نعم، حزب الله تنظيم حر، والمقاومة اللبنانية حرة، والشعب اللبناني شعب حر، الحكومات اللبنانية المتعاقبة حتى في ظل الجنرال فؤاد شهاب حكومات توافقية بين الطوائف، فليكن، لذلك لم تكن حكومات قمعية، وحتى جهاز المخابرات العسكري المكتب الثاني بقيادة جوني عبده في عهد الرئيسين السابقين فؤاد شهاب وشارل الحلو، لم يكن قمعياً مقارنة بأي جهاز مخابرات عربي، وحكومة السنيورة كسابقتها من الحكومات اللبنانية حكومة توافقية، وليس في لبنان قمع الدولة وسيطرتها على جميع مفاصل المجتمع كما ابتليت باقي الدول العربية، لذلك ظل المجتمع اللبناني يتمتع بهامش جيد من الحرية، «لبنان والحرية» صنوان.
لكن عندما احتل لبنان سواء من قبل الفرنسيين أو المارينز الأميركيين أو الصهاينة الإسرائيليين، فإن الشعب اللبناني الحر يقاوم، ولو ببنادق الصيد، ولو بسكين المطبخ، ولو بالحجر. من هنا فإن أضعف بلد عربي، المتهم أبناؤه بالميوعة وبناته بالدلاعة من قبل المخصيين العرب، هو من الشعوب العربية القليلة التي استعصت على الغزاة والمحتلين والمستبدين.
الشعب اللبناني بقياداته التقليدية خوري والصلح وأرسلان، تمردوا على المحتل الفرنسي وأعلنوا الاستقلال وقيام الجمهورية اللبنانية في ظل الاحتلال الفرنسي وسجنهم المحتل الفرنسي في قلعة راشيا في الجنوب، لكنه اضطر أمام مقاومة الشعب اللبناني إلى إطلاق سراحهم والجلاء والاعتراف باستقلال لبنان.
المارينز الأميركي نزلوا على شواطئ لبنان في 1958، وتوافق الشعب اللبناني على إزاحة العميل شمعون الذي استدعاهم وانتخبوا قائد الجيش الوطني فؤاد شهاب الذي أمرهم بمغادرة لبنان.
الجيش الإسرائيلي قصف بيروت والمدن اللبنانية تكراراً واحتل جنوب لبنان، أو شن حرباً ضارية في 1982، واحتل نصف لبنان بما في ذلك بيروت بكاملها، وعلى رغم انسحاب قوات منظمة التحرير الفلسطينية عبر البحار إلى المنافي نبتت المقاومة انطلاقاً من عملية الموفنبيك في قلب شارع الحمراء، شارع الموضة وتوجت بتحرير الجنوب كاملاً في مايو/ أيار 2000 على يد المقاومة الوطنية الإسلامية بقيادة حزب الله، بعد أن أسهمت فيها كل القوى الإسلامية والديمقراطية واليسارية، مسلمين ومسيحيين ودروزاً، لبنانيين وفلسطينيين، وعرب ومناضلين أمميين.
في حرب المقاومة ضد حرب العدوان الإسرائيلي دفع الشعب اللبناني قبل حرب العدوان الأخير ما يزيد عن 150 ألف شهيد من بين 3 ملايين إنسان وهي أعلى نسبة تضحية بعد تضحية الشعوب السوفياتية في الحرب العالمية الثانية.
وحتى الأشقاء الفلسطينيون والسوريون، الذين احتلوا بعضاً من إرادة الشعب اللبناني أو إرادة بعض اللبنانيين لم يستكن لهم اللبنانيون ومع اختلاف الوضع عن المحتلين الأجانب، فما انتهى إليه الأمر من انسحاب القوات السورية، وتحديد دور المقاومة الفلسطينية هو الأفضل وهو ما قبله اللبنانيون.
اللبنانيون ليسوا بشراً استثنائيين وأفراد المقاومة الوطنية الإسلامية ليسوا خوارق بشرية، وحزب الله ليس كائناً اسطورياً، لكنها الحرية التي تشرّب بها اللبنانيون، يرضعونها مع حليب أمهاتهم، وهي قيمة عالية لدى اللبناني، حتى لو وصلت إلى الفردية المفرطة التي عُرف عنها اللبناني، لكنها أفضل بالتأكيد من روح الخضوع التي تشرّبها وتربى عليها ملايين العرب.
يردد اللبنانيون أمثالاً ذات مغزى: الحياة وقفة عز، لبنان مثل نسيم الهوا، لبنان ما في منه.
اللبنانيون أكثر شعب عربي محب للحياة، ويستمتعون بحياتهم بشكل جنوني أحياناً، ويصرف اللبناني ما في جيبه على الجخة والانبساط، لكنه مستعد أن يفقد كل شيء بما في ذلك حياته في سبيل حريته، حريته الشخصية وحرية لبنان.
ستظل الأرزة شامخة على أنقاض الخراب الإسرائيلي، ستظل أرواح الشهداء محلّقة بفرح فوق جبال وتلال وسهول وشواطئ لبنان، سنظل نردد مع فيروز «بحبك يا لبنان يا وطني بحبك».
لبنان ذات قيمة ليس للبنانيين بل للعرب جميعاً، لبنان هو الذي جعل هذه الأمة المهانة على يد حكامها ومحتليها، محتل الأرض الإسرائيلي ومحتل الإرادة الأميركي، ترفع رأسها قليلاً إلى السماء المتغطرس مختبئ في الملاجئ أو الدبابات المدرّعة.
نعم، جراحات لبنان ثخينة، والكارثة عظيمة، لكن هزيمتنا وذلنا أكثر إيلاماً، فالروح المنكسرة أسوأ من الجسد الجريح.
نعم، كرّ الشعب اللبناني كما كرّ عنتر فهو حرٌ حرٌ حر
إقرأ أيضا لـ "عبدالنبي العكري"العدد 1424 - الأحد 30 يوليو 2006م الموافق 04 رجب 1427هـ