نجحَ الناجحون، وبَرَز النابهون والمتفوقون من الطلاب والطالبات. فهنيئاً لهم بلا استثناء، ونشدُّ على مَنْ تأخر منهم في تحصيله العلمي، ونقول لهم، إن تأخرَّكم ليس نهاية المطاف، ولو كانت تلك الخاتمة، لفَاتَ الإمام يوسف بن أبي بكر أبويعقوب السَّكاكي مشوار العلم، بعد أن طلبه كبيرًا، حتى أصبح إمامًا وفقيهًا في لغة العرب، فلا يستغني أحد عمّا سطَّره من نظريات ورؤى. فالعلم ليس له أمدٌ ولا حدٌّ ولا نَفَس، وقد قال الحسين بن علي قَطَعَ العِلم عُذرَ المتعلمين.
قبل عام إلاَّ تسعة أيام من الآن، كتبتُ عن المخرجات التعليمية المتفوقة. وكنتُ حينها أشير إلى جانب تراجيدي لازم أسَرَ بعضهم، وهم يتلقون نتائج جهدهم المضني، الذي بذلوه طيلة فصول من الدراسة والمذاكرة الجادة. اليوم أودُّ الإشارة إلى جانب آخر في الموضوع، بدا أنه قد ضاعَ وسط هذه البهجة، وهو ما نصيب المعلِّم. هذا الإنسان، الذي ساهَمَ في صناعة جزء أساسي من هذا النجاح والتفوق، وكان لِزامًا على الجميع أن يُشيروا إليه بالبنان فيمنَحونه الشكر على جهوده طيلة عام كامل، من الشرح المتواصل من الصباح وحتى الظهيرة، ومتابعة أمور تلاميذه، الذين يتجاوزون في أحيان كثيرة المئتي طالب. إنه عمل أكثر من شاق.
أتحدث عنه، رغم أن عيد المعلِّم، لم يحِن أوانه بعد، بل ويفصلنا عنه زمن يصل إلى مئة وسبعة أيام، لكن الحقيقة، هي أن ذلك العيد المضروب، ما هو إلاَّ ترميز زمني فقط، في حين أن الصحيح، هو استمرارية التقدير للمعلِّم، في كل الأحوال، سواءً في أوان تعليمه، أو في أوان استحصال النجاح، أو حتى بوجوده في مجتمعه، يُشار إليه بالتقدير، كلما حلَّ، كمعلِّم للأجيال، ومربٍّ لها.
لقد ذكَرَ أحدهم مقولة، هي جديرة بالتأمل. قال: لو بذلتَ نصف عمرك، وأنت تبحث عن معلِّم جيد، فلا يعتبر ذلك خسارة أبداً. وهذا الأمر في حقيقته صحيح جداً، لأن المعلِّم هو الوسيلة التي تصل العقول بالعلوم، فإذا ما كانت تلك الوسيلة تمتاز بالجودة، فإنها تصبح مُوصِّلة جيدة لتلك العلوم. وعندما تكون خلاف ذلك، يصبح التعلُّم مُهلهلاً، غير مبني على أسس قوية.
المعلمون في حقيقتهم هم وسائل لنقل المعلومة بعد تشذيبها وتحسينها، ثم وصلها بالعلوم، وهم في ذلك، يختلفون في مدى القدرة على إنجاز تلك المهمة بالصورة المثلى. رغم أن العملية بالتأكيد، ليست بذات الميكانيكية التي نتصورها نظراً لارتباط التعليم بقضية أخرى وهي التربية، التي سبقت حتى مفردة التعليم كونها زاوية أصيلة في تلك الآلية.
فما يزيد من قيمة المعلِّم، هو اقتران التعليم بالتربية. فالمعلِّمون، هم مُربُّون (هكذا يُفترض)، والتربية لا تقتصر على التهذيب والتلقين فقط، وإنما في تحوِّل المربِّي إلى أنموذج أمام مَنْ يُربيهم من أجيال، وبالتالي، إيجاد ضرورات خاصة، تصبح بالنسبة لذلك المربِّي، بمثابة الضوابط الذاتية لسلوكه ومراقبته لكامل حركته. وعندما تتحقق تلك الضوابط الذاتية لدى الإنسان، يكون قد تغلَّب على أصعب التحديات في الحياة، لأن الضابط في السلوك، في أغلبه يكون من سلطة خارجية، لكن وفي حالة تلك الضوابط الداخلية، يصبح ذلك الالتزام متقدماً وعصامياً.
كلنا كنا طلاباً، منذ الابتدائية وحتى المرحلة الجامعية، ونتذكر مَنْ كان أميز عن غيره من المعلِّمين. بالنسبة لي، فلا أظن أن الزمن وتقادمه بقادر على محو ما يعلق في ذاكرتي من صور جميلة، لأحد الأساتذة الكبار، الذين كانوا يمتلكون أرقى أنواع التعليم وموسوعية الدراية، رغم أنه مُعلِّم لأدق العلوم الإنسانية، وهي المتعلقة بالترجمة، وبحر اللغات، والتي تعتبر واحدة، من سلاطين الثقافات، التي تلاقحت وتكاملت بفضلها العلوم بأنواعها، منذ أيام الإغريق وحتى يومنا هذا.
الأكثر من هذه المنزلة العلمية الرفيعة، هو ما كان يمتاز به ذلك الأستاذ، من أخلاق دمِثة، فكان بحق عظيم الحلم، فاضل السّلم، رفيع العماد. وكان درسه أشبه بالموزاييك، الذي يحوي المعلومة الثريَّة، التي وكأن مُلهِمها قد بَقَرَ بطون الكتب، ليُسمعك أجلاها وأنصعها، وبين سلوكٍ رفيع، به الذوق الرزين، والقدرة على اختيار الكلمات الفيروزية الراقية، التي كانت بالنسبة لنا كالحبائل، التي تجرنا له، وكان ذلك العلم والسلوك، كفيلين بأن يستوليا على ألباب تلاميذه ليحبّوه ويُجِلُّوه.
هذا النمط من المعلِّمين المتميزين، يُضاعفون من قدسية التعليم. تلك القدسية، التي تزيد من رهبته بين المهن من جهة، وترسم في أحيان كثيرة، مستقبل الأجيال من جهة أخرى، فيهتدي الطالب إلى علوم بعينها نتيجة تأثره بأستاذه، فيصرُّ على أن يسلك مسلكه، ليكون كما هو. والأمثلة في ذلك كثيرة. فقد تأثر صمويل دي بوفندروف بأستاذه غروتيوس، وتأثر أوغيست شارتيلي بأستاذه جيل لانيو، وتأثر أنيس منصور بأستاذه عباس محمود العقاد، وهكذا دواليك.
اليوم، وأمام احتفاء الأسَر بمن نجحوا وتفوّقوا من أبنائهم في امتحانات هذا العام، يجب الاحتفاء، وإبراز التقدير، للمعلمين المتميزين أيضاً، الذين كانوا أحد أهم صُنَّاع ذلك الإنجاز. فلكل معلِّم جاهدَ على تعليم تلاميذه وسَهَرَ على صقلهم كل تحية وتقدير، لأنهم بحق أكثر الفئات اضطلاعاً بالنشء وأكثرهم بذلاً للجهود.
إقرأ أيضا لـ "محمد عبدالله محمد"العدد 3575 - الأربعاء 20 يونيو 2012م الموافق 30 رجب 1433هـ
الي تعليق رقم 4
اعتقد ان الشماتة في الغير غير جيدة انت بطرحك تصورك اطرحة بشكل متزن وليس انفعالي هؤلاء الدين تقول عنهم يمشون بوزهم من الترقيات هم الدين حملوا الوطن علي اكتافهم من مئات السنين يحملون شهادات عالية كل في تخصصة ولو في عدالة وبرلمان كامل الصلاحيات لشفت الوضع غير مدرسين عرب امس واصلين البلد مدراء ومدراءمساعدين واخصائين رغم نفس الشهادات بل البحريني عند اكثر اتق اللة في الناس وانا متاكد لوراجعت نفسك مع اللة سوف تغير نفسك
ما قصرت الحكومة
الحكومة ما قصرت كرمت المعلمين خير تكريم
وخصوصا وزارة التربية والتعليم التي تعامل المعلمين والتربويين معالمة قل نظيرها وخصوصا إذا كان المعلمون وهم الأغلبية من فئة محددة وقد انكشفت المعاملة المثالية إبان الأحداث وما زالت بحيث يمشون بوزهم من أي ترقية لأنهم من فئة محددة من الشعب
المعلم
كاد المعلم ان يكون رسولا
هنيئا لهم تفوقهم
تمنيت وتوقعت ان تدكر لنا اسم دلك الأستاد النمودج ولنك فضلت ان يبقي اسمه في نفسك. لمادا؟ لأنك تعرف بأنه مجرد مثال للمئات وربما الألاف من هؤلأء الأفاضل ممن يستحقون منا ان نقبل جباههم صبح مساء ولا نوفيهم حقهم . شكرا لك يأيها الأستاد الفاضل .
استمرار انتهاكات المعلمين
سلم قلمك فهذا بحق مقال رائع ومن المهم توضيح أن وزارة التربية لازالت مستمرة في تكريم معلميها بنفس الطريقة والاسلوب المتبع منذ عام .. فتكرمهم بتوقيفهم عن العمل وخصم رواتبهم وافتعال الشكاوى الكيدية.ضدهم بالتعاون مع مدرائهم لأبسط الأمور واتفهها فهذا معاقب لأنه ناقش وذاك لأنه جاد بعمله وآخر لتجمهره وجلوسه مع زملائه للإفطار .. وغيرها .. إنها وزارة العجب ولا علاقة لها بالتربية والمطحون هو المعلم المتفاني الذي يعاقب لاحقاد دفينة