عطش الصين للنفط في تزايد مستمر. ذلك البلد الذي يمتلك اقتصاداً يحقق نمواً استثنائياً بمعدل سنوي كبير ما بين 8 - 10 في المئة جعلها تعتمد اعتماداً متزايداً على النفط المستورد. وأضحت ثاني أكبر مستهلك للنفط في العالم بعد الولايات المتحدة. ولذا يقوم أمن الدولة الصينية حالياً على تأمين وضمان تدفق الطاقة. ويعتبر النفط أحد أهم محددات السياسة الخارجية الصينية ويلعب دوراً كبيراً في صنع السياسة الصينية. ومن هنا تحظى القارة الإفريقية باهتمام صانع القرار الصيني حيث تحركت الصين، من أجل تأمين تدفق هذا النفط والحصول عليه من القارة الإفريقية من خلال استراتيجيه تقوم على عدة محاور: من أهمها إنشاء عدد من الإدارات الخاصة لتنمية العلاقات السياسية والاقتصادية والثقافية مع الدول الإفريقية وتوسيع اختصاصات بعض الأجهزة والإدارات القائمة لتشمل كل أطر التعاون المشتركة. وتيسير إنشاء عدد من المراكز البحثية ومنظمات المجتمع المدني الصيني المختصة بالشئون الإفريقية. ومنها أن بكين تلعب دور المورّد للسلاح لإفريقيا، كما استطاعت الصين تقوية علاقاتها الاقتصادية مع إفريقيا عبر منتدى التعاون الصيني الإفريقي الذي أنشئ بمبادرة من بكين العام 2000 وضم ست وأربعين دولة إفريقية، ومن أهم إنجازاته إسقاط 1.2 مليار دولار من ديون القارة. وهناك أيضاً ًمجلس الأعمال الصيني - الإفريقي الذي أنشئ في نوفمبر/ تشرين الثاني 2004 بغرض دعم استثمارات القطاع الخاص الصيني في كل من الكاميرون، وغانا، وموزنبيق، ونيجيريا، وجنوب إفريقيا، وتنزانيا كما أن التجارة المتبادلة بين الصين وإفريقيا تزيد حالياً على ثلاثين مليار دولار.
علاوة على دبلوماسية التواصل الدبلوماسي والزيارات التي يقوم بها المسئولون الصينيون لإفريقيا وعلى رأسهم الرئيس الصيني. ولا ننسى في هذا السياق دور الجالية الصينية في إفريقيا، حيث اتجهت معظم الهجرات الصينية إلى إفريقيا من المقاطعات الجنوبية من الصين وجزيرتي تايوان وهونغ كونغ. وقد أتوا إلى إفريقيا كعمال تعاقدت معهم شركات التعدين الأوروبية العاملة في إفريقيا، كما كان في مدغشقر وجنوب إفريقيا وموريشيوس وجزيرة رينيون. وبعد انتهاء مدة عمل هؤلاء العمال مع هذه الشركات لم يعودوا إلى الصين وإنما مارسوا الأعمال التجارية والتي اقتصرت في البداية على بيع الحاجات اليومية للعمال الصينيين الذين مازالوا في عملهم مع الشركات الأجنبية. وعقب الحرب العالمية الثانية زادت أعداد الجاليات الصينية في إفريقيا، وكان لتغيير الدول الاستعمارية لسياستها تجاه الجاليات الأجنبية في القارة الإفريقية دور مهم في إتاحة فرص كثيرة من الحرية للجاليات المضطهدة ومن بينها الجالية الصينية. وانتشرت الجاليات الصينية في كثير من أنحاء القارة الإفريقية حيث وجدت جاليات صغيرة في شمال القارة، واتجهت بعض المجموعات الصينية إلى مصر عن طريق شرق إفريقيا، كما اتجهت جماعات صينية من جنوبي شرق أسيا إلى مصر وشمال إفريقيا كذلك. وقد تباينت أهداف عناصر الجالية الصينية في مصر بين الإقامة والعمل، ولوحظ أنهم يقيمون في الأحياء الفقيرة الشعبية في القاهرة والجيزة.
كما وجدت جالية صينية في غرب القارة الإفريقية في نيجيريا. وقد أرسلت الصين قوات عسكرية لحماية آبار إنتاج البترول والغاز الطبيعي في دول إفريقية مثل السودان وقد استغلت الصين خروج الولايات المتحدة من السودان العام 1995 لتحظى باستثمارات نفطية حتى أصبح أكثر من نصف صادرات السودان النفطية يذهب إلى الصين وفقاً لأرقام 2008، وتمكنت شركات النفط الصينية من شراء 40 في المئة من أسهم «شركة النيل الأعظم» النفطية فى السودان والتي تضخ ثلاثمئة ألف برميل يومياً. كما قامت شركة «سينوبك» الصينية بإنشاء خط أنابيب بطول ألف وخمسمئة كيلومتر لنقل الإنتاج النفطي إلى ميناء بور سودان على البحر الأحمر ومنه إلى ناقلات البترول المتجهة إلى الصين.وفى تشاد، حصلت الشركات الصينية على استثمارات نفطية على رغم أن النظام في نجامينا له علاقات دبلوماسية بتايوان، غير أن المصالح الاقتصادية تعلو مبدأ (صين موحدة) الذي تتمسك به الصين وتضعه معياراً حاكماً لعلاقاتها الدولية. وتسعى الصين لاختراق خليج غينيا الغني بالنفط ومنافسة الولايات المتحدة الأميركية على الاستثمارات النفطية، وبالفعل نجحت في وضع موطئ قدم لها في أنغولا ونيجيريا والجابون وغينيا الاستوائية. وتستورد بكين أكثر من 25 في المئة من واردتها النفطية من إفريقيا، وتسعى إلى المزيد، وخاصة أن حاجاتها البترولية ستتضاعف العام 2030 ومن أبرز الدول التي تستورد منها إضافة إلى السودان وتشاد - الجزائر وأنغولا والجابون. وبالنسبة للدول العربية فهناك تحرك صيني مكثف في ليبيا والجزائر التي تعتبر من أهم الدول الإفريقية التي تصدر النفط إلى الصين، وقد وقعت الجزائر والصين عدداً من الاتفاقيات المتعلقة بالبترول والغاز والجوانب البحثية المتعلقة بهما والذى أظهرت الصين احتياجاً شديداً لها. وترحب الجزائر باستثمار المزيد من الشركات الصينية في مشروعات بالجزائر تتعلق بالتنقيب عن النفط، وخاصة أن الشركات الصينية تزايد توجهها للعمل والاستثمار في قطاع النفط والغاز الجزائري وفى مقدمتها شركة «سينوب» التي وقعت عقداً في العام 2002 بقيمة خمسمئة وخمسة وعشرين مليون دولار لتطوير حقل «زارزائين» بالجزائر، كما وقعت شركة ااستكشافات الغاز والنفط الوطنية الصينية عقوداً لبناء مصفاة للنفط. علاوة على أن شركة النفط الوطنية الصينية قد وقعت عقداً لاستيراد النفط من الجزائر بقيمة 350 مليون دولار في يوليو/ تموز 2003.
ومع مصر وقعت الصين على «مذكرة تفاهم» خاصة بالتعاون المشترك في مجال البترول. يتضمن إطارها العام تبادل الاستفادة الفنية من خبرات وإمكانات قطاع النفط المصري مقابل التجربة الصينية في استخراج النفط خاصة في السودان، بالإضافة إلى التعاون في مجالات تكنولوجيا الزيت الثقيل وزيادة إنتاجية الآبار القديمة، إلى جانب التعاون في تصنيع أجهزة ومعدات حفر الآبار ومكوناتها وطلبات الرفع الصناعي وخطوط الأنابيب ومعامل التكرير وإنشاء وتصنيع معدات الإنتاج، وكذلك التعاون المشترك في بعض مشروعات الخطة القومية البتروكيماوية. وبحث إمكانية التعاون المشترك فى مجال النفط خارج مصر والصين. وعلى الدول الإفريقية لتحقيق إستراتيجية متبادلة المصلحة والمنفعة مع الصين، أن تحدد هدفها من العلاقة مع الصين وما الذي تريده وما الذي تستطيع أن تقدمه عندئذٍ يمكن أن يحدث التلاقي في مشاركة تحقق مصالح الجانبين دون بطء.
إقرأ أيضا لـ "منبر الحرية"
العدد 3577 - الجمعة 22 يونيو 2012م الموافق 02 شعبان 1433هـ