سمعت الكثير من القصص حتى أشبعت ذاكرتي من مآسيها، ولم أتخيل يوماً أن أكون أنا الآخر صاحب قصة مشابهة في رحلتي البسيطة للعلاج في مجمع السلمانية الطبي، فما أعاني منه صادف الكثيرين ولست الأول أو الأوحد، فالمسألة لا تعدو إجراء عملية جراحية بسيطة، قد تكلفني فترة انتظار تصل إلى نحو 6 أشهر وربما أكثر من ذلك.
أتحدث عن جراحة بسيطة، فما هو حال المواطن المسكين الذي يحتاج إلى تدخل جراحي عاجل لإنقاذ حياته من مرض ما - حفظ الله الجميع من كل مكروه - فربما يرى الموت أمامه وهو يكابد للتمسك بالحياة على أمل أن يستكمل ما تبقى له من أيام في هذه الدنيا الفانية.
البداية كانت مع المركز الصحي التابع إلى المنطقة التي أقيم فيها، إذ لا يقبل مجمع السلمانية الطبي أية حالة بصورة مباشرة، إلا بعد التحويل من المركز الصحي الذي يتلقى فيه المريض العلاج المبدئي بشكل دائم، وقد يستغرق الحصول على موعد بعد التحويل أشهرا بحسب جدول المواعيد، وذلك من دون النظر إلى طبيعة الحالة وأهميتها في بعض الأحيان.
وفي اليوم الموعود، وبعد نحو ساعة من الانتظار والترقب والسؤال عن موعد الدخول على الطبيب، تم استدعائي وكنت أتوقع وأنا جالس في الخارج أن المسألة لن تستغرق أكثر من الكشف الطبي، وأن الحالة التي أعاني منها تستدعي تدخلاً جراحياًً عاجلاً قد لا يستغرق أكثر من أسبوع، ولكن المفاجأة التي هوت على رأسي كالمطرقة، أن تشخيص الحالة يتطلب عمل بعض الأشعة وفحصاً مختبرياً، وهو في حد ذاته أمر اعتيادي وروتيني يلجأ له أي طبيب، غير أن المشكلة تكمن في التفاصيل.
حين قادتني رجلي إلى قسم الأشعة انتهى بي المطاف إلى موعد في النصف الثاني من شهر أكتوبر/ تشرين الأول 2012، أي بعد أربعة أشهر كاملة بالتمام والكمال، على عكس موظف المختبر الذي أبدى تعاطفاً مع حالتي؛ فحجز موعداً في منتصف يوليو/ تموز المقبل، مشيراً إلى أن أخذ العينة ربما يكون معلقاً أيضاً إلى حين الانتهاء من إجراء الأشعة، أي بعد شهر أكتوبر.
وعلاوة على ذلك كله؛ فإن الطبيب لن يكون قادراً على اتخاذ قرار بشأن إجراء العملية من عدمه إلا بعد أن تتوافر أمامه كل المعطيات والنتائج التي تخوله ذلك، علماً بأن الأرجح هو هذا الخيار الذي قد يبدأ في مطلع يناير/ كانون الثاني 2013.
في ذلك الوقت دخلت في حالة من التفكير العميق، وكان من بين الخيارات أن ألجأ إلى الطب الخاص لأخذ الأشعة وإجراء الفحص المختبري للانتهاء سريعاً من هذه الدوامة الطويلة التي وجدت نفسي في وسطها.
القصة أعلاه رواها لي صديقي وهو يصف التعقيدات والإجراءات المتشعبة لتلقي العلاج في واحد من أهم وأكبر المستشفيات الحكومية في البحرين، ولكن يبقى السؤال: «كيف لمواطن بسيط ذي دخل محدود ويعول عائلة كبيرة أن يوفر المال اللازم للعلاج في العيادات الخاصة لينقذ حياته من الخطر؟ وما هو دور الدولة في توفير حلول بديلة لمشكلة التأخير في إجراء الفحوصات الاعتيادية الطبيعية إن كان المريض مجبراً على تحمل الآلام لأشهر طويلة حتى يتخلص منها بلا رجعة؟ وأنَّى له بعد قرار فصل الطب الخاص عن العام أن يتابع علاجه مع الطبيب ذاته خارج فترة الدوام الرسمي إن كانت الخدمات الطبية تعاني من ضغط شديد يقابله بطء في توفير العلاج؟».
هذه الأسئلة ليست بحاجة إلى تطمينات رسمية في الصحافة المحلية، وإنما إلى اتخاذ إجراءات فعلية للتخفيف من معاناة الناس، فالمواطن يبقى حائراً أمام أمراض العصر التي تتلون وتتعدد وتباغته على غفلة منه، فلا يجد أمامها إلا الاستسلام، فلا هو قادر على التخلص منها، ولا يمكنه الاعتماد على العلاج المجاني المتوافر، وفاتورة الانتظار قد تكلفه غالياً، ويرى نفسه في كل الأحوال أنه الخاسر الأول والأخير.
إقرأ أيضا لـ "أحمد الصفار"العدد 3571 - السبت 16 يونيو 2012م الموافق 26 رجب 1433هـ
المواطن غير مهم
والمريض اصلاً غير مهم لذلك مصلحته لا تحسب عند اتخاذ القرارات المصيرية بمن يعالجه.
حينما أوقف طبيبي الأعصاب البحرينيين الوحيدين بقي طبيب هندي واحد يدير القسم فهل نظر من أوقفهما إلى مصلحة المرضى من كل الطوائف؟
وعندما تم إيقاف افضل ممرضي العمليات وأكثرهما خبرة ونقلت مسئولتهما (الواشية بهما) إلى منصب إداري أعلى هل تم الاهتمام بمصلحة المرضى؟
وعندما تم سجن وتوقيف طبيبي جراحة الفك الوحيدين اين كانت مصلحة المرضى؟
المريض غير مهم بتاتاً في هذه المعادلة وليس له صوت إلا صوت الصراخ من الألم.