استقبلت تونس في الأسبوع الماضي وفي الفترة الممتدة بين 4 و6 يونيو/ حزيران 2012 المؤتمر القومي العربي في دورته 23، ويأتي استقبال تونس الجديدة لنخبة من خيرة المثقفين من هذه الأمة الذين تضمّهم الأمانة العامة للمؤتمر العربي في فترة صعبة من تاريخ هذه الأمة المبتلاة. لكن جيل شباب اليوم قد يتساءل عن ماهية هذا المؤتمر وتأسيسه وأهدافه كما قد يتساءل كثيرون عن واقعه ومستقبله.
المؤتمر القومي العربي هو منظمة وإطار عمل سياسي يجمع عدة شخصيات عربية ذات توجّه قومي وقد سبق انعقاد مؤتمره الأول في باريس 1913 إرهاصات مهّدت له؛ فمنذ نهاية القرن 19 شهدنا يقظة القومية العربية مطالبة بإصلاح الحكم وتحقيق المساواة مع الأتراك ثم دعت إلى الاستقلال الذاتي والحكم اللامركزي، وفي هذا الإطار تكوّنت الحركات والجمعيات والتنظيمات العربية التي هدفت إلى الدفاع عن حقوق العرب ومصالحهم وكيانهم المستقل ومن أبرز هذه الجمعيات «الجمعية العربية الوطنية» (باريس 1895) ورابطة الوطن العربي 1904 وجمعية النهضة العربية 1906 وجمعية العربية الفتاة التي تأسست سنة 1909 من الطلاب العرب في باريس وكان لها دور كبير في عقد المؤتمر العربي الأول سنة 1913 في باريس.
وهكذا يمكن الحديث بوضوح عن دور فكري وسياسي فعّال للمثقف العربي مشرقاً ومغرباً فضلاً عن الدور السياسي الذي أدّاه المؤتمر الأول في مرحلة الهجمة الاستعمارية بداية القرن 20 لقد نشأ هذا المؤتمر في إطار يقظة القومية العربية ومثّل آنذاك تجمّعاً كبيراً لمجموعة من المثقفين العرب يجمعهم الحرص على حرية الأمة وكيانها الموحّد. لكن لم يعقد المؤتمر دورته الثانية بل صار مجرد ذكرى جميلة إلى أن كان العقد الأخير من القرن العشرين، وبعد أن عصفت بالأمة كوارث وأزمات، قوِيَ مشروع إعادة تفعيل فكرة المؤتمر القومي العربي وعُقد في دورة أولى جديدة في تونس من 3 إلى 5 مارس/ آذار 1990 وحافظ المؤتمر على انعقاده باستمرار سنوياً لتكون الدورة 23 في تونس أيضاً، حيث انعقد افتتاح المؤتمر في قاعة حقوق الإنسان بمقر وزارة حقوق الإنسان والعدالة الانتقالية وليس ذلك من المصادفة في شيء وإنما هي رسالة توجهها الحكومة التونسية إلى المؤتمرين العرب لتؤكد هذه المرّة أن تونس حكومة وشعباً - لا شعباً فقط كما كان الحال سابقاً - هي مع المؤتمر القومي العربي ومع كل نشاط حقوقي يناصر القضايا العادلة لأنه من أجل ذلك قامت في تونس ثورة الكرامة، ولئن كان انعقاد المؤتمر في تونس قانونياً وتسلسله طبيعياً فإنه جاء أيضاً تحية لشعبها المعطاء.
أما عن زمانه فهو يأتي بعد 99 سنة من المؤتمر العربي الأول (يونيو1913) ليرث عنه بعد قرن من الزمان هدفاً لم يتحقق إلى اليوم حيث قال المؤتمرون أن اجتماعهم آنذاك يهدف إلى: «البحث عن التدابير الواجب اتخاذها لوقاية الأرض المترعة بدم الآباء العظام ورفات الأجداد الأباة من عادية الأجانب وإنقاذها من صبغة التسيطر والاستبداد وإصلاح أمورنا الداخلية... حتى يشتدّ بها ساعدنا وتستقيم قناتنا فينقطع بذلك خطر الاحتلال أو الاضمحلال... ويظهر للاعبين بحياة الشعوب أننا أمة عيوف الضيم لا تستنيم لذلّ ولا تستكين لمسكنة». فأين نحن اليوم من هذه الأهداف؟
كما يأتي هذا المؤتمر بعد 45 سنة من النكسة فالخامس من يونيو وهو اليوم الثاني من أشغال المؤتمر يصادف ذكرى النكبة لأنّ يوم 5 يونيو 1967 علامة فارقة في حياة الأمة وفي صراع الشعب العربي مع الصهيونية والإمبريالية والرجعية العربية هو يوم النكسة التي حلت بالأمة انطلاقاً من فلسطين وتخومها من الأراضي العربية التي احتلتها إسرائيل.
إن اختيار المكان تونس مهد الثورة العربية الثانية واختيار الزمان ذكرى النكسة يحمّل بلدان الربيع العربي كل المسئولية تجاه القضية الفلسطينية/القضية المركزية للأمة العربية وإنّ الحكم التاريخي على جدارة هذه الثورات سيكون بمدى التزامها بتحرير فلسطين والعودة بها كقضية مركزية للأمة.
إن انعقاد المؤتمر لا يتزامن مع ذكرى النكسة فقط بل ويتحاين مع واقع عربي متردّ في زمن بات الواحد منا يكتفي بتعداد الانهيارات التي تدك أسس وجدران البيت العربي فهذه سورية تمرّ بمصيبة هي الأسوأ في تاريخها الحديث والمعاصر فمع كل دورة شمس يسقط المئات من أبناء دمشق ولا تسل عن السودان الذي تحول إلى سودانين وهاهو الاستقطاب الطائفي يهدد العراق ولبنان واليمن وهاهي القدس تضيع بين تهويد وتسويف في مزادات السياسة.
أما عن المستقبل فإن المشاركين أكدوا على ضرورة تعاون التيارين القومي والإسلامي في هذه المرحلة بالذات لتحقق الأمة نهوضها وتكمل مسيرتها وقد أكد على ذلك رئيس حركة النهضة راشد الغنوشي بقوله: «لا تصادم في ما بين المقوّمين الرئيسيين لشخصية الدولة أي العروبة والإسلام ومن جانبه أكد رئيس اللجنة التحضيرية لإعداد المؤتمر أحمد الكحلاوي أنه لا بد لأمتنا أن تصنع ما يمكن تسميتها الكتلة التاريخية (الوحدة بين التيارين القومي والإسلامي) لتحرير أمتنا مؤكدين أن هذا الطائر يحتاج لجناحيه كي يقلع: العروبة والإسلام.
إذن هاهو المؤتمر القومي العربي ينعقد من جديد وفي عيون المتشائمين تساؤل كبير: «هل فيه من جديد؟ «ومرّوا بمحاذاة المؤتمر لأنهم يرونه يمرّ بمحاذاة القضايا العربية الحارقة. وبعض المتفائلين قالوا: «إن في هذا المؤتمر رجال فكر وسياسة لبعضهم عيون زرقاء يمامية إلا أن أصواتهم قد لا تسمع وأفكارهم قد لا تراوح مكانها فتظل على أوراق المؤتمر».
إقرأ أيضا لـ "سليم مصطفى بودبوس"العدد 3566 - الإثنين 11 يونيو 2012م الموافق 21 رجب 1433هـ
نرجو غير ذلك
ن في هذا المؤتمر رجال فكر وسياسة لبعضهم عيون زرقاء يمامية إلا أن أصواتهم قد لا تسمع وأفكارهم قد لا تراوح مكانها فتظل على أوراق المؤتمر».
نحن في حاجة لهم مثقفونا
اتمنى يكون لهم نفس ما تفضلت"دور فكري وسياسي فعّال للمثقف العربي مشرقاً ومغرباً
شكرا على المعلومات
حقا جازاكم الله ألف خير على ما تتحفنا به من معلومات كل ثلاثاء
صرت من قرائك لأني أجد المعلومة التي أجهلها وأقرأ الموقف الذي أحترمه
أما عن المستقبل
فعلا المستقبل غير واضح
فهل بإمكان المؤتمر القومي العربي أن يقدم صورة واضحة وممكنة التحقيق؟؟؟؟؟؟؟؟