هذا ما أسفرت عنه مساعي وزيرة الشر، كوندليزا رايس، التي جاءت تحوم في المنطقة كالغراب الأسود، لتعلن عن «قلقها» لما يجري في لبنان!
قبل خمسة أيام، عندما زارت بيروت، اختلت بأصدقائها، ونزلت فيهم تقريعاً وتوبيخاً لعدم استغلالهم الفرصة الذهبية للإطاحة بالمقاومة فيما مضى، ثم خرجت معهم لتتناول العشاء وهي تضحك لعدسات المصورين.
هذه العجوز العاقر، حمّالة النيران والحطب، جاءت لا لتنقذ أطفال لبنان من نيران الصهاينة، وإنما لتبشّر بولادة «شرق أوسط جديد»، وسط كل هذا البحر من الدماء والأشلاء والدمار، وقالتها بصراحة: «الولايات المتحدة ضد أية دبلوماسية تعود بالأوضاع في لبنان لما كانت عليه من قبل»، فلابد من حرق لبنان وهدم مدنه وقراه على رؤوس أهله، ليقوم فوق أنقاضه شرقها الجديد!
في مؤتمر روما، كان الرأي العام العالمي يطالب بوقف إطلاق النار، ماعدا وزيرة الشر التي وقفت بكل صلافةٍ لتطالب باستمرار المجازر، فبومة الشر لم ترتو بعد من الدماء. وعند وصولها بيروت الأسبوع الماضي، كانت هداياها «القنابل الذكية» قد سبقتها إلى تل أبيب، وفي الوقت الذي كانت تتلقى قبلات بعض المسئولين اللبنانيين، كان يجرى نقل القنابل إلى الجبهة. وغادرت المنطقة لتعطي الفرصة للنيران لتفرض معادلتها على الأرض ليولد ذلك السقط الشائه وسط برك من الدماء.
هذه المرة، ومع عودتها الأخيرة من كوالالمبور إلى المنطقة، وبينما كانت تحتضن أولمرت وتتلقى قبلاته، كانت الدفعة الأولى من «القنابل الذكية» تجرى تجربتها على لحوم الأطفال اللبنانيين النائمين في «قانا» التي لم تنس مذبحتها الأولى بعد.
اللبنانيون اليوم لا يلومون عدوهم «إسرائيل»، ولا يلومون حليفة عدوهم (الولايات المتحدة) لأنها لم تعد تخفي معاداتها السافرة لبلدهم، وتشجيعها على قتل المدنيين وتقويض لبنان. لكنهم يُكثِرون من لوم «الأشقاء العرب»، الذين لم يكتفوا بالسكوت، بل شجّعوا العدوان، وقدّموا له الغطاء المطلوب... في أتعس نكبةٍ أصابت العالم العربي بعد نكبة فلسطين.
اللبنانيون لن ينسوا الفتاوى التي طعنتهم في الظهر في مفتتح الحرب الإسرائيلية الجديدة ضدهم، ولن ينسوا الكتاب الفارغين الذين أصبحوا يعلّمونهم مبادئ الحرب الشعبية، وهم العرب الوحيدون الذين طردوا المحتل الإسرائيلي بالقوة من بلادهم من دون أن يجلسوا معه على طاولة مفاوضات، أو يقبلوا بأية شروط.
اللبنانيون لن ينسوا الخطباء الجبناء الذين يتعيّشون على الفتن بين أبناء الطوائف الإسلامية ليرضى عنهم «أولياء النعم»، تساوقاً مع المواقف الرسمية المتخاذلة، وتشويشاً على المجاهدين في سبيل الله، فتصبح أعظم المصائب عندهم في هذه المرحلة الغفلة والنسيان وليس صواريخ «إسرائيل» التي تقتل الأطفال... ألا في الغفلة سقطوا وإن الفضيحة لمحيطةٌ بالحاقدين. ومن أسفٍ أن هؤلاء الكتاب الطائفيين «العنصريون» يمتطون منابر الجمعة ليحذروا من تعلق الأمة بقيادةٍ زائفة، بينما أجمعت الأمة من مراكش إلى جاكرتا، على تمييز الصادق حفيد الصادق الأمين (ص)، وأعرضت عن الدخلاء المزيّفين.
اللبنانيون وهم في قلب المعركة الكبرى ضد «إسرائيل»، لن ينسوا وقفة بعض الجيوب المتخفية ذات المزاج التكفيري الحاقد، وهي تشكّك في انتصارهم لقضايا المسلمين ودعم إخوانهم في فلسطين. هذه الفئة الانعزالية التي تعيش خارج العصر، كشف أحدهم مواقفها المخزية تجاه قضية فلسطين منذ 1936، ووصفها بأنها بيئةٌ تفتقر إلى فقه الجهاد.
وأخيراً... لن ينسى اللبنانيون أنه بينما كانت تتساقط على أطفالهم القنابل الأميركية الذكية، كانت تتساقط على رؤوسهم القنابل العربية الغبية، من بعض المشايخ الزائفين من لعقة أحذية السلاطين
إقرأ أيضا لـ "قاسم حسين"العدد 1424 - الأحد 30 يوليو 2006م الموافق 04 رجب 1427هـ