اليوم، يوجد موعدٌ مضروب سَلَفاً. الإثنين، الثامن عشر من يونيو/ حزيران من العام 2012 هو موعد التقاء مفاوضي كل من جمهورية إيران الإسلامية من جهة، والدول الخمس دائمة العضوية بمجلس الأمن من جهة أخرى، وهي: الولايات المتحدة الأميركية، روسيا الاتحادية، جمهورية الصين الشعبية، المملكة المتحدة والجمهورية الفرنسية، بالإضافة إلى الجمهورية الألمانية الاتحادية، العضو غير الدائم بمجلس الأمن.
هذا هو التعريف الرسمي والدولي للمتحاورين. أما التعريف غير الرسمي، والمطابق لمصداق موضوع الحدث، فإن هذه الجولة من المحادثات هي عبارة عن حوار بين متنافسين ومتصارعين من الشرق والغرب. شرق منه الصين وروسيا وإيران، وغرب منه الولايات المتحدة وعضلة القلب التاريخي لأوروبا وهم بريطانيا وفرنسا وألمانيا. وعند كلا الجهتين، حلفاء متناثرون في الشرق والغرب، يتم الاستقواء بهم لتحقيق مكاسب ما. في المحصلة، فإن هذين القطبيْن المتنافسيْن، يشكلان زاوية الصراع الإقليمي والعالمي الحقيقي في مجاليَ السياسة والاقتصاد ومُجمَل النفوذ.
أبدأ بإيران كونها قطب الرحى في هذا الملف. فمن قراءة للموقف السياسي، وشكل المعطيات المتحصلة لدى طهران، فإن المفاوض الإيراني يأتي هذه المرة، ولديه أربع نظرات. النظرة الأولى للخلف، حيث يجد أنه قطع مشوارًا طويلاً من التفاوض، جاوز العقد من السنين، وآن له أن ينفضَّ بما فيه. فقد نالت إيران خلال ذلك العقد الكثير من المكتسبات النووية في مجال التخصيب، باعتمادها على عامل الوقت، والمتغيرات الإقليمية، التي كانت لصالحها في كثير من الأحيان إبَّان حرب المحاور في المنطقة، وبالتالي يرى جزء مهم من الإيرانيين الرسميين أنه لا داعي للمماطلة أكثر.
النظرة الثانية بالنسبة للمفاوض الإيراني، هي أنه يأتي وعينه على ما تحت قدميْه، حيث موسكو، حليفته في السلاح والتقنية النووية والمساندة في المحافل الدولية وفي كارتلات الغاز والاستراتيجيا الجيوسياسية، وبالتالي، فهو لا يريد أن يأتي بشروط وملفات معقدة قد تؤدي إلى فشل هذه المفاوضات، فتُحرَج موسكو أمام خصومها والعالم. فهي (طهران) إذا ارتضت لبغداد، ألا تتلمظ فشل مفاوضات مايو/ أيار الأخيرة، فتحيلها في حدها الأدنى إلى جولة جديدة في روسيا، فمن واجب إيران تجاه موسكو صاحبة الثقل الأكبر ألا تكون مفاوضاتها فاشلة. (رغم أن هناك سيناريو آخر عن فشل – أو إفشال - تلك المفاوضات يمكن التطرق إليه في مقال آخر).
النظرة الثالثة، هي نظرة طهران إلى محيطها الجغرافي. فهي ترى أن جزءاً مهمّاً من حلفائها الإقليميين قد خارَت قواهم، أو تداعَوْا إلى غير مكان. فسورية، بالكاد تحفظ نفسها، بفعل حراك شعبي غير متوقف منذ خمسة عشر شهرًا، وجيوب مسلحة، تسيطر على حيِّز غير صغير من الأرض في العديد من المحافظات، مصحوبة بمؤازرة دولية هائلة. أما حركة حماس، فلم تعد كما كانت بسبب الظروف الغزَّاويَّة مع تل أبيب وحركة فتح والموقف السياسي من دمشق. في حين بقي حزب الله في لبنان، محكومًا بالقرار 1701 وبظروف سورية المقلقة له ولحلفائه داخل لبنان.
النظرة الرابعة، هي للأمام، حيث ينتظر طهران، حظر نفطي يبدأ في يوليو/ تموز. وإذا كانت إيران قد رسَمَت خريطتها التجارية الأحفورية للعام الحالي، مع استحضار الاستثناءات التي منحتها الولايات المتحدة لأحد عشر دولة، واستثناءات الأمم المتحدة كذلك فيما يتعلق بمصالح تلك الدول التجارية مع إيران، إلاَّ أن الموضوع، لا ينطوي على كثير من الثقة، فيما سيؤول إليه أهم دخل مالي للموازنة الإيرانية والدخل القومي، وهو ما قد يؤثر حتمًا على مستويات التنمية المقرَّة.
موسكو بدورها تأتي ولديها ثلاث زوايا. الأولى، أنها تستضيف اجتماعًا، هو لأول مرة يجري في دولة من الدول الست الرئيسية المتفاوضة، منذ نوفمبر/ تشرين الثاني من العام 2004 عندما وقَّع الإيرانيون اتفاق باريس، وبالتالي، فهي ترى الأمر بالنسبة لها مزيجًا ما بين «الجهوية السياسية الإقليمية» حيث إيران ومتطلبات التحالف معها، و «الجهوية السياسية الدولية» حيث الفروض الأممية والمصالح مع الغرب. لكن المحصلة بالنسبة لها، هي ألا تكون أراضيها مجرَّد استضافة تفاوضية هزليَّة.
الزاوية الثانية، أنها تأتي إلى هذه الجولة من التفاوض، وهي مقتنعة بأنها لا تريد أن ترى نفسها مكشوفة في منطقة الشرق الأوسط بعد الآن. فوجودها بلا حلفاء، يفقدها أهم مساعيها التاريخية للولوج في هذه المنطقة، التي قاتلت عليها منذ أيام الإمبراطورة كاترين الكبرى. فإذا كانت قد خسرت الأراضي الليبية بعد تدخل الناتو في مارس/ آذار من العام الماضي، والتونسية والمصرية بوصول الإسلاميين إلى الحكم (أو حتى بوصول شفيق القريب من الأميركان) فهي لا تريد أن يتكرر ذلك، في ملف سورية، ولا في ملف إيران النووي، اللتين بقيتا جزءًا من سباق النفوذ والمساومة بين روسيا والغرب عن أمور عدة، ليس أبعدها الدرع الصاروخي المهدد للأمن الروسي.
الزاوية الثالثة، أن موسكو تريد (كما الغرب) أن تتضمن هذه الجولة من المفاوضات، ترتيبات أمنية إقليمية، هي تريدها بالأساس، وليس إيران فقط. ومن المفارقة، أن هذه الجولة، تأتي في أتون معركة الروس والغرب على النفوذ في سورية ومشروع الدرع الصاروخي. لذا، فإن المؤكد، أن هناك نقطة التقاء أكثر وضوحًا، ما بين الرغبة الإيرانية والرغبة الروسية، في طرح ملفات أمنية تصل إلى حدود آسيا الوسطى والقوقاز، حيث تتقاتل أنظمة حليفة إلى واشنطن وأخرى إلى موسكو، وأخرى ذات علاقات متفاوتة في توترها أو تحالفها مع إيران، بشأن النفوذ الأميركي هناك وبحر قزوين.
في كل الأحوال، فإن ما يبدو لغاية اللحظة، أن هناك مؤشرات إيجابية بشأن هذه المحادثات. فقد التقى وزير الخارجية الألماني جيدو فسترفيله نظيره الإيراني على هامش المؤتمر الدولي بشأن أفغانستان، وقال «إن الظروف مناسبة لتسوية الموضوع النووي الإيراني». كما التقى وزير الخارجية البريطاني وليام هيج نظيره الإيراني أيضًا، وتباحثوا في عدة أمور. وهو بالمناسبة أول لقاء يجري بين الجانبين منذ عام مضى، بعد توتر العلاقة بين البلدين عقب هجوم محتجين إيرانيين على مبنى السفارة البريطانية في طهران. لكن الجميع بانتظار ما يستجد من تطورات، قد تفاجئ أو تدفع باتجاه محدد للمفاوضات.
إقرأ أيضا لـ "محمد عبدالله محمد"العدد 3572 - الأحد 17 يونيو 2012م الموافق 27 رجب 1433هـ
سلمت يداك
تحليل رائع ولكن أرى أنا السياسة الإيرانية تأتي دائما بعكس المتوقع في موازين السياسة
رأي
تحليل رائع اخي محمد واضيف أنني اتوقع للمحادثات ان تواجه صعوبات كبيرة