العدد 1424 - الأحد 30 يوليو 2006م الموافق 04 رجب 1427هـ

أمطار الصيف... وشقوق الأرض

الشيخ محمد الصفار mohd.alsaffar [at] alwasatnews.com

في كل الأزمات والحروب التي دارت بين الأمة العربية والإسلامية وبين أعدائها، كان رهان العدو دائما على شق الصف الداخلي وتحريك الاصطفافات البينية في معادلة «مع وضد» وكان خوفهم (الأعداء) من الشعوب يدفعهم لاشغالها بالصراع الداخلي بين الفرقاء أو مع حكوماتها، كي تستنفد طاقتها، وتشق داخلها، وتأخذ الأمور بينها طابع الفرز السياسي أحياناً والديني في أحيان أخرى.

حدث ذلك في الحرب العراقية الإيرانية في الثمانينات، وفي الغزو الأميركي للعراق في التسعينات، وأعاد التاريخ نفسه في الاغتصاب الأميركي لأفغانستان، وتكررت الحال مرة أخرى في دك المدرعات والدبابات الإسرائيلية المعتدية لمخيم جنين في فلسطين، ويبدو أن بعضا من هذا «السيناريو» يتكرر الآن في الهجمة العدوانية الآثمة على المقاومة اللبنانية وعلى شعب لبنان وأرضه.

هذه الانشقاقات الداخلية هي مطلب مهم للعدو، وجزء ضروري من معاركه الإرهابية التي يشنها، وهذا ليس مقلقا كثيرا، فهو ديدن الأعداء، لكن المقلق أن تكون الأرضية الداخلية خصبة وقابلة لاستنبات الخلافات والانشقاقات في عالمنا العربي والإسلامي، ذلك أن تصورات الأشقاء عن بعضهم لا تمتاز بالصفاء والوضوح، بل هي قائمة في غالبية الأحيان على المجاملات الهشة أو المصالح المحدودة والمريضة.

إن التجارب التي خاضتها الأمة في أزماتها وويلاتها السابقة تفرض عليها الحذر من المنزلقات التي لا تنفك عن لحظات العسر والظروف الحرجة، كي لا تتكرر المأساة ويفتك بنا العدو ونحن في غفلة وتشاغل ببعضنا.

الآن ونحن في صخب الحوادث وحماوتها ينبغي أن نلتفت للفعل ولردة الفعل سواء كان ذلك من الأنظمة وأصحاب القرار أو من الشعوب التي تؤلمها الحوادث، وتستثير عواطفها وأحاسيسها وقيمها الدينية والأخلاقية.

الأنظمة مدعوة إلى التريث في اتخاذ مواقفها، ومعرفة نمط الشارع الذي تقوده، وطريقة تفكيره ومدى قربه أو بعده من القضايا الساخنة والمتحركة على ساحته أو الساحات القريبة منه. فليس صحيحا أن تتجاهل الأنظمة ويتجاهل أهل القرار آراء الناس وعواطفهم وقيمهم وانتماءاتهم، وتتخذ المواقف بطريقة فجة وبعيدة عن تلك المنظومات الفكرية والقيمية والأخلاقية التي تؤمن بها الشعوب، لأن ذلك مدعاة للسخط الشعبي والانفصال الحقيقي بين الأنظمة الحاكمة وشعوبها المحكومة، وهو ما يسعى إليه أعداء الأمة لتنعدم الثقة بين الشعوب وحكوماتها.

إن من العقل والحكمة في هذه الأنظمة أن تتجنب التسرع في اتخاذ مواقفها، وتحاول الاقتراب من ساحاتها الداخلية لجس النبض واستشفاف الرأي، سعيا وراء مواقف مشتركة ومتقاربة، ترى الشعوب فيها كرامتها وآمالها، وترى في أنظمتها فخرها وعزتها.

لقد كشفت الأيام أن الشعوب هي من يعول عليه في الأزمات، وهي الكنز الذي لا ينفد لكل نظام أو جهاز حكم، وهي النصير والعضيد حين الملمات والأزمات، أما غير الشعوب، فتحركها مصالحها وطموحاتها وعدوانيتها على الأنظمة وعلى من تحكمه تلك الأنظمة. فالنظام العالمي ومجلس الأمن وقوات الطوارئ الدولية وغيرها لا يحركها ضمير، ولا تنصر نظاما أو شعبا إلا إذا كان ذلك داخلا ضمن مصلحتها وحساباتها، وإلا فهي من يمدد أمد الحرب والدمار والعذاب كما يحصل الآن على الشعب اللبناني العظيم، وعلى مقاومته البطلة.

الشعوب من جهتها عليها قراءة الأوضاع وفهم المرحلة بعناية شديدة، فليس المطلوب منها أن تخمد وتنام وكأن الأمر لا يعنيها مع ما تشاهده على الفضائيات من مئات القتلى وآلاف الجرحى والمهجرين، كما أنه ليس مطلوبا منها أن تتحرك بعاطفة محضة لا تترك مجالاً لعقلها ليفكر في ما يفيدها من الأعمال من غيرها التي تضرها.

طبعاً حين يكون توافق بين الشعوب وحكوماتها في تحليل الحوادث واتخاذ الموقف المطلوب فإن الأمر يسير جداً، لأن المحاذير عادة تكون محدودة ونادرة باعتبار التناغم بين الموقفين. صعوبة الأمر تكمن حين لا تتطابق المواقف بين الطرفين، ويصبح هنالك تباين في وجهات النظر بين دولة تتخذ قرارها بمعزل عن شعبها وبين شعب تغضبه الحوادث وتحرك ضميره فظاعتها ووحشيتها. هنا ينبغي أن تراهن الشعوب على ما هو متاح لها من أعمال ممكنة كالتبرعات الأهلية، وكتابة العرائض للمؤسسات الدولية ومؤسسات المجتمع المدني، أو المشاركة برأيها في أي موقع إعلامي يتاح لها أن تتعاطى من خلاله، أو بأي شيء آخر ممكن ومتاح. وفي الوقت نفسه عليها أن تمارس مطالبتها لأنظمتها بالعدول عن مواقفها غير المنسجمة أو تصحيح تلك المواقف لتقترب أكثر من رأي الناس وتطلعاتهم.

هذا الأمر يحتاج إلى حكمة كبيرة تتحرك باتجاهين، أحدهما مناصرة المظلوم والوقوف مع الضحية والثاني الحفاظ على القدر الضروري من عدم التصادم وانفلات الأمور بطريقة توجد تفاصلاً وبعداً ليس من صالح الطرفين، ولا يدخل في خانة خدمة القضايا الرئيسية.

لابد من تنفيس

المشكلة تكمن حالياً في أن أمطار الصيف التي تسقطها دولة الإرهاب على الشعبين الفلسطيني واللبناني طال أمدها وهي تزداد كلما مر الوقت، وبذلك حققت تراكما عالياً لا يجد تصريفاً مناسباً بحجمه وقوة ضغطه في بعض مناطقنا العربية والإسلامية. فبعض الشعوب تفقد إمكانية التعبير عن رأيها وتوضيح مواقفها، وذلك لأحد سببين: إما لأنها لا توجد لديها قنوات يمكنها من خلالها التعبير عما يختلج في أعماقها، وإما لأن حال التعبير عن الرأي بشكل مجموعي عبر المسيرات والمظاهرات غير مشرعنة ولا متاحة في بعض الفضاءات العربية والإسلامية.

من الحكمة والضرورة لأهل القرار أن يوجدوا البدائل للممنوعات، كي يقللوا الاندفاع نحوها، ولتبقى حال الحفاظ على النظام والقانون قائمة، من دون أن تسحق أحاسيس الناس وتتغافل عن آلامهم

إقرأ أيضا لـ "الشيخ محمد الصفار"

العدد 1424 - الأحد 30 يوليو 2006م الموافق 04 رجب 1427هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً