عندما بدأ الأسير الفلسطيني، خضر عدنان إضرابه عن الطعام في شهر يناير/ كانون الأول الماضي، فتح فصلاً جديداً في حركة اللاعنف الفلسطينية، انتهى بنجاح قبل أسبوعين، بعد أن وافقت إسرائيل على عدد من المطالب الرئيسية التي وضعها الأسرى الفلسطينيون.
انتهى إضراب خضر عدنان، الذي استمر لمدة 66 يوماً في فبراير/ شباط بعد أن وافقت السلطات الإسرائيلية على إطلاقه في شهر أبريل/ نيسان.
تبع ذلك الإضراب قيام مئات من الأسرى الفلسطينيين بالإضراب عن الطعام في عدد من السجون الإسرائيلية، في خطوة أثبتت أن عملاً لاعنفياً على مستوى واسع يستطيع أن يكون أكثر فاعلية من العنف.
أقنعت حنان شلبي، الأسيرة الثانية التي أضربت عن الطعام، السلطات الإسرائيلية بإطلاق سراحها وترحيلها إلى قطاع غزة. بعد ذلك، أضرب كل من بلال دياب وثائر حلاحلة عن الطعام لمدة 76 يوماً، وحطما الرقم القياسي الذي كان قد حققه الناشط الإيرلندي بوبي ساندز، الذي توفي في سجن بريطاني بعد إضراب عن الطعام استمر مدة 66 يوماً.
وفي شهر إبريل، انضم إلى دياب وحلاحلة نحو 1600 أسير فلسطيني في جميع سجون إسرائيل، أضربوا جميعاً عن الطعام لمدة 28 يوماً، ولم يتوقفوا عن إضرابهم حتى يوم 14 مايو/ أيار عندما وافقت السلطات الإسرائيلية على حل وسط عادل لمطالبهم الرئيسية، شمل تحديد فترات السجن الانفرادي والسماح لهم بالدراسة وهم في الأسر وحقوق الزيارة للسجناء من غزة، بما فيها حق الاتصال الفعلي مع أفراد عائلاتهم بشكل مباشر.
يعتبر الإضراب عن الطعام واحداً من أدوات المقاومة الشعبية السلمية التي يستخدمها السجناء السياسيون للمطالبة بالحقوق التي وفرتها لهم المعاهدات الدولية.
ولدى انتشار الإضراب عبر السجون، برزت قضية المضربين عن الطعام إلى اهتمام الدوائر العالمية وخاصة منظمات حقوق الإنسان، فجرى تنظيم الاعتصامات تضامناً مع الأسرى المضربين عبر الجامعات في أنحاء عديدة من أوروبا.
على المستوى المحلي، بما في ذلك الضفة الغربية وقطاع غزة وفي الداخل الإسرائيلي، لاقت الإضرابات عن الطعام دعماً من الشعب الفلسطيني، الذي نصب الخيام في مراكز المدن والقرى ونظّم المسيرات دعماً للأسرى.توجهت العديد من هذه المسيرات نحو سجن عوفر، أحد السجون المركزية في الضفة الغربية حيث قوبلت بأساليب تفريق التجمعات كالغازات المسيلة للدموع والرصاص المطلي بالمطاط، رغم أن هذه المسيرات الاحتجاجية كانت سلمية بشكل كامل.
سبيل اللاعنف سبيلاً مهماً للقيادة الفلسطينية وقضيتها الرئيسية، وهي إنشاء الدولة الفلسطينية. فبالنسبة للقيادة الفلسطينية، تعتبر العودة إلى العنف ضارة لتحقيق مشروع السلطة الفلسطينية ببناء الدولة من خلال دفع الاقتصاد الفلسطيني وإعداد البنية الأساسية للمؤسسات السياسية للدولة.إضافة إلى ذلك، يفهم الفلسطينيون أن العنف يضرّ كذلك بجهود العلاقات الدولية العالمية التي عملوا على تحقيقها خلال السنوات القليلة الماضية.
حققت حملات لاعنفية أخرى عبر الضفة الغربية كذلك العديد من النتائج، فقد نجحت قرية بدرس، التي ناضلت بشكل لاعنفي لسنوات كثيرة ضد مخططات بناء جدار الفصل على أراضيها في التأثير على السلطات الإسرائيلية لتغيير مجرى الجدار. كما تستمر حملات مماثلة في قرى أخرى في الضفة الغربية مثل نعلين وبلعين والنبي صالح.
أظهر إضراب الأسرى عن الطعام، الذي وحّد الأسرى من المجموعات السياسية المختلفة لكل من الشعب الفلسطيني والمجتمع الدولي ما يمكن تحقيقه من خلال قضية مشتركة باستخدام اللاعنف.ربما يكون الدرس الرئيسي الذي يمكننا تعلّمه من إضراب الأسرى عن الطعام هو أن النضال السلمي اللاعنفي على المستوى الشعبي هو أكثر أشكال المقاومة نجاحاً. كما يظهر الإضراب الحاجة لخطة شاملة جماعية للشعب الفلسطيني تقبلها جميع الأطراف، وأيضاً الحاجة لأن تقوم كافة الفصائل داخل المجتمع الفلسطيني بالعمل معاً لتطبيق هذه الخطة.كما أظهر أنه يتوجب على الشعب الفلسطيني العودة إلى الشوارع والمطالبة بحقوقه في الدولة من خلال نضال شعبي لاعنفي.
يتوجب كذلك على الإسرائيليين اليهود الذين يشاهدون هذه التطورات أن يفهموا أنها تمثل تحوّلاً عميقاً داخل المجتمع الفلسطيني باتجاه اللاعنف ورؤيتة كفرصة مهمة.فالنضال اللاعنفي لإنشاء دولتنا يعدّ خطوة حاسمة نحو حلّ الدولتين الذي سيعود بالفائدة على كلا الشعبين.
إقرأ أيضا لـ "Common Ground"العدد 3565 - الأحد 10 يونيو 2012م الموافق 20 رجب 1433هـ