هل هي«إيان حرسي علي» المولودة العام 1967 أو «أيان حرسي ماغان» المولودة العام 1969؟ الجواب كان قاتلاً للمستقبل السياسي للمرأة الهولندية (عضو البرلمان) المولودة في الصومال التي ذاعت شهرتها ناشطة تقود حملة ضد الدين الإسلامي، ولكن سرعان ماينتهي أمرها عندما ترد «الإمبريالية الغربية» بالضرب، مدشنة مرحلة جديدة في واحدة من أكثر الديناميات إيلاماً في واقع أوروبا متعددة الثقافات بعد 11 سبتمبر / أيلول 2001.
في دولة تواجه مشكلة هجرة ضخمة، ينظر إلى «الأكاذيب» التي يفترض أن تكون حرسي علي أطلقتها على أنها عادية في أوساط غير الأوروبيين الباحثين عن اللجوء. لكن الأمر أصاب الجميع بالمفاجأة إذ إنه جعل وزيرة الهجرة الهولندية ريتا فيردونك، وهي نجمة ساطعة جديدة في الحملة المضادة للهجرة، تتصرف بسرعة غير معهودة لتقوم بعمل يماثل سحب جنسية حرسي.
لم تتوقع حرسي ولا فيردونك العاصفة التي نتجت عن ذلك. النخبة السياسية بكاملها أصيبت بخيبة الأمل عندما انسحبت حرسي من البرلمان. إلا أنه في نهاية المطاف اضطرت الوزيرة إلى أن تساعد حرسي على استعادة جنسيتها.
ولكن الجني كان خرج من القنينة. فقد قضمت الحادثة الفجوة بين منظور النخبة والمنظور الشعبي، مشيرة إلى حدود التسامح الهولندي تجاه امرأة ذات سمعة واسعة بليغة الكلام لكنها خلافية من أصل غير هولندي، حاربت في الداخل والخارج من أجل الكثير من المثل التي يدعي البلد الذي تبناها أنه يحملها.
«ايان حرسي علي» امرأة استثنائية، ذكية وجميلة، مسلمة تحولت إلى ملحدة ربما بسبب الظلم الأبوي الذي عانت منه في بلدها الأصلي، وكانت لديها الشجاعة والتصميم لإثارة موضوعات حساسة عن اندماج المجتمعات المسلمة في الغرب. جاءت إلى هولندا العام 1992 وأصبحت مواطنة هولندية العام 1997. قلة هم الذين يستطيعون تحقيق هذا الكم وبهذه السرعة خلال عقد من الزمان. حصلت على الشهرة وأصبحت أكبر من الحياة نفسها، ويبدو أن إصرارها وأسلوبها المستفز جعلا من الحياة أكثر صعوبة وأقل أمناً. لا عجب أنها اختارت الانضمام إلى معهد «إنتربرايز» الاميركي، وهو من معاهد الاستشارة المحسوبة على اليمين الأميركي في واشنطن ولها علاقة بنائب رئيس الولايات المتحدة ديك تشيني، بشكل أسرع مما كان متوقعاً.
يبدو أن الدولة الهولندية، بل وعموم الشعب هناك، يعانون من إعياء اسمه «حرسي علي». انهم على استعداد لأن يتجاهلوا مساهمتها ويكملوا حتى النهاية اللعبة القانونية من دون إحساس بالتقليد الصومالي الذي يبرر استخدامها اسمين اثنين، بينما تنكر أن المعلومات غير الصحيحة معروفة منذ زمن، والفضل يعود اليها هي في ذلك.
باختصار، وقعت حرسي ضحية لتلك القوة التي عملت هي نفسها على بنائها. في مكان آخر يعرف ذلك «بالثورة التي أكلت أبناءها».
في الحال الهولندية، «الثورة» هي وضع فكري بدأه اليميني صاحب الشعبية بيم فورتوين، الذي اغتيل العام 1992. شعبيته التي لم يسبق لها مثيل بلغت في يوم من الأيام ثلث الناخبين عندما وضع موقفاً جديداً على الخريطة، عندما قال إن العنصرية هي شيء ولكن معاداة الهجرة ومعاداة الإسلام، وهو يرى أنهما شرعيان، أمر آخر. لذلك، وفي هولندا المشهورة بتحررها وتسامحها، غير سليم سياسياً الترحيب بالمهاجرين ومنع التهجم على واستفزاز العادات والديانات الغربية.
الوضع وصل إلى ذروته عند إخراج «الاستسلام» وهو فيلم اعتبره الكثيرون تهجماً على الإسلام. مقتل مخرجه ثيو فان غوغ العام 2004 على يد مغربي مسلم متطرف وتوجيه تهديدات بالقتل إلى كاتبة الحوار في الفيلم «حرسي علي» جعلت منها أعنف محاربة وأعلاها صوتاً في أوساط الهولنديين الذين يعانون من الإرهاب.
العام 2003، ناقشت حرسي بشدة أن التسامح مع الاحتجاج والإرهاب الذي يأتي «بإلهام من الإسلام» هو «الانتحار» بعينه. لذلك تؤكد حرسي أنه حتى يتسنى تحرير المرأة المسلمة بجب استثارتها وليس إقناعها، ومواجهتها بدلاً من تثقيفها. وضع هؤلاء النساء في دوامة شخصية، بحسب اعتقادها، سينتج عنه التغيير. توجهها فشل على ما يبدو. حتى قبل التهديد بالقتل، نادراً ما اختلطت علناً مع أهم مجموعة تشكل قاعدتها الانتخابية: المرأة المسلمة.
إضافة إلى ذلك، ومثل معظم السياسيين الهولنديين هي أيضاً كانت على ما يبدو غير مستعدة للتمييز بين الإسلام والعادات والتقاليد العربية والشمال إفريقية الأبوية. في المنظور العقلاني الضيق الأحادي لحرسي والشعب الهولندي، هناك «إسلام» واحد، مرتبط بشكل أساسي أو مماثل لهذه التقاليد المحلية.
مأساة فان غوغ أدت إلى فجوة ازدادت اتساعاً بين المجتمع الهولندية و الجالية المسلمة. أسلوب حياة المسلم، وما يدعيه البعض من عدم قدرة الإسلام على انتقاد نفسه أديا إلى تشاؤم متزايد بالقيم المتعلقة بتعدد الثقافات. إلا أن الانتخابات المحلية التي جرت أخيراً والتي ربحتها الأحزاب اليسارية السياسية بفضل مشاركة مكثفة وتصويت من طرف المهاجرين المسلمين وغيرهم، تقترح عودة محتملة إلى أيام ما قبل فورتوين. هل عاد البندول إلى وضعه السابق؟
ليس بعد. على رغم أن الكثيرين حاولوا التمسك بموروث فورتوين وفشلوا، فإن حزب الأحرار المحافظين، ثالث أكبر حزب سياسي، يحاول الآن أن يفعل ذلك بالضبط. مثل مارغريت ثاتشر البريطانية في أوائل أيامها في مطلع الثمانينات من القرن الماضي فإن فيردونك، أكثر زعماء حزب الأحرار المحافظين شعبية التي يطلق الآن عليها اسم «ريتا الحديد»، تبنت بفخار صورة القائدة الحديدية. المسئولة عن السجون سابقاً تقوم الآن بتقليد أسلوب فورتوين الشعبي وموضوعاته كذلك.
مثل أي مكان آخر في أوروبا، يجب إيجاد وضع مريح للتعامل مع أقلية مسلمة كبيرة العدد، تبلغ هنا نحو المليون معظمهم من أصول شمال إفريقية. عليها أن تحل التناقض الذي أوجدته العملية كما يبدو إذ إن الكثير من المسلمين الأوروبيين الشباب الذين يفخرون بهويتهم متعددة الثقافات، مثلاً أن يكونوا هولنديين ومغربيين في الوقت نفسه، يعيشون في عالم يدافع بفخر عن حرية التعبير لكنه لم يعد يؤمن بتعدد الثقافات.
لذلك تستمر الأوقات الصعبة، ولكن الحوار يتدحرج قدماً الآن من دون حرسي علي.
ملاحظة: أبوبريغادي سانتوزو صحافي في إذاعة راديو هولندا، والمقال ينشر بالتعاون مع «كومن غراوند
العدد 1421 - الخميس 27 يوليو 2006م الموافق 01 رجب 1427هـ