نشرت «القبس» الكويتية في 21 يوليو/ تموز الجاري رأي عالم الدين السوري الشيخ محمد سعيد رمضان البوطي عن نظرة الإسلام وتصوره للعلاقة مع الحضارات الاخرى، وكيف يرى التعامل معها، وما موقفه منها.
يقول البوطي: «إن رواد الحضارة الإسلامية وقادة الفتوحات، لم يتخذوا من القوة سلاحاً للقضاء على الحضارات الاخرى، ويبين ان الدعوة للإسلام عند فتح البلدان كانت بالحوار والحجة والبرهان، ولم يجبر المسلمون احداً على تغيير دينه ومعتقده، ويؤكد أن موقف الإسلام من الاديان الأخرى موقف حضاري، ينبثق من المنهج الذي رسمه القرآن الكريم للحضارة الإنسانية المثلى، ويشير الى ان الإسلام في جوهره هو الدين الذي اوصى به الى جميع الانبياء والرسل، والرسول (ص) هو مجدد ومؤكد لوحدة الدين».
ويؤكد البوطي: أن موقف الإسلام من الاديان الأخرى، ولاسيما الكتابية منها، هو موقفه ذاته من الحضارات الأخرى، والإسلام ليس في جوهره الا الدين الواحد الحق الذي اوحى الله به الى جميع رسله وانبيائه، وخاطب به عباده، عن طريقهم في كل زمان ومكان، وما كان الدين الذي بعث به خاتم الرسل والانبياء محمد (ص)، بدعا من الاديان، ولا كان هو بدعا من الرسل، وانما جاء مجددا ومؤكدا وحدة الدين الحق، داعيا الى طرح الفوارق المختلفة والخلافات المصطنعة، وصدق الله القائل «ان الدين عند الله الإسلام وما اختلف الذين اوتوا الكتاب الا من بعد ما جاءهم العلم بغيا بينهم» (آل عمران: 19).
وقال لقد قامت شرعة هذا الدين منذ فجر الوجود على اساس واحد لا ثاني له، هو الدعوة التي عبر عنها بيان الله تعالى بقوله «ادع الى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة، وجادلهم بالتي هي احسن» (النحل: 125)، من دون ان يكون تجاوز الى أي قسر أو إرغام، وصدق الله القائل: «فذكر إنما أنت مذكر لست عليهم بمسيطر» (الغاشية: 22)، الا ان يكون الأمر ردعا لعدوان أو دفاعا عن حق، وصدق الله القائل: «وقاتلوا في سبيل الله الذين يقاتلونكم ولا تعتدوا إن الله لا يحب المعتدين» البقرة: 190).
وأضاف: أن هذا الموقف الذي يتخذه الإسلام من الأديان الأخرى، هو بحد ذاته موقف حضاري منبثق من المنهج الذي يرسمه القرآن للحضارة الإنسانية المثلى».
وأكد أن رواد الحضارة الإسلامية لم يتخذوا من قوتها سلاحا للقضاء على الحضارات الضعيفة الأخرى. ولم يجل في خاطر أي من قادة الحضارة الإسلامية في أي من عهودها الزاهرة، تلك الخواطر العدوانية التي يعلن عنها اليوم سدنة الحضارة الغربية، والتي تنادي بضرورة القضاء على سائر الحضارات الأخرى ليصبح الكون كله مسرحاً للحضارة المهيمنة الواحدة، ولتسود عولمة القطب الواحد وتهيمن على العالم كله.
وأوضح أن التفسير الواقعي لما يمكن ان يعبر عنه بسيادة الحضارة الإسلامية، وانكماش الحضارات الاخرى، بعد الفتح الإسلامي، ان رواد تلك الحضارات وقادتها، دخلوا في دين الله طواعية ومن دون اي ارغام او احراج، بعد قيام المسلمين بواجب الحوار والدعوة الى الحق، فوجههم الدين الحق الذي ارتضوه واعتنقوه، بشكل آلي، الى اقامة الحضارة الإسلامية، التي هي الثمرة الطبيعية التي لابد منها لتنفيذ تعاليم الدين الإسلامي الحق.
ويشير في هذا السياق إلى أن الإسلام الذي انتشر في مصر، لم يكن بسائق ارغام وقسر، بل كان عن طواعية ورضا. وآية ذلك ان مصر بقيت تفيض بالاقباط بعد الفتح الإسلامي فيها، الى اجيال عدة، وكانوا يتمتعون بحياة كريمة وسيادة تامة، وان الإسلام الذي انتشر في بلاد الشام لم يقض على اهل الكتاب فيها، ولم يحولهم قسرا الى مسلمين، بل ظل المسيحيون نصف او ثلث المسلمين فيها، الى أن كانت سلسلة الغزوات الصليبية، إذ كان له اثر ذاتي غريب في اعتناق كثير من نصارى الشام للإسلام. وان الإسلام الذي انتشر على يد عبدالرحمن الداخل وصحبه في اسبانيا، لم يرغم اليهود والنصارى هناك على ترك دينهم والالتحاق قسرا بالإسلام، بل ظل الناس احراراً يختارون الدين الذي يشاؤون
العدد 1421 - الخميس 27 يوليو 2006م الموافق 01 رجب 1427هـ