«يا الله عاد، خلنا نمشي أنا مو فاضي حق هذي المواد»!
لم يتوقع كل من المعلم والطالب أن تكون ردة فعل ولي الأمر (الأب) بهذا المستوى من قلة الوعي والإدراك والمعرفة بحقوق الإنسان واللامسئولية.
الموقف ليس من نسج المبالغة أو الخيال، وإنما وقع في (اليوم المفتوح) بإحدى المدارس الثانوية، عندما كان الطالب واقفاً يسلِّم على أحد معلميه بإعجاب، وما إن سارع الطالب بعفويته ليعرِّف أباه على المعلم حتى تفاجأ بهذه الإجابة.
حاول الطالب احتواء الموقف واستدراك الوضع والاعتذار للمعلم عن الإساءة التي طالت شخصيته وأهانت إنسانيته، وفي النهاية يبدو أن كليهما (المعلم والطالب) كانا متصالحَين ومتفقَين بأن ما حدث إنما هو نتيجة وليس سبباً يتحمل تبعاته ولي الأمر.
قد لا نختلف إطلاقاً على مسميات المراحل الدراسية الثلاث (الابتدائية والإعدادية والثانوية)، فعندما نعبِّر عن التعليم الابتدائي بأنه مرحلة (التعليم الأساسي) إنما هو من باب التصنيف وليس التمييز الذي يختزن بداخله إيحاءات تتنافى مع حقوق الإنسان كما هو حاصل بالنسبة لمصطلح «المواد الأساسية».
مؤخراً، ونتيجة لما ينشر يومياً في الصحف ووسائل الإعلام المحلية عن الأخبار التي تخص التعليم، برز بقوة مصطلح «التعليم الأساسي» سواءً في الأخبار المتعلقة بمشاريع تحسين أداء المدارس في وزارة التربية والتعليم أو المعايير التي تستند إليها جهات التقييم الخارجي كهيئة ضمان جودة التعليم والتدريب.
فعلى سبيل المثال، نقرأ في الموقع الإلكتروني التابع لهيئة ضمان جودة التعليم والتدريب في سياق التعريف بالامتحانات الوطنية على أنها «تهدف إلى إعطاء مقياس واضح وشامل عن تطور مهارات أبنائنا الطلبة المعرفية واللغوية والحسابية في نهاية كل حلقة دراسية في المواد الأساسية (اللغة العربية واللغة الإنجليزية والرياضيات والعلوم).
الفكرة التي ترسخت لدى الكثيرين من المعلمين والطلبة وأولياء الأمور بأن هناك مواد أساسية وأخرى غير أساسية، وبالتالي لابد أن تصب جميع الجهود والإمكانيات في صالح مواد دراسية بعينها دون أخرى.
ولتقريب الصورة أكثر، تخيَّلوا معي حجم الخطأ الذي يقع فيه عدد من الأندية الرياضية التي لا تفكر بشكل استراتيجي عندما تولي اهتماماً كبيراً برياضة معينة ككرة القدم مثلاً على حساب كرة السلة أو الطائرة أو اليد، فتكون النتيجة تراجع أداء اللاعبين في سائر الأنواع الرياضية الأخرى ما عدا لعبة كرة القدم، وإحساس كثير من اللاعبين بأن ثمة ظلماً وتمييزاً وقع عليهم على مستوى الاهتمام والرعاية والدعم المالي والفني وما شابه ذلك، وبالتالي يغيب عن بال هذه الأندية مدى التأثير السلبي لهذه السياسات والممارسات الرياضية الخاطئة والقائمة أساساً على التمييز بين اللاعبين.
هذا المشهد الرياضي يمكن تفسيره من منظار تربوي وسيكولوجي، وخصوصاً نحن نتحدث عن مكونات ثلاثة، الأول: (إدارة النادي في مقابل الجهات الرسمية التي ترسم السياسات التعليمية والخطط والبرامج ومعها الإدارات المدرسية وهيئات التقييم الخارجي)، الثاني (اللاعبون في النادي ويقابلهم المعلمون والطلبة)، الثالث: (الجماهير الرياضية ويقابلهم أولياء أمور الطلبة).
وضع المدارس يكاد يكون شبيهاً بالأندية الرياضية من هذه الزاوية، فعندما تكون المدرسة على علم بأن هناك زيارة مرتقبة لهيئة ضمان الجودة فإن الاستعدادات والاستنفار على قدم وساق من أجل عيون المواد الأساسية التي سبق ذكرها، بحيث يجتهد اللاعبون (معلمو المواد الأساسية والطلبة) في سبيل تحقيق أعلى درجات التقييم بدعم مباشر من الإدارة والمسئولين، وكلما ركزت إدارة النادي على رياضة معينة وضخت المبالغ الخيالية من أجلها لقيت بذلك استحساناً من قبل الجماهير المشجعة، وهكذا كلما روجنا لفكرة «المواد الأساسية» نواجه بجماهير (أولياء أمور) يصفقون لأبنائهم فقط عندما يتفوقون في المواد الأساسية وربما لا يهمّهم حينئذٍ بقية المواد الأخرى!
نتحمل جزءاً من الخطأ عندما قمنا بالفصل بين المواد الدراسية عن طريق الوحدات الدراسية المستقلة، وأفضل المعالجات في هذه الحالة لإعادة الهيبة والمكانة لجميع المواد الدراسية دون استثناءً أو تمييز بين مادة وأخرى هو تبني المنهج التكاملي الذي يحبِّب الطلبة أكثر للمواد بشكل عام، والذي يقوم بدمج الموضوعات الدراسية المتعددة التي تقدَّم للطلبة في منظومة مترابطة ومتكاملة تسهم في تخطِّي الحواجز بين المواد الدراسية المختلفة، بأن يتعلم الطلبة مثلاً في مادة اللغة العربية قصائد شعرية في العصر العباسي، وفي الوقت ذاته يتحدث لهم معلم مادة التاريخ عن تاريخ الدولة العباسية، ومعلم الجغرافيا عن حدود الدولة العباسية وموقعها على الخارطة السياسية الجغرافية آنذاك وهكذا.
لابد لنا جميعاً، سواءً كنا مسئولين أو معلمين ومربِّين أو قيادات تربوية أن ندرس جيّداً الإيحاءات التربوية للمصطلحات التي تتداول في المجتمع المدرسي، فلربما يفوح منها بعض ملامح التمييز، حتى وإن كان عن غير قصد.
القرآن الكريم يقدِّم لنا نموذجاً في حركية المفردات ومدلولاتها، قال تعالى: «يَـأَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُواْ لاَ تَقُولُواْ رَاعِنَا وَقُولُواْ انظُرْنَا وَاسْمَعُواْ وَلِلكَافِرِينَ عَذَابٌ أَلِيمٌ» (البقرة: 104)، فهذه الآية نزلت لتوجيه المسلمين نحو استبدال الكلمات التي يمكن أن تعبّر عن معنى سيئ في لغةٍ أخرى، فقد كان المسلمون في المدينة يخاطبون النبي (ص) بقولهم (راعنا) لكي يصغي إليهم بسمعه، ففي اللغة:(أرعيته سمعي) إذا أصغيت إليه، ولكن لها معنىً آخر عند اليهود يوحي بالانتقاص أو بالسب كما في اللغة العبرانية، فمعنى (راعنا) لديهم من الرعونة، ويريدون بها الوقيعة والنقيصة، ولذا أراد الله للمسلمين أن لا يدعوا لليهود مجالاً للاستهزاء بهم، فعلَّمهم أن يقولوا: (انظرنا) أي انظر إلينا أو أقبِل علينا.
إقرأ أيضا لـ "فاضل حبيب"العدد 3564 - السبت 09 يونيو 2012م الموافق 19 رجب 1433هـ
حقوق الانسان بين الواقع والممارسة
استاد فاضل المشكلة ليست في المنهج الدي تطرحة وزارة التربية المشلكة في التطبيق اعطيق مثال المنهج يتكلم عن الديمقراطية والشعب مصدر السلطات فهل فعلا الشعب مصدر السلطات نحن كمدرسين نعاني من مشكلة اقناع الطلاب بهدا المقرر لانة يناقض الواقع والطالب يقول انا ادرسة فقط من اجل الدرجات لانه لايمثل الواقع الدي نعيشة