مضى عام وأربعة أشهر، وحتى الساعة نتحدث عن الحوار بوصفه الحل الأمثل للخروج من الأزمة السياسية في البحرين، بينما كل الأطراف ليست لديها الجرأة الكافية للبدء فيه من دون شروط أو تعقيدات، لأسباب مختلفة لعل من بينها ضغط الشارع المؤيد أو المعارض للفكرة، فضلاً عن الدفع باتجاه التوتير الذي يمارسه من تحصلوا على مكاسب وصعد نجمهم خلال فترة زمنية قصيرة، بعد أن كانوا مجرد أسماء عابرة لأشخاص لا همّ لهم سوى تحقيق مصالحهم، يتلونون ويتقلبون في مواقفهم بحسب الموجة السائدة.
الفئة المتمصلحة لا تملك مبررات واقعية مقنعة تفسر رفضها الحوار بين جميع أطراف ومكونات المجتمع البحريني، بل ترمي باحتمالات وجود صفقات من وراء الكواليس بين السلطة والمعارضة، وهي أشبه ببالونات اختبار من أجل حث أطراف أخرى على إصدار بيانات متشنجة، واتخاذ مواقف رافضة للفكرة من أساسها، انطلاقاً من تخوفها من العزلة وتهميش دورها في حل الأزمة، ما يؤدي إلى تعقد الوضع وتداخل المشهد، في ظل غياب أي اتفاق واضح على ترك الخلافات والجلوس على طاولة واحدة.
النفس الانسانية بالفطرة ترفض العنف ولا تتقبله بأي حال من الأحوال، لأن من ورائه ضرر جسيم وغياب لحالة الاستقرار الطبيعية التي ينشدها أي مجتمع، وهروب لرؤوس الأموال وتدمير للبنية الاقتصادية. ولو طرق باب بيت أي منا سيكون هذا هو موقفه، غير أن لكل فعل أسبابا ودوافع بحاجة إلى الوقوف عندها للبحث عن معالجات سريعة تنزع منها صفة الاستمرار، وهو ما لا يمكن أن يتحقق بترك الأمور على عواهنها، والتعويل على عامل الوقت وتنازل هذا الطرف أو ذاك لتتلاشى الأزمة من تلقاء ذاتها.
إعادة مسلسل ما جرى من أحداث ومواقف منذ فبراير/ شباط 2011، لا يوفر أرضية مناسبة للتوافق الاجتماعي على الحوار كحل لما يجري، بل يرسخ في نفوس الناس قناعات من أن مثل هذا الخيار سينتزع منهم الحق في القصاص واسترجاع حقوقهم، وبالتالي فإن عليهم المضي في الرفض المستمر لهذه الفكرة، حتى لا يصحوا يوماً ويجدوا أنفسهم خارج كل المعادلة، بينما الحقيقة الدامغة والتي لا يمكن التعتيم عليها ولو سخرت لها كل الأصوات والأقلام، أن الحل بحريني خالص ولا يمكن أن يتم إلا بالتوافق في بيئة لا يشوبها شبح القطيعة ولا تتصاعد منها روائح الطائفية ولا يديرها الموتورون من خلف (الكيبورد).
وما يثبت وجود فئة مستفيدة مما يجري من تصعيد، لها اليد الطولى في إذكاء النعرات الطائفية، أن من يتبنون موقفها الرافض للحوار، ليس لديهم بدائل ولا رؤية واضحة ولا خريطة طريق يمكن البناء عليها في أي تحرك مقبل، بل يسيرون في خط التأزيم ويدفعون الناس إلى ذلك. المهم بالنسبة لهؤلاء عدم التوصل إلى أي حل خلال هذه الفترة، واستمرار الحال على ما هو عليه، واستغلال التطورات الحاصلة وتوظيفها بأسلوب يجعل من الحوار ضرباً من ضروب الخيال، من خلال إصدار بيانات والإدلاء بتصريحات صحافية لا تخلو من الاتهامات والشتائم ووصف الآخرين بنعوت لا يقبلها لا دين ولا عرف ولا منطق، بل وتخوينهم والمطالبة بالقصاص منهم ونفيهم وإبعادهم عن وطنهم.
لعل واحدا من أسباب فشل الجهود والمساعي للبدء في حوار جدي قائم على أسس قوية، هو التلاعب على الوتر الطائفي، وإذكاء ثقافة الكراهية ونبذ الآخرين على أساس عقائدي بحت لا معيار فيه للوطنية، وإشعال الفتن، والتحريض على المواجهة والتعدي على الأملاك الخاصة، وهي أمور قد تبدو للبعض أنها حرية رأي وتعبير تمارس في مختلف وسائل الإعلام المتاحة وشبكات التواصل الاجتماعي، بينما هي خطر داهم يهدد استقرار المجتمع، ولكن لا يوجد رادع يصدها، ما يجعل الساحة مفتوحة على مختلف الاحتمالات، ربما أحدها إفشال الحوار قبل أن يبدأ لدواعي حصول انقسام اجتماعي يتطلب مصالحة وطنية تمهد الطريق لأي انفراج قادم.
إقرأ أيضا لـ "أحمد الصفار"العدد 3574 - الثلثاء 19 يونيو 2012م الموافق 29 رجب 1433هـ
باعو ضمائرهم
صدق اذا قالو ناس باعت ضمايرها ومشت خلف المصالح, بدأو بالكذب وموعارفين ينتهون, مايدرون ان حبل الكذب قصير
لاحياة لمن تنادي
شكرا اخوي احمد على كل مقالاتك الصريحة والهادفة ولكن لاحياة لمن تنادي! الله يعطيك العافية