقلق أكاديميي البحرين اليوم هو: ما ضمانات عدم اعتقالنا مرة أخرى!
إقرأ أيضا لـ "محمد حميد السلمان"العدد 3577 - الجمعة 22 يونيو 2012م الموافق 02 شعبان 1433هـ
الظلم والجور
لو كان الزمان او المكان بشراً لكان تكلم \\r\\nالمعلم او الدكتور او المحامي لهم احترامهم وهنا يزج بهم في السجون \\r\\nلا حول ولا قوة الا بالله العلي العظيم وحسبي الله ونعم الوكيل \\r\\nسَلِمَتّ أناملك الذهبية دكتور محمد
شكرا لكم
نشكر الاقلام الحرة على تسليط الضوء على قضية الاكاديميين
الى متى ؟
اطباء , اكادميين, معلمين , اسا تذة , ممرضيين, ممرضات صحفيين, تعبت من الكتابه .......؟؟؟؟؟؟ الله يكون فى عونكم سلام على البحرين .
نحن نكن للمحكمة كل الاحترام والتقدير
بعد إلغاء النيابة العامة تهم التجمهر وحرية التعبير عن جميع قضايا السلامة الوطنية نحن على ثقة بأن المحكمة الموقرة التي نكن لها كل احترام وتقدير أن تقضي ببرأة الاكاديميين
قم الاتساذ الأكاديمي وفيه التبجيلا
تحياتي لك استاذي العزيز صاحب القلم الوطني المخلص على هذا المقال الأكثر من رائع الذي يوجب أساتذتي الأكاديميين .. لكن السؤال الذي يقلق أكاديميي البحرين اليوم هو: هل سيتم تكريم الأكاديميين يوم 27 تمثيلاً لبيت الشعرالقائل "قم للمعلم وفيه التبجيلا ..... كاد المعلم أن يكون رسولا"
نحن على ثقة بنزاهة الجهاز القضائي
نحن على ثقة بنزاهة الجهاز القضائي في مملكتنا الغالية في تبرأة جميع الأكاديميين بدون استثناء خاصة بعد تبرأة الكادر الطبي ..
لماذا محاكمة الكفاءات من الأكاديميين؟
ما الذي قام به الأكاديميين بوالذي لعى أثره يتم محاكمتهم .. هل لأنهم قالوا كلمة الحق ..
لكن السؤال الذي يقلق أكاديميي البحرين اليوم هو: ما ضمانات عدم اعتقالنا مرة أخرى!
بعد التطور الخطير الذي حدث امس وتعرض قيادات معارضة للضرب لاتوجد اي ضمانات ان تعود الامور الى ماقبل بسيوني بل انها عادت بالفعل!!!!!
التكريم المر
أي تكريم ؟
ان تكريم الأكاديمين بحق هو ابقائهم في أمان يزاولون مهنهم باحترام ، لا أن يزجو في الهوان وهذا خير تكريم لهم