العدد 1421 - الخميس 27 يوليو 2006م الموافق 01 رجب 1427هـ

حرب لبنان... قراءة من منظور آخر

محمد عبدالله محمد Mohd.Abdulla [at] alwasatnews.com

كاتب بحريني

أيعقل ما يلاك اليوم من حديث «تثبيطي» على ألسنة المهزومين لتوصيف حال ما يجري في لبنان؟! كيف أصبح المنطق السائد في بعض القراطيس الرجعية والفضائيات اللائذة بعالمها القاتم ما يزيد المعركة انتكاسة وضموراً نحو تحميل صاحب الحق مسئولية ما جرى ويجري؟! الأكيد أن كثيراً من تلك القراءات السياسية (غير المسئولة) لما جرى لم تتجاوز حدود النفس الذي تأبدته الأنظمة العربية الراضية بمنطق المعادلة التي فرضها الكيان الصهيوني عليها منذ سبعينات القرن الماضي وبما أسبق من ذلك، وهي الأنظمة التي لم تجرب يوماً أن تكون صاحبة مبادرة الخصم «المعقول» في صراع الأمة مع عدوها... هذا الكلام ليس كـلامــاً «قومجياً» أو مبتذلاً بل هو كلام مؤسس على معطيات الواقع القائم الذي أصبح (وللأسف) طلسماً بالنسبة إلى الكثيرين بسبب كثرة الحوادث وكثرة تكرارها وتلقي نتائجها بالأدوات ذاتها، ومن يصف ذلك الخطاب بالقومجية أو بالمزايدات فهو واقع لا محالة في أزمة «استصحاب» سياسي وعسكري واقتصادي حتى شحمة الأذن.

الصراع الذي يقوده اليوم حزب الله يجب أن يقرأ من زوايا مختلفة غير التي يتعمد بعض الإعلاميين وأرباب السياسة إظهارها والتي تختزل في دمار البنية التحتية للبنان. فالحديث اليوم يجب أن يتركز على قدرة المقاومة الإسلامية على أسر وقتل وجرح جنود إسرائيليين، وتدمير بارجة حربية تعد المحور الصلب الذي تركزت عليه خطط تحديث الجيش الصهيوني قبل عقد من الزمان وإصابة 76 بحاراً كانوا على متنها ومقتل أربعة منهم. يجب الحديث عن قصف عكا ونهاريا و52 مستعمرة في حيفا التي لم تطلها أي قوة «عربية» في السابق قط، هذه المدينة الاستراتيجية التي تشكل نقطة التقاء البحر المتوسط بكل من السهل وجبل الكرمل، وباتت صواريخ المقاومة المتساقطة على منشآتها وشواطئها تكلف الاقتصاد الاسرائيلي 100 مليون دولار يومياً، هذه هي ولا غيرها التي يجب أن تبان وتقرأ. إن تلك التطورات العسكرية على فلسطين المحتلة يجب أن تتلقفها الأنظمة العربية باعتبارها تحولاً دراماتيكياً في ميزان الحرب والصراع، فالكيان الصهيوني بات في مرمى صواريخ حزب الله بحسب تقارير تل أبيب، وبالتالي فإن مقولة الجيش الذي لا يهزم أضحت اليوم مختلة إلى حد ما، وباتت الفرصة سانحة للعرب لأن يشكلوا معادلة عسكرية جديدة من حيث انتهى إليه حزب الله الذي استطاع وبإمكانات محدودة أن يجاري الحرب المفتوحة التي بدأها أولمرت.

لقد آن الأوان لأن تهندس طبيعة الصراع القائم بين العرب والكيان الصهيوني من جديد، لا أن يحمل حزب الله مسئولية ما جرى، لأن في ذلك منفعة أكيدة للصهاينة بأن يزدادوا في عدوانيتهم تجاه لبنان وهو ما حصل فعلاً، عندما تداعت تلك التصريحات المجرِّمة للمقاومة في لبنان من هنا وهناك، أصبح الضوء أخضر بالمطلق لأن يقوم «زير» الحرب الصهيوني بالإيغال أكثر في التدمير والقتل والتشريد، لأنه فهم أنه أصبح أكثر قرباً من أولئك من أي وقت آخر.

بقي علينا نحن مواطني هذا العالم العربي أن نفهم وأن نجاب من قبل حكامنا عن أمر لطالما تذكرناه في مثل هذه الحوادث المأسوية وهو: أين السلاح العربي المتكدس؟ وأين الطائرات السمتية وتي 52 وإف 16 والميراج وسوخوي؟ وأين هي البوارج الحربية التي يتباها حكامنا بها في استعراضاتهم اليومية؟ ولم هذه المناورات العسكرية الفردية والمشتركة؟ ثم ما هو حجم الاستفزاز الذي يستطيع أن يحرك هذه الأنظمة ويخرجها من عرينها غاضبة تلبي نداء بني جلدتها؟ هذه أسئلة مشروعة ومحيرة تتمنى الشعوب العربية أن تسمع جواباً شافياً عليها، على رغم أن هذه الشعوب بحسب ما أرى أدركت خلال الأزمة الأخيرة أن الكثير من الأنظمة ربما تنفست الصعداء عندما دكت «إسرائيل» لبنان وبناه التحتية لتأليب اللبنانيين على المقاومة الإسلامية وحزب الله، لأن هذه الأنظمة رأت في المقاومة وفي الحزب مصدر إزعاج وإحراج لسكينة أرجوحتها وباتت ترى أن التخلص من حزب الله والمقاومة هدف مشروع لاستجلاب مزيد من الصفاء الذهني والراحة لها. وهو الشيء نفسه الذي تمنته سابقاً للرئيس أبوعمار وكان لها ما أرادت، لكنني لا اعتقد أن مناها في حزب الله هذه المرة ستحصل، لأن الأخير أصبح كواحدة من ظواهر الطبيعة التي لا يمكن التصدي لها

إقرأ أيضا لـ "محمد عبدالله محمد"

العدد 1421 - الخميس 27 يوليو 2006م الموافق 01 رجب 1427هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً