العدد 1424 - الأحد 30 يوليو 2006م الموافق 04 رجب 1427هـ

قانا... والمخاض

وليد نويهض walid.noueihed [at] alwasatnews.com

كاتب ومفكر عربي لبناني

هل تكون مجزرة قانا الثانية (الأولى وقعت في عدوان 1996) بداية مخاض «الشرق الأوسط الجديد» أم نهاية المخاض؟ ردة الفعل الأولى من الدولة اللبنانية (رئيس مجلس النواب ورئيس الحكومة) كانت رفض بيروت استقبال وزيرة الخارجية الأميركية كوندليزا رايس. الموقف الرسمي الشجاع الذي لا تجرؤ عليه دول عظمى كالصين وروسيا كان إشارة وطنية من الدولة للرد على إدارة شريرة في الولايات المتحدة. فأميركا التي أوقفت مشروع وقف إطلاق النار تتظاهر بأنها محايدة وتستطيع أن تلعب دور الوسيط بين لبنان و«إسرائيل» بينما كل الوقائع تؤكد أن قرار الحرب اتخذه الرئيس جورج بوش خلال زيارة رئيس الحكومة الإسرائيلي إيهود أولمرت إلى واشنطن.

مجزرة قانا الثانية شكلت نقطة تحول في مسار الحرب الأميركية - الصهيونية على لبنان. فالحرب مضى عليها عشرون يوماً وهي لاتزال تراوح مكانها ميدانياً. وبسبب الضربات الموجعة التي تلقتها المستعمرات الصهيونية والألوية المهاجمة على الأرض أخذت تل أبيب توسع دائرة قصفها للمدنيين والانتقام من الأطفال والنساء والشيوخ والرجال. وسياسة قتل المدنيين ليست جديدة على الدولة العبرية فهي تعتبر وسيلة للثأر ولا تملك غيرها للرد على ساحات المواجهة. حزب الله يضرب أو يهاجم مواقع وقواعد ومراكز عسكرية ومخابراتية وتل أبيب ترد بتقويض أركان الكيان من خلال الايغال في تحطيم البنى التحتية للدولة والبنى السكانية للمقاومة.

نعود إلى السؤال: هل تكون مجزرة قانا الثانية بداية «المخاض» الذي هددت به الإدارة الأميركية منطقة «الشرق الأوسط» أم نهاية ذلك «المخاض»؟

ماذا تعني كلمة «مخاض» في الذهنية الأميركية التي تقودها إدارة شريرة تؤمن بأن الولادة لا تحصل من دون الام ومذابح ومجازر وشلالات دماء. فهذا «المخاض» الذي تحدثت عنه رايس يعني سياسياً أن الدمار يسبق إعادة البناء والفوضى تسبق الاستقرار. والمخاض هو تكسير ما هو قائم تمهيداً لرسم صورة جديدة لواقع محطم ومدمر. فالعنف برأي هذه الإدارة الشريرة قابلة التاريخ والمخاض (الالم والدم) يسبق الولادة.

لبنان الآن يواجه ايديولوجية أميركية شريرة متحالفة مع دولة صهيونية تعتبر أنها تمثل «شعب الله المختار». وهذا التحالف الجهنمي انتج سياسات التقويض التي قادتها الولايات المتحدة ضد أفغانستان والعراق وتقودها الآن «إسرائيل» بالوكالة ضد لبنان وفلسطين. وتحت هذا السقف بدأ العدوان يتخذ اشكالاً متنوعة بقصد تحطيم كل المرتكزات التي تشكل نقاط ممانعة للدولة والمقاومة.

مجزرة قانا الثانية قد تكون نهاية «مخاض» وربما تشجع الدول الكبرى للضغط على التحالف الأميركي - الصهيوني الشرير لوقف الحرب المفتوحة على البلد الصغير. والمجزرة أيضاً قد تكون بداية «مخاض» في اعتبار أن الأولى حصلت ضمن معطيات دولية وعربية وإقليمية مغايرة عن ظروف المجزرة الثانية. قانا الأولى وقعت في العام 1996 في إطار الاحتلال الصهيوني للجنوب وتحت سقف القرار 425. بينما قانا الثانية وقعت في ظل متغيرات دولية وعربية وإقليمية مختلفة وبتشجيع من إدارة ايديولوجية غير محايدة وتؤمن بالتغيير السياسي من طريق القوة (اختصاراً للوقت) وتتسلح بمشروع قرار 1559 الذي يعطيها مادة أولية تستطيع استخدامها باسم تطبيق «الشرعية الدولية». ولهذه الاعتبارات (المتغيرات الايديولوجية) يمكن فهم أسباب عدم اكتراث الولايات المتحدة لتداعيات المجزرة ورفض أولمرت وقف العدوان بذريعة أنه لا يريد تقديم انتصارات لحزب الله الذي نجح في تعطيل تقدم قواته البرية.

نحن إذاً أمام مواجهة مفتوحة في حال فشلت أوروبا والدول الكبرى في وقف العدوان الأميركي - الصهيوني. فأميركا طرف وليست وسيطاً. وهي تلعب دور الموجه السياسي لالة الحرب. والحكومة الإسرائيلية تجد في دعم إدارة بوش المطلق فرصة لإعادة انعاش دورها الإقليمي بعد أن وضعت قواتها منذ حرب 1990 - 1991 في المستودع (احتياط جاهز للتحرك وقت الحاجة). وحزب الله أكد مراراً أنه لن يتراجع ولن يترك مجزرة قانا من دون رد.

مراقبة رايس

الحرب مفتوحة ومكشوفة إلا أن احتمال غلقها بات ضرورياً لأن ما سيأتي بعدها سيكون أكبر بكثير وأعنف مما شاهدناه.وهذا ما يمكن فهمه من الكلام العفوي الذي صدر عن رايس حين قالت: حان وقف إطلاق النار.

رايس قالت هذا الكلام، ولكنها لم تحدد متى وكيف؟ فهل قصدت «هدنة إنسانية» مؤقتة لرفع الانقاض تنتهي بعد 72 ساعة أم قصدت بوقف شامل وكلي ونهائي للنار تمهيداً للبحت عن مخارج للأزمة المشتعلة والمتشابكة.

حتى تتضح صورة الواقع ومعاني الكلمات التي انزلقت من فم رايس لابد من تتبع مسار وزيرة الخارجية الأميركية وتصرفاتها واتصالاتها وتحركاتها. فكل خطوة لها معنى وكل اتجاه له دلالته السياسية بدءاً من بيروت وانتهاء بواشنطن.

دولة لبنان (المقوضة والمشلولة والمحروقة والمشوهة) قالت كلمتها الشجاعة: لن نستقبل رايس قبل وقف فوري وشامل لإطلاق النار.

عادت رايس إلى تل أبيب وهي لا تستطيع الذهاب إلى بيروت قبل أن تتوصل إلى تحقيق الشرط اللبناني الواضح والعادل. ومن الآن يمكن مراقبة المشهد السياسي. إذا بقيت رايس في تل أبيب واستمر العدوان فمعنى ذلك أن أميركا جددت «الضوء الأخضر» لحكومة أولمرت بمواصلة سياسة الأرض المحروقة. وإذا عادت مباشرة إلى واشنطن فمعنى ذلك أنها فشلت في اقناع أولمرت بالتهدئة المؤقتة وتريد مساعدة رئيس «البيت الأبيض» في الضغط على تل أبيب لوقف النار من طرف واحد ولمدة محددة ومن دون إشراف دولي صادر عن مجلس الأمن.

أما إذا توجهت رايس إلى باريس فمعنى ذلك أن الولايات المتحدة قررت الاقتراب من الموقف الأوروبي الذي يشدد على ضرورة وقف النار قبل التوصل إلى حل سياسي نهائي. وهذا يعني أن لبنان بات رهين الموقف الدولي من دون حاجة إلى وسيط عربي أو سقف عربي يمنع عنه تلك العلاقة الرأسية والمباشرة من نيويورك إلى بيروت.

اما إذا توجهت رايس إلى القاهرة أو عمان أو الرياض أو العواصم الثلاث فمعنى ذلك أن أميركا تبحث عن غطاء عربي يعطي شرعية إقليمية للدول العربية في العودة الهادئة إلى هذا البلد. وهذا يعني أن لبنان بات في وضع أكثر أمنا لأنه أصبح يملك ذاك السقف العربي الذي هو بحاجة إليه لمنع تلك العلاقة الرأسية السلبية التي تسقط عليه مباشرة من الأمم المتحدة.

اما إذا توجهت رايس إلى دمشق تلبية لدعوة غير رسمية وجهها أحد المسئولين قبل ثلاثة أيام للبحث في إمكان تأمين مساعدة سورية في هذا المجال. فمعنى ذلك أن واشنطن قررت اعتماد بوابة دمشق والعودة إلى الخيار الثنائي الذي جربته في العام 1976 وانتج تسوية قلقة على الساحة اللبنانية. ولكن هذا الخيار حتى لو لجأت إليه واشنطن فإنه يحتمل أن يكون معدلاً ومشروطاً نسبياً بتلك الظروف والمتغيرات الدولية والعربية والإقليمية التي حصلت في العقود الثلاثة الأخيرة.

حتى الآن تبدو الخيارات مفتوحة أمام رايس وهي تبدأ من استمرار الحرب المفتوحة والمكشوفة على لبنان منذ 20 يوماً ولا تنتهي إلا بصدور قرار عن مجلس الأمن للمساعدة في حل الازمة المتدحرجة التي لا تعرف نهاياتها في حال تركت الأبواب مشرعة أمام عواصف الدم والنار.

إنه «مخاض» قالت رايس. والقابلة تستطيع التحكم بالولادة، ولكنها لا تملك المقومات التي تحدد شكل المولود. هناك ولادة لاشك بعد هذا المخاض، أما شكل الوليد ليس بالضرورة أن يكون لمصلحة المشروع الأميركي - الصهيوني

إقرأ أيضا لـ "وليد نويهض"

العدد 1424 - الأحد 30 يوليو 2006م الموافق 04 رجب 1427هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً