سواء أراد حزب الله ذلك أو جاءته من حيث «لا يحتسب» كما سجل أمينه العام في آخر إطلالة له على الإعلام، فإن التاريخ سيسجل لهذا الحزب امتياز قلب المعادلة التقليدية لـ: «موازين القوى» في المنطقة العربية والإسلامية استراتيجياً وعلى أكثر من صعيد، لغير صالح دولة «إسرائيل»!
فتاريخ 12 يوليو/ تموز 2006م سيكون هو المفصل بين عالم وليس «شرق أوسط» قديم فقط يتداعى وعالم و«شرق أوسط» جديد ينهض من قلب المأساة وتماماً كما سجلت الحرب العالمية الثانية نهاية مقولتي الفاشية والنازية، فإن نهاية الحرب والعدوان على لبنان ستسجل نهاية الصهيونية.
انه ليس كلاماً للدعاية والإعلان المدفوعين بفعل العاطفة والوجدان العربي والإسلامي، بل هو «تقرير» علمي لما هو حاصل على الأرض والميدان ولما سيكون في خاتمة هذا العدوان البربري الهمجي والإرهابي الذي قلَّ نظيره في تاريخ الأمم والشعوب.
لم يعد مهماً كثيراً النقاش فيما إذا كان حزب الله قد قصد من وراء قيامه بأسر جنديين إسرائيليين تحرير الأسرى اللبنانيين من السجون الإسرائيلية أم كان يقصد أبعد من ذلك.
تماماً كما لم يعد مهماً النقاش بشأن ما إذا كانت «إسرائيل» قد استغلت العملية المذكورة باعتبارها ذريعة لهجومها وعدوانها البربري أم لا! فما قامت به من قتل منظم وإرهاب دولة واختطاف وطن بكامله وأسر للإنسانية جمعاء في خانة مشروع المحافظين الجدد الامبراطوري الأميركي للسيطرة على موارد الطاقة والأمن في «شرق أوسطنا» العربي والإسلامي يجعل الأمور واضحة كوضوح الشمس بان العدوان على لبنان كان مخططاً له وكان يطبخ على نار هادئة بعد ان تعثرت محطات أفغانستان والعراق وصمدت محطات لبنان وسورية وإيران وفلسطين.
انها الحرب إذاً، حرب «تقرير مصير» المنطقة برمتها وليس لبنان لوحده! حرب مفتوحة وبلا حدود هكذا أرادها المحافظون الجدد أولاً، وهكذا انخرطت فيها «إسرائيل» ثانياً بعد فشلها في الخروج من مأزق جدار الفصل العنصري ومشروع «الانطواء» الشاروني - الاولمرتي.
وسيسجل التاريخ لحزب الله انه انهى بتاريخ 12 يوليو 2006م عصر التتار والمغول الجدد ومعسكرات النازية الحديثة والهولوكوست المتجدد في غزة والضفة ولبنان، وافتتح بذلك عصر «شرق أوسط» جديد فعلاً ولكن من دون تفوق إسرائيلي ومن دون املاءات هيمنية أميركية، ومن دون إذلال للإدارة العربية والإسلامية ولا انتهاك للكرامة الإنسانية.
نعم، قد يكون مسار هذا التحول صاعداً أو هابطاً هنا أو هناك، ويأخذ بعض الوقت حتى يتبلور بشكل نهائي، وحتى تستقر المعادلة الجديدة لموازين القوى قد يستغرق الأمر بعض الوقت تعيش فيه الأقطار العربية والإسلامية آلاماً حادة وقاسية لكنها بالتأكيد لن تكون سوى آلام الولادة، نعم ولادة «شرق أوسط» جديد ولكن غير ذلك الذي تحلم به سكرتيرة الدولة الامبراطورية العصرية والمتمدنة جداً السيدة كوندليزا رايس!
تعرفون لماذا؟ ببساطة لأن «الملك يبقى مع الكفر ولا يبقى مع الظلم» كما يقول الحديث الشريف. نعم لقد تمادت «إسرائيل» ومن ورائها واشنطن في غيها وطغيانها وظلمها. لم «تفرط» فقط في استخدام القوة كما يحلو «للمجتمع الدولي» المنافق أن يخاطبها معاتباً باستحياء، بل انها أخطأت هذه المرة في تقدير الموقف استخباراتياً وعسكرياً وأمنياً واجتماعياً وسياسياً وحتى «مدنياً» أي انها نسيت كعادة الظلمة من صنف نيرون روما انها انما تقاتل «أمة» حزب الله هذه المرة وليس عصابات مقطوعة الجذور أو حكومات أو أنظمة أو أحزاباً من دون جمهور كما اعتادت حتى الآن!
لذلك فهي فتحت أبواب جهنم ليس على نظامها العنصري فقط بل على سيدها وحليفها الاستراتيجي الحالم بإعادة احياء عصر الاباطرة في غير زمانه!
«انه لبنان ايها الأغبياء» كما يردد المقاومون اللبنانيون اليوم من كل طائفة ومذهب ودين ولون وشكل وعقيدة وانتماء!
لبنان اللوحة الإنسانية الفريدة في العيش المشترك واللوحة البديعة في القدرة على اجتراح المستقبل من بين الأنقاض مهما يكن القاتل «جباراً» وممعناً في قتل الأطفال والنساء، فرحم الأرض اللبنانية تعوّد على الولادة في أقسى واصعب الظروف.
انها «لعنة أميركا» التي سيسجلها التاريخ من جديد ولكن باسم لبنان هذه المرة لو اتيح للتوراة ان تكتب من جديد!
انه الزمن الذي يقارب إعادة كتابة قصة صلاح الدين الأيوبي مع الصليبيين ولكن هذه المرة فإن حامل السيف هو سيد من شجرة بني هاشم من فرع عاملة كان لها هي الفضل في اشاعة ثقافة التمرد على الطغيان والظلم ونقلها إلى أقاصي الشرق في إيران وشبه القارة وما وراء النهر والقوقاز حتى سور الصين العظيم حتى قبل ان يولد فجر إيران المسلمة الحديثة الظهور على المسرح السياسي «الشرق أوسطي»! كما يحلو للبعض ان يتهم القائد العربي الجديد وحزبه «بالتبعية» إليه أو خوض حرب بالوكالة عنه!
انه حزب «الله» أيها الأغبياء! وليس حزب «إيران» أو حزب «سورية» ولا حتى حزب «لبنان» حتى تستطيعوا تهميشه أو محاصرته بالسياسة وأحابيلها! بعد ان فشلتم ولمدة أسبوعين متواصلين في تركيعه أو اخضاعه أو حتى اضعافه بواسطة النار والدمار وقتل الأنصار!
على أمل ان يظهر من ينصح واشنطن بالاذعان لشروط وقف النار والتفاوض والتبادل والقبول بقواعد اللعبة الجديدة والمعادلة الجديدة لموازين القوى قبل فوات الأوان والا سيضطرون إلى مفاوضة «محمد بن عبدالله» كما كان يردد الشهيد ياسر عرفات وهو يطالب الإدارة الأميركية عبثاً بالجلوس على طاولة مفاوضات مع «الجهاد» و«حماس»
إقرأ أيضا لـ "محمد صادق الحسيني"العدد 1423 - السبت 29 يوليو 2006م الموافق 03 رجب 1427هـ