العدد 3568 - الأربعاء 13 يونيو 2012م الموافق 23 رجب 1433هـ

شبح الإخفاق في حل الأزمة السورية يطارد «الوسيط» كوفي عنان

يواجه الوسيط الدولي والأمين العام السابق للأمم المتحدة، كوفي عنان الذي يطارده شبح إخفاقه في وقف الإبادة الجماعية في رواندا قبل نحو 20 عاماً أزمة أخرى باعتباره الشخص المسئول عن جهود الوساطة في الأزمة الراهنة في سورية.

يؤمن عنان بشدة بالسعي إلى التوصل لتوافق آراء حتى في ظل استحالة ذلك فأصبح مرة أخرى يواجه موقفاً تراجعت فيه الجهود الدبلوماسية التي يقوم بها أمام القتل الجماعي بدلاً من أن تكون خطوة لإقرار السلام. وعلى الرغم من كونه وسيطاً للأمم المتحدة والجامعة العربية وتحذيره من الأوضاع في سورية بكل ما أوتي من قوة فإنه لم يتمكن من جعل القوى العالمية المنقسمة أو الرئيس السوري، بشار الأسد يعملون على وقف القتل. وتعززت مؤهلاته باعتباره رجل دولة بارزاً من الممكن أن ينجح في الوساطة في سورية بسبب نجاحه في وقف صراع متصاعد في كينيا قبل أربع سنوات. لكن اتضح أن الوضع في سورية أصعب بكثير.

وقال فريد ايكهارد الذي عمل متحدثا باسم عنان خلال توليه منصب الأمين العام للأمم المتحدة لـ «رويترز» «تدفعه فكرة لا تفكر بشكل سلبي ... يتطلع دائماً لأفضل النتائج... سنرى إن كان ذلك كافياً». وخلال أكثر من أسبوع منذ مناشدة عنان الأسد اتخاذ «خطوات جريئة» لإنجاح خطته للسلام اتهمت قوات الرئيس السوري بارتكاب المزيد من المذابح كما قصفت المزيد من معاقل المعارضة وتم أطلاق النيران على مراقبي الأمم المتحدة. ومع تدهور العنف الطائفي لم يكن بوسع عنان هذا الأسبوع سوى التعبير عن قلقه والمطالبة بالسماح بدخول مراقبي الأمم المتحدة للتحقيق في جرائم القتل. وقال المتحدث باسم عنان الثلثاء إنه يأمل عقد اجتماع لمجموعة الاتصال الدولية بشأن سورية قريباً لكن لم يتم بعد تحديد المكان أو قائمة المشاركين. وعندما سئل عنان في أواخر الشهر الماضي ماذا من المفترض أن يحدث قبل إعلان فشل خطة السلام أجاب أن مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة وحده هو الذي يمكن أن يقرر. وأضاف «عندما تتعامل مع مثل هذه القضايا فإن وضع الخطوط الحمراء ليس بالأمر الهين».

نشأ عنان (74 عاماً) في غانا وسط ثقافة منقسمة عرقياً لكنها تقدر الحوار ويندر فيها الصراع المباشر. كان زمناً يشيع فيه التفاؤل والثقة بينما كانت غانا تتجه نحو الاستقلال عن بريطانيا. قال الاقتصادي كوامي بيانيم وهو من أصدقاء الطفولة لعنان «ولد وتربى في بيئة تتطلع للحلول الوسط». نجحت هذه الطريقة فيما يبدو في انتخابات الرئاسة الكينية العام 2007 عندما أعلن مرشحان متنافسان من قبيلتين مختلفتين الفوز وانخرط بعض من أتباعهما في مذابح عرقية ما أسفر عن سقوط أكثر من 1200 قتيل. وبينما كانت البلاد تتجه فيما يبدو نحو حرب أهلية أجلس عنان المرشحين في غرفة وقال لهما «هناك كينيا واحدة فقط». وساعد على إقناع أحد المنافسين بقبول منصب رئيس الوزراء في حكومة مشتركة. وانتهى العنف ونال دوره الإشادة والاستحسان. وقال سالم لون من معسكر المعارضة الكينية التي شعرت أنها تعرضت للخديعة «إنه مفاوض ماهر للغاية. اتضح لنا أنه عرض علينا أفضل المتاح... كان البديل هو استمرار القتل الجماعي». ولون مسئول سابق في الأمم المتحدة أيضاً. لكن في وقت مبكر من مشوار عنان السياسي كان تاريخه لا يحفل بقدر كبير من النجاح. كان رئيساً لعمليات حفظ السلام بالأمم المتحدة العام 1994 عندما أقر بأنه كان يجب أن يبذل مجهوداً أكبر لمنع قتل 800 ألف من التوتسي والهوتو المعتدلين في رواندا. وقال منتقدوه إنه اختار بدلاً من ذلك مسار الإجراءات الرسمية والدبلوماسية.

وقال ديفيد بوسكو من الجامعة الأميركية في واشنطن «أصبح متمسكاً بصورة كبيرة بهذه العملية لكن في النهاية لا تخدم العملية من خلال الالتزام بها إلى حد اللامعقول». ومن أكبر الانتقادات التي وجهت لعنان هي أنه لم يستجب لبرقية من قائد قوات حفظ السلام التابعة للأمم المتحدة في ذلك الوقت، الجنرال روميو داليري حثه فيها على اتخاذ خطوة ضد تخزين متطرفين من الهوتو للسلاح وهم يتأهبون لارتكاب مذابح.

وقال عنان بعد سنوات «كنت أظن في ذلك الوقت أنني أبذل أقصى ما في وسعي... لكني أدركت بعد المذبحة أنه كان بإمكاني وكان لزاماً عليّ بذل المزيد من الجهد لإطلاق صيحة تحذير وحشد التأييد». وفي كتاب لاحق انتقد بشدة عدم تحرك العالم لوقف المذابح لم يتحدث داليري عن عنان سوى بالخير ووصفه بأنه أظهر «إنسانية نادرة وإخلاصاً لمحنة الآخرين». ولم تكن رواندا بقعة السواد الوحيدة. بل كان عنان رئيساً لجهود حفظ السلام وقت مذبحة سربرينيتشيا في البوسنة حيث لم تتمكن قوات غير كافية من الأمم المتحدة من وقف القتل وأيضاً خلال مأساة في الصومال سبقت رواندا. ويقول المدافعون عن عنان إنه حاول إرسال ما يكفي من القوات وحشد تأييد القوى الكبرى لإحداث فارق في البوسنة ورواندا. ويقول منتقدون إن احترامه للقيود التي أصبح يستوعبها جيداً من عمله في الأمم المتحدة عشرات السنين حالت دون ذلك. وخلال فترة السنوات العشر التي تولى فيها عنان أمانة الأمم المتحدة واجه مزاعم بسوء إدارة برنامج النفط مقابل الغذاء في العراق.

وعلى الرغم من تبرئة عنان من ارتكاب أية مخالفات فقد اتضح أن ابنه كوجو استغل صلاته بالأمم المتحدة للحصول على مزايا بشكل غير ملائم. حتى وساطته في كينيا ورغم اعتبارها ناجحة بصفة عامة في وقف العنف إلا أن هناك بعض الانتقادات. إذ يعتقد البعض أن جهوده في الوساطة غضت الطرف عن انتخابات انطوت على كثير من التجاوزات بترفع مبالغ فيه ما أتاح للخاسر المحتمل الاحتفاظ بالسلطة وعدم بذل ما يكفي من الجهود لمنع قيام صراع في المستقبل.

و قال موتاهي نجوني من مركز أبحاث (كونسلتينج هاوس) الذي قدم المشورة الأمنية للمفاوضين «بنية السلام لكوفي عنان كانت معيبة... دوره لم يساعد سوى في تهدئة الأجواء». وما من شك أن ميزة وساطة عنان في كينيا هي أنه كانت تتوافر له مساندة زعماء المنطقة وقوى مجلس الأمن مع عدم وجود أي أغراض خفية. لكن الوضع في سورية مختلف. إذ إن الدول الغربية تدفع في اتجاه نهاية تؤدي إلى رحيل الأسد. في حين أن روسيا والصين تبدوان مستعدتين لاستخدام حق النقض (الفيتو) ضد مثل تلك الخطوات في مجلس الأمن. وقال إيكهارد «بدون المساندة السياسية من الحكومات والتركيبة الملائمة للحكومات في السياق الملائم لا يمكن فعل أي شيء». ويقول منتقدو عنان إن إصراره على التوافق والدبلوماسية من المرجح أن يذكي بدلاً من أن يطفئ صراع يأخذ منحى طائفياً بشكل متزايد مع تكثيف القوات السورية الجهود للقضاء على المعارضين الذين يشنون بدورهم أيضاً المزيد من الهجمات. وقال بوسكو «أعتقد أنه سقط ضحية للعنة الوسيط... وأن كل الخيارات الأخرى غير ملائمة». وأضاف بوسكو «خرج عن المسار وهو يحاول إظهار أن الخيارات الأخرى لا تصلح وأعتقد أن هذا خطأ» وأشار إلى عدم وجود رغبة في خيارات مثل التدخل المسلح. وأظهرت المذبحة التي ارتكبت الشهر الماضي في الحولة والتي سقط خلالها 108 قتلى غالبيتهم من النساء والأطفال فائدة وجود مراقبين للأمم المتحدة للشهادة على الأقل على الرغم من فشل وقف إطلاق النار الذي توسط فيه عنان في 12 ابريل/ نيسان. وقال مراقبو الأمم المتحدة إنهم يعتقدون أن الجيش وميليشيا موالية للأسد وراء مذبحة الحولة. لكن هذه المذبحة وغيرها الكثير منذ ذلك الحين -منها مذبحة أخرى قتل خلالها 80 شخصاً في قرية أخرى- أظهرت مدى عجز المراقبين الذين وجدوا صعوبة حتى في الدخول إلى المواقع المفترضة للمذابح. ووصف عنان مذبحة الحولة بأنها نقطة تحول في الصراع. ومن الممكن أن ينطبق ذلك أيضاً على أي فرصة للتفاوض من أجل إنهائه.

تساءل إيكهارد قائلاً «هل يرى طريقاً للخروج من الأزمة؟ ربما لا. لكني لا أعتقد أن هذا كان من الممكن أن يوقفه».

العدد 3568 - الأربعاء 13 يونيو 2012م الموافق 23 رجب 1433هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً