العدد 1421 - الخميس 27 يوليو 2006م الموافق 01 رجب 1427هـ

ازدهار لبنان رهن باستقراره

عبيدلي العبيدلي Ubaydli.Alubaydli [at] alwasatnews.com

كاتب بحريني

بدخول العنف الذي يسود الحدود اللبنانية الإسرائيلية أسبوعه الثالث على التوالي، تراجعت كثافة الغارات الإسرائيلية على وسط وشمال لبنان وتحولت نحو تحصينات حزب الله التي تقع إلى الجنوب من نهر الليطاني الذي يبعد نحو 20 كلم من الحدود.

وبعد الفشل الذي لحق بمؤتمر روما بشأن وقف الحرب في لبنان، يتوقع المراقبون اشتداد أوار الحرب الأمر الذي من شأنه أن يلحق أكبر الضرر بالاقتصاد اللبناني.

الكثير من يشاهد المآسي التي يعيشها الشعب اللبناني من جراء الغارات الوحشية التي يشنها الطيران الإسرائيلي على المدن والقرى اللبنانية الآمنة والمسالمة، لكن القليل منا يتابع التأثيرات المدمرة التي سيتركها ذلك الهجوم الإسرائيلي على الاقتصاد اللبناني الذي لم يكد يتعافى بعد منذ خروجه من الحرب الأهلية التي أتت على الأخضر واليابس لما يزيد على 20 عاما.

ذلك لكون الغارات الإسرائيلية التي بدأت في 12 من هذا الشهر ألحقت أضرارا فادحة بالبنية التحتية للاقتصاد اللبناني. ففي بيروت، إذ تزأر رافعات البناء معبرة عن انتعاش اقتصاد إعادة إعمار لبنان التي بدأ في أعقاب الانسحاب الإسرائيلي في العام 2000، ووفقا لتصريحات وزير المالية اللبناني جهاد عزور فإن القصف المتوالي والمركز قد مس كل جوانب الاقتصاد اللبناني الذي لايزال طري العود.

لكن الخراب الذي يلحقه الهجوم الإسرائيلي الأخير بالاقتصاد اللبناني هو فصل من فصول مسلسل الدمار الذي انطلق منذ الحرب الأهلية اللبنانية التي اندلعت في العام 1975.

فقبل تلك الحرب الأهلية اللبنانية كان لبنان قد طور اقتصاد السوق الحر بتدخل رقابي محدود من قبل الدولة. ونظرا إلى الاستقرار والانفتاح الاقتصادي التي كانت تنعم به البلاد حينها إلى جانب القوانين الصارمة المتعلقة بالمصارف وحركة الأموال، أصبحت بيروت مركزا متطورا بالمصارف والاستثمار في الشرق الأوسط، إلى درجة أنها باتت تعرف بـ »سويسرا الشرق«، إذ تحولت بيروت حينها إلى ما يشبه المصرف العالمي الكبير التي تمر عبره التحويلات والمعاملات المالية بين المنطقة والأسواق العالمية. وقدرت الخسائر الناجمة عن معارك الفترة بين 1975 - 1992 والتي أدت إلى تحطيم البنية التحتية وإلحاق الضرر بمختلف قطاعات الاقتصاد، نحو 25 - 30 مليار دولار. وهنا لابد ان نأخذ في الاعتبار الطفرة الاقتصادية التي عرفتها المنطقة من جراء الارتفاع في أسعار النفط خلال الفترة ذاتها، والتي كانت ستنعكس إيجابا على الاقتصاد اللبناني لولا ظروف الحرب التي ألمت به. لقد كان الاقتصاد اللبناني خلال تلك الفترة على شفير الهاوية لولا الأموال التي كانت تتدفق عليه من لبنانيي المهجر التي قدرت تحويلاتهم حينها بما يزيد على 15 مليار دولار.

وشكلت الأموال المحولة من العائلات اللبنانية في المهجر الرافعة التي حالت دون انهيار الاقتصاد اللبناني الذي كان تهاوى سعر صرف الليرة اللبنانية من 2,15 ليرة مقابل الدولار إلى 1500 ليرة لبنانية للدولار، سببا كافيا يحول دون تعافيه.

ومنذ العام 1992 بدأ الاقتصاد اللبناني في الانتعاش التدريجي، فتم التحكم في حالة التضخم التي سادت الثمانينات والتي وصلت إلى ما يربو على 500 في المئة ، ليصل الى ما يقارب 1 في المئة بحلول العام 2000. ووصل مجمل الإنتاج الوطني إلى نحو 16,5 مليار دولار، بنمو نسبته 6 في المئة خلال الفترة 19902000. وتمحورت أنشطة الدولة الاقتصادية عن خطة »آفاق 2000« وهي برنامج إعادة تعمير وبناء منطقة وسط بيروت بموازنة تربو على عشرة مليارات دولار. وكانت الدولة تطمح من وراء إنجاح تلك الخطة تعمير البلاد أولا وإعادة الثقة في صفوف المستثمرين اللبنانيين والأجانب - وخصوصا أثرياء الخليج - ثانيا، وتشجيع الرأس مال العالمي للتوجه نحو بيروت ثالثا.

وحققت تلك الخطة بعضا من أهدافها، إذ أدت إلى نمو في إجمالي الناتج القومي بنحو 8 في المئة في العام 1994، تراجع بعدها ليصل إلى نحو 0,8 في المئة بحلول العام 2001.

وهناك إجماع على ان المليونير اللبناني رئيس وزراء لبنان رفيق الحريري كان وراء تلك الإنجازات، نظرا إلى استثماره المباشر في الكثير من تلك المشروعات وخصوصاً مشروع »آفاق 2000« من جهة، وللعلاقات المالية الوثيقة التي تربطه بمؤسسات المال والاستثمار العربية والعالمية والتي شجعها ووفر لها المغريات من جهة ثانية.

لكن يبدو ان الغارات الاسرائيلية الأخيرة وضعت كل تلك الأحلام في خبر كان. وكما يقول وزير المالية عزور يعاني الاقتصاد »من شلل كامل، فقد ضربت السياحة، وجميع قطاعات المواصلات والطيران شبه متوقفة... ونحن بحاجة إلى ما لا يقل عن 4 مليارات دولار لإعادة تعمير البنى التحتية التي حطمتها الحرب. يشار إلى أن لبنان يعاني من 40 مليارات دولار من الديون العامة قبل اندلاع الحرب الأخيرة.

ولعل أكثر المتضررين من وراء ذلك القصف العشوائي الإسرائيلي كان شركة العقارات سوليدير التي أسسها الحريري والتي فقدت أسهمها ما يقارب من 15 في المئة من قيمتها ليتراجع سعر السهم فيها إلى ما دون العشرين دولارا، وهذا يحدث للمرة الأولى منذ ما يزيد على العام.

وساد الحركة المصرفية حالة من الرعب والفوضى بسبب تهافت الزبائن على تحويل مدخراتهم من الليرة اللبنانية إلى العملات الدولية، لكن تدخل البنك المركزي ساهم في إعادة الهدوء والثقة إلى السوق. إذ وضع سقفا للتحويل لا يتجاوز الـ 1000 دولار، وكذلك استخدم السيولة من العملات الصعبة التي بحوزته والتي تربو على 12 مليار دولار لزرع الثقة في صفوف المواطنين. الأمر الذي حافظ على أسعار صرف الليرة اللبنانية بين 512,1 - 514.1 مقابل الدولار الأميركي.

وبحسب تصريحات وزير المالية جهاد عزور، فقد »بلغت خسائر هدم البنى التحتية نحو 500 مليون دولار«.

هذا في وقت بلغت فيه ديون لبنان العامة تزيد على 174 في المئة من الناتج الإجمالي الوطني للعام 2005. بحسب التقارير الإقليمية لصندوق النقد الدولي.

وقبل الغارات الإسرائيلية كانت الحكومة تطمح في تحسين تلك الحالة وبشكل تدريجي تصل نسبتة 5 في المئة سنويا عن طريق الأموال التي ستجنيها خلال فصل الصيف من قطاعات الاقتصاد المختلفة. إذ كانت تتوقع أن تحصل على 2,5 مليار دولار من قطاع السياحة فقط. علامات استفهام كبيرة تدور حول الأسباب التي اندلاع الحرب الأخيرة، وأسئلة استراتيجية ترتفع أمام من سيحاول الخروج بنتائج حولها. وإلى أن يتحقق ذلك ونصل إلى كبد الحقيقة، لا نملك أكثر من إدانة العدوان الإسرائيلي والتعاطف مع شعب لبنان وهذا أضعف الإيمان. ولكن أكبر سؤال هنا هو ما جدوى كل ذلك؟

إقرأ أيضا لـ "عبيدلي العبيدلي"

العدد 1421 - الخميس 27 يوليو 2006م الموافق 01 رجب 1427هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً