في الأول من ديسمبر/ كانون الأول 1955م اعتقل رجال الشرطة في أميركا امرأة سوداء لمخالفتها القوانين بعدم التخلي عن مقعدها في الحافلة لرجلٍ أبيض حسبما كان ينص القانون. في ذلك اليوم انطلقت ثورة السود في القارة البيضاء، وبدأوا منذ تلك الحادثة بالمطالبة بإنهاء الفصل العنصري والحصول على حقوقهم الإنسانية، تلك الثورة التي أسست لاحقاً لدولةٍ مدنية، أساسها المواطنة والقانون. دولة يتساوى أمامها المواطنون على اختلاف أصولهم وألوانهم وأديانهم وأفكارهم ولغاتهم أيضاً.
في ذلك الوقت الذي بدأت فيه ثورة السود لم يكن المجتمع الأميركي مهيئاً لذلك، كانت المطالب حينها تجاوزت العرف الذي ساد عقوداً مديدة منذ انتقال السود عبيداً مع أسيادهم البيض للقارة العذراء، لكن رغم الازدراء الذي قوبلت به الثورةُ وقادتُها إلا أن نجاح تلك الثورة خلق لأميركا اليوم وجهها المشرق في كونها الدولة الحاضنة للحريات والتعدديات العرقية والإثنية. ما يفخر به الأميركيون اليوم يعود فضله لثورة السود ولأولئك الأميركيين البيض الذين وقفوا في المكان الصحيح من التاريخ، دعموا الحقوق والحريات، وشاركوا السود ثورتهم وتنازلوا عن امتيازاتهم لصالح المساواة والعدالة وحقوق شركائهم في الوطن.
بعد واحد وأربعين عاماً من الكلمة التاريخية الشهيرة لقائد ثورة السود مارتن لوثر كينج التي قال فيها: «لديّ حلم» وقف الرئيس الأسود باراك أوباما ليقول في كلمته التاريخية أيضاً يوم تنصيبه رئيساً للولايات المتحدة: «هذا هو معنى حريتنا والعقيدة، وهو ما يفسر لماذا رجل وامرأة وأطفال من جميع الأعراق والعقائد يمكن أن يشاركوا جميعاً في الاحتفالات في ساحة المول، ولماذا يقف أمامكم اليوم رجل ويؤدي القسم أمامكم في حين لم يكن ممكناً تقديم خدمة لوالده قبل ستين سنة في مطعم محلي (بسبب لونها)».
هذا الدرس التاريخي الأهم الذي قدمته أميركا يجب ألا يغيب عن الشعوب العربية وهي تمر بمخاض التغيير، وعلينا أن نتعلم من القصص التي صنعت تاريخ الأمم، وأن نختار الوقوف في الجانب الصحيح من التاريخ، أن نتوقف عن ازدراء من لهم مطالب لا تعنينا اليوم لكنها بلاشك ستؤسس لدولة يتساوى فيها الجميع أمام القانون. قد لا نعاني من الفصل العنصري بسبب اللون، لكن هناك الفصل بسبب المذهب، الأصل، المعتقد، وكلها تقع تحت طائلة الفصل العنصري الذي علينا التخلص منه للمضي للأمام. علينا ونحن نجاهد لإيجاد حل لما نمر به ألا ننقضّ على أوجاع الآخرين التي مضت، لأنها تذكرنا بأهمية العمل بجدٍ أكثر لتغيير الواقع وخلق مستقبل يُبنى بفضل أوجاع السابقين لكنه لا يتجاوزها.
قائد ثورة السود في أميركا قال ذات يوم: «لديّ حلم بأن يوم من الأيام أطفالي الأربعة سيعيشون في شعب لا يكون فيه الحكم على الناس بألوان جلودهم، ولكن بما تنطوي عليه أخلاقهم» أنا أيضاً لدي حلم أن يعيش أبناؤنا جميعاً في بلد لا يكون فيه الحكم على الناس بأصولهم وألقابهم ومذاهبهم بل بمقدار عطائهم لهذا البلد، لنتعلم من التاريخ، ليسع أفقنا دروس الأمم الأخرى فالزمن لا يحتمل أن نمر بكل التفاصيل.
إقرأ أيضا لـ "مريم أبو إدريس"العدد 3568 - الأربعاء 13 يونيو 2012م الموافق 23 رجب 1433هـ
الحلم الضائع
يبدو ان هذا الحلم كان مرسوما على جدار الليل فلما ذهب لم يعد كما كان !!
وربما كانت على نسج أضغاث أحلام والذي يبدو لي والظاهر من عدم ثبوت هذة الاحلام التي هرمنا من أجلها !!
فمتى نراها راي العين قبل أن يحكيها من بعد أولاد أولادنا لأبنائهم ؟!
شكراً لهذا القلم
أشكر قلمك استاذة مريم فعلاً اتمنى ان يعي شركائنا في الوطن ما نقوم به من اجل مستقبل افضل يسود فيه العدل و الانصاف
lمرض التمييز
هذا هو السبب لماذا لم تأتي المؤتمرات بما يصبوا إليه الآخرون و تبقى التوترات قائمة
بوتيله
شكرا" لك على طرح مثل هذا الموضوع اليوم الدرس للشعوب ...بكره ياختي يامريم كتبي موضوع درس للملوك وشوفي لك شخصيه عادله ومتواضعه لكي يتعضو منها